غضب وتساؤلات لدى الباكستانيين حول جدوى «تساهل السلطات» مع المتشددين.. بعد المجزرة

محللون: جاءت ردا على الهجوم الكبير للجيش ضد مسلحي «طالبان»

TT

رأى محللون أن المجزرة التي نفذتها حركة طالبان الباكستانية ضد مدرسة ثانوية يرتادها أبناء النخبة من العسكريين في شمال غربي البلاد أول من أمس، جاءت انتقاما لعملية كبرى نفذها الجيش الباكستاني مؤخرا عقب سنوات من التردد إزاء المسلحين المحليين. وأثار الاستهداف الجماعي للأطفال، في المنطقة العسكرية بمدينة بيشاور، إدانات من مختلف أنحاء العام وكذلك من كل الأطياف السياسية والدينية الباكستانية، وذلك في مشهد نادر للوحدة في هذا البلد الذي غالبا ما يتقبل حوادث العنف وأحيانا ما يدافع عنها. وكان لافتا أن الهجوم لقي إدانة حتى من حركة طالبان الأفغانية.

وأشار محللون إلى أنه بعد سنوات من الهجمات والتفجيرات الانتحارية ضد الأسواق والمساجد والفنادق والقواعد العسكرية، انتقل المتمردون إلى ما هو أبعد، مما قد يثير سخطا شعبيا ينجم عنه تحول حاسم لدى الناس والحكومة بعد سنوات من التردد والقبول النسبي لمتشددي طالبان. وجاءت المجزرة مستهدفة بشكل أكثر وضوحا من ذي قبل الجيش الباكستاني، وهي المؤسسة الوطنية القوية التي تحظى باحترام الشعب. والحادثة الوحيدة التي يمكن مقارنتها كانت في ديسمبر (كانون الأول) 2009، عندما اخترقت مجموعة صغيرة من المسلحين مقر قيادة الجيش في مدينة روالبندي وقتلت أكثر من 30 شخصا كانوا يؤدون الصلاة في مسجد الجيش.

وعدد القتلى المسجل أول من أمس (148 قتيلا بين تلاميذ ومدرسين) لا يماثله في السنوات الأخيرة إلا مقتل 150 شخصا في هجوم انتحاري بمدينة كراتشي أثناء الاحتفالات باستقبال رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بي نظير بوتو إثر عودتها إلى بلادها بعد سنوات قضتها في منفاها الاختياري. وتعرضت بوتو إلى الاغتيال بعد ذلك بوقت وجيز.

لكن حتى عندما أثارت الهجمات السابقة إدانات واسعة وتعهدات بالرد من قبل المسؤولين العسكريين، ظلت المؤسسة العسكرية والاستخبارات الباكستانية تعاني من تناقض شديد حول كيفية التعامل مع القوى المحلية المتشددة.

وأحد الأسباب الرئيسية يكمن في أن تلك الجماعات المتطرفة لعبت دور الوكيل في لعبة التنافس المستمرة بين باكستان والهند، وهي القضية التي تسبب قلقا عميقا لدى قادة الأمن الباكستاني والتي لطالما ينظر إليها على أنها تمثل تهديدا أكبرا بكثير مما يمثله المسلحون المتشددون. وغالبا ما تتعرض الهجمات الإرهابية للانتقاد الروتيني بأنها من تنفيذ جهات أجنبية مجهولة.

وعلى الرغم من ذلك، ظل الجيش على الدوام مدركا للرأي العام، وحركت مجزرة أول من أمس حالة غير اعتيادية من السخط والاشمئزاز السريع والواسع. فقد نشرت وسائل الإعلام مشاهد بشعة للأطفال المقتولين على أسرة المستشفيات، وبعضهم لا يزال يرتدي زي المدرسة باللون الأخضر، ومشاهد لبكاء المشيعين الحاملين للنعوش المصنوعة على عجل من خشب الصنوبر خارج المستشفيات في بيشاور.

وقالت هنية صديقي (18 عاما)، التي كانت تتسوق في مدينة كراتشي الساحلية: «اليوم هو أتعس أيام تاريخ بلادنا. لقد حان الوقت لنضبط عقولنا لمحاربة الإرهابيين والقضاء عليهم نهائيا، وليس فقط البكاء والإدانة على الحادث الأليم».

يذكر أن المدرسة المستهدفة مفتوحة للجميع، إلا أن تمويلها يأتي من الجيش الباكستاني، وكثير من الطلاب هم أبناء لعسكريين يقطنون مدينة بيشاور. بدا أحد الآباء، يدعى طاهر علي، وهو يحمل جثة ابنه عبد الله (14 عاما) في حالة حزن، وقال: «كان ابني يرتدي الزي المدرسي في الصباح. وهو في النعش الآن. كان ابني هو حلمي.. لقد قتلوا حلمي». أما برويز خطاك، رئيس وزراء إقليم خيبر باختونخوا، فقال إن مسلحي طالبان بدأوا بإطلاق نار عشوائي عقب دخولهم المدرسة من الباب الخلفي. وكان أوائل الطلاب المستهدفين يقفون في قاعة لتلقي تدريبات على الإسعافات الأولية، حسبما أفادت الشرطة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»