واشنطن وهافانا تنهيان قطيعة «نصف قرن».. بعد وساطة الفاتيكان

التطبيع يشمل رفع قيود السفر وتسهيل المبادلات ومراجعة وضع كوبا ضمن «القائمة السوداء»

أوباما أثناء إعلانه تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا من البيت الأبيض أمس (أ.ب)
TT

أعلنت الولايات المتحدة وكوبا أمس عن تطبيع العلاقات بينهما بعد نصف قرن من القطيعة، وذلك بعد وساطة قام بها الفاتيكان. وأعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، أمس، فتح «عهد جديد» مع كوبا، وتعهد بأن يبحث مع الكونغرس رفع الحظر المفروض على كوبا منذ نصف قرن. وقال في خطاب تاريخي من البيت الأبيض إن «عزل كوبا لم يعط نتيجة»، داعيا إلى اتباع «نهج جديد» ومعلنا بالإسبانية «نحن كلنا أميركيون».

وأكد أوباما أنه سيفتح سفارة في كوبا، وسيقوم دبلوماسيون على مستوى عال بتبادل الزيارات ابتداء من يناير (كانون الثاني) المقبل بمناسبة الجولة المقبلة من مباحثات الهجرة الأميركية الكوبية في هافانا. ومعروف أن واشنطن وهافانا لم تقيما علاقات دبلوماسية كاملة منذ 1961، وكانت تمثل كل منهما شعبة رعاية مصالح في عاصمة الدولة الأخرى.

وسيشارك أوباما في قمة الأميركيتين المقررة العام المقبل في بنما، والتي أعلنت كوبا مشاركتها فيها، وذلك في أول حدث من نوعه منذ انطلاقتها في 1994.

وشملت التغييرات التي أعلن عنها الرئيس أوباما زيادة التحويلات المالية للعائلات. ويعتمد عدد كبير من الكوبيين على المال الذي يرسله أقاربهم المقيمون في الولايات المتحدة. وفي عهد القطيعة، كان يجري تحديد هذه التحويلات بـ500 دولار فقط كل ثلاثة أشهر، لكن بموجب التغييرات سترفع قيمة المبالغ المسموح بتحويلها أربع مرات إلى ألفي دولار كل ثلاثة أشهر.

وتشمل التغييرات زيادة الصادرات والواردات الأميركية. وستتمكن الشركات الأميركية الآن من بيع كوبا بضائع تشمل معدات لبناء المساكن الخاصة، ومستلزمات المزارع، وبضائع يحتاجها المقاولون. وسيسمح للمواطنين الأميركيين المسافرين إلى كوبا بأن ينقلوا معهم بضائع تصل قيمتها إلى 400 دولار، بما في ذلك 100 دولار من منتجات التبغ والكحول، بما فيها السيجار الكوبي. كما ستسمح الولايات المتحدة لشركات الاتصالات بإقامة متاجر وبناء بنى تحتية في كوبا، وبتصدير أجهزة وبرمجيات وخدمات الاتصالات بهدف تحسين الاتصال عبر الإنترنت في الجزيرة التي تسجل أدنى مستوى لاستخدام الإنترنت في العالم.

وسيجري أيضا رفع القيود عن السفر، علما بأنه في السابق لم يكن يسمح سوى لبعض الأميركيين مثل الصحافيين والجامعيين والمسؤولين الحكوميين ومن لديهم أقارب مباشرون في كوبا، بالسفر إلى هذا البلد. وفي بعض الأحيان كان الأمر يتطلب تقديم طلب خاص قبل فترة، كما في حال الصحافيين المستقلين، والمشاركين في أنشطة عامة أو من يسافرون لأسباب تتعلق بالتصدير. وبموجب السياسة الجديدة لن يكون مطلوبا تقديم طلب مسبق، في عدد كبير من الحالات. إلا أن القيود التي فرضها الكونغرس ستبقى كما هي بما فيها حظر السفر بغرض السياحة فقط إلى كوبا.

وشملت التغييرات الجديدة تسهيل المبادلات المالية، إذ سيسمح للمؤسسات المالية بفتح حسابات في مصارف كوبا، وسيسمح للمسافرين الأميركيين باستخدام بطاقات الائتمان والصرف في كوبا. وأعلن أوباما أيضا عن مراجعة وضع كوبا في قائمة الدول الداعمة للإرهاب في غضون ستة أشهر. وكانت الولايات المتحدة تعتبر كوبا منذ 1962 «دولة راعية للإرهاب»، واتهمتها بحماية متمردين كولومبيين، ومناضلين من الباسك، وأميركيين هاربين.

وتزامنا مع خطاب أوباما في البيت الأبيض، أعلن الرئيس الكوبي راؤول كاسترو، من هافانا، أنه اتفق مع نظيره الأميركي «على إعادة العلاقات الدبلوماسية». وأضاف في خطاب بثته وسائل الإعلام الرسمية «هذا لا يعني أن (المشكلة) الرئيسية أي الحصار الاقتصادي تمت تسويتها». وأشاد كاسترو بنظيره الأميركي لاتخاذه خطوات لإعادة العلاقات بين البلدين بعد قطعها لأكثر من نصف قرن. وأضاف «هذا القرار من قبل الرئيس أوباما يستحق اعتراف وتقدير شعبنا»، موجها كلمة شكر إلى البابا فرنسيس الذي أسهم في التوصل إلى هذه الخطوة. وقال «أود أن أشكر الفاتيكان على دعمه خصوصا البابا فرنسيس».

ومن جهته، أكد الفاتيكان أنه ساعد في إذابة الجليد في العلاقات بين البلدين. وأفاد بيان للفاتيكان بأن البابا فرانسيس كتب للرئيسين أوباما وكاسترو «ودعاهما لحل المسائل الإنسانية ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك أوضاع بعض السجناء، من أجل الشروع في مرحلة جديدة في العلاقات بين الطرفين». وتعهد الفاتيكان بـ«الاستمرار في تأكيد دعمه للمبادرات التي سيقوم بها البلدان لتعزيز العلاقات الثنائية».

وجاء إعلان كل من أوباما وكاسترو بعد أن توصل البلدان إلى اتفاق لمبادلة سجناء تم بفضله الإفراج عن المقاول الأميركي آلان غروس لقاء الإفراج عن ثلاثة كوبيين أدينوا بالتجسس هم جيراردو هيرنانديز ورامون لبانينو وأنطونيو غيريرو. وقال كاسترو إن الكوبيين الثلاثة الذين تعتبرهم هافانا «أبطالا» وصلوا إلى كوبا أمس. وأضاف «عاد جيراردو ورامون وأنطونيو اليوم إلى وطنهم. لأسباب إنسانية عاد المواطن الأميركي آلان غروس اليوم أيضا إلى بلاده».

ولقي الإعلان الأميركي - الكوبي المتزامن عن إعادة العلاقات ترحيبا أمميا فوريا، إذ أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون استعداد المنظمة للمساعدة في تحسين العلاقات بين الجانبين. كما عبر البابا فرنسيس عن ارتياحه الكبير لما وصفه بأنه «قرار تاريخي»، كما شكره أوباما على دوره في هذا التقارب.

وجاء الإعلان عن تطبيع العلاقات تزامنا مع موافقة هافانا على الإفراج عن 53 سجينا سياسيا. وقال مسؤول أميركي إن «الحكومة الكوبية وافقت على الإفراج عن 53 سجينا نعتبرهم سجناء سياسيين، ونحن نرحب كثيرا بهذا الإفراج»، موضحا أنه تم الإفراج عن بعضهم «ونتوقع أن تتواصل عملية الإفراج».