تونس تحيي الذكرى الرابعة لاندلاع الثورة في ظل تقييمات متضاربة

مطالبها المتمثلة في التنمية والتشغيل لا تزال قائمة

TT

أحيت مدينة سيدي بوزيد، مهد الثورة التونسية، أمس، الذكرى الرابعة لاندلاع أولى شرارات الاحتجاجات الاجتماعية التي أدت إلى الإطاحة بنظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. وشهدت ساحة محمد البوعزيزي المحاذية لمقر ولاية (محافظ) سيدي بوزيد، حضور عدد من أعضاء الحكومة التونسية والشخصيات الوطنية وممثلين عن المنظمات الوطنية والأحزاب السياسية.

ومنع أهالي سيدي بوزيد خلال السنة الماضية الرؤساء الثلاثة: علي العريض (الحكومة) والمنصف المرزوقي (الجمهورية) ومصطفى بن جعفر (البرلمان)، من حضور الاحتفالات احتجاجا منهم على تهميش المنطقة والبطء في حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة.

وبعد 4 سنوات من تاريخ اندلاع الاحتجاجات الاجتماعية، لا تزال الأحاسيس والتقييمات متضاربة بشأن نتائج الثورة.

ولا يمكن أن يقف الزائر لتونس اليوم على ملامح فعلية للاحتفال بالذكرى الرابعة لاندلاع الثورة، إذ غابت علامات الزينة في شوارع العاصمة التونسية وبقية المدن الكبرى احتفالا بهذه المناسبة. وعلى العكس من ذلك، فإن الكثير من التونسيين لم يعودوا يذكرون هذا الحدث من دون أن يربطوا المسألة بالظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تحط بثقلها على حياة عموم الناس، فيتغير الحديث بسرعة من تناول الثورة التونسية ونعمة الحرية إلى شكوى متواصلة من الظروف الاجتماعية القاسية.

ويلوح بصيص أمل بسيط وضئيل على الوجوه السياسية التي أفرزتها الثورة، لكن الإحساس بـ«سرقة الثورة من البسطاء» بات أمرا يكاد يكون محسوما بين غالبية التونسيين. ولم يعد الكثير منهم يهتمون بمن ثار أو من سيثور في المستقبل، بقدر تركيزهم على البرامج العملية التي ستغير حياتهم خلال الفترة المقبلة وهي برامج قليلة ونادرة وصعبة التحقيق في الوقت الحالي.

ويقول المؤرخ التونسي صلاح الدين البرهومي لـ«الشرق الأوسط»، إن مناسبة انطلاق الثورة التونسية في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010، أصبحت مناسبة تاريخية رمزية يقدم خلالها المجتمع المدني التونسي رؤاه وتصوراته في القضايا الجوهرية وذات الأولوية، ولكن تخوفات التونسيين تجاه تأسيس مجتمع متقدم ودولة قوية تكفل الحقوق والحريات - ما زالت قائمة.

ويضيف أن تاريخ الثورات غالبا ما يقع احتسابه على مدة تاريخية طويلة نسبيا، لأن إمكانية الارتداد تبقى سهلة وبسيطة ويمكن أن تجري ولو بعد سنوات من النجاح الأولي للثورة، وهو إحساس يختزنه عدد مهم من التونسيين.

وفي مدينة سيدي بوزيد (وسط تونس) - وهي التي كانت مهد الثورة التونسية وأهم رموزها، ما زالت قائمة مطالب التنمية والتشغيل التي أضرم من أجلها البوعزيزي النار في جسده، على حالها، وما زال أهالي سيدي بوزيد ينتظرون مشاريع تغير نسق حياتهم وتقضي على أسباب اندلاع الثورة التي عمت كل أرجاء البلاد، ويهددون بين الفينة والأخرى بثورة ثانية تصحح مسار الثورة الأولى.

وفي معرض تقييمه للإحساس السائد في مهد الثورة التونسية، قال الناشط السياسي في سيدي بوزيد، عطية العثموني لـ«الشرق الأوسط»، إن الأجواء نفسها التي سبقت حادثة الاحتجاجات الاجتماعية التي جرت نهاية عام 2010 لا تزال موجودة، فمعظم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تدحرجت نحو الأسوأ، وأحس التونسي العادي، خاصة في المناطق الفقيرة والمحرومة، بوطأة تبعات الثورة على حياته.

وترجم العثموني هذا الإحساس في الوعود البراقة التي رافقت حملة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان)، وبقي معظمها حبرا على ورق.

ويضيف العثموني أن عدم الاستقرار السياسي والأمني خلال السنوات الماضية، خفض من منسوب التنمية وقلص مستوى الاستثمارات وخفض من رصيد ثقة التونسيين بالقائمين على أمور البلاد والمصير الذي ستؤول إليه فترة المخاض الطويلة التي تبعت اندلاع الثورة قبل 4 سنوات.

وتختلف تقييمات السياسيين عن مثيلاتها لدى عموم التونسيين.

ويقول بلقاسم حسن، رئيس حزب الثقافة والعمل (تأسس بعد الثورة)، لـ«الشرق الأوسط»، إن ما أنجزته الثورة التونسية يعد قياسيا، إذ إنها الثورة الوحيدة في ثورات الربيع العربي التي آلت إلى نتائج إيجابية بكل المقاييس، ويكفي التونسيين الوقوف على تغيير واقعهم السياسي والثورة على الظلم والاستبداد.

ويضيف حسن أن النتائج الاقتصادية والاجتماعية لمناخ الديمقراطية والحريات ستبرز للعيان خلال فترة زمنية وجيزة. وزاد قائلا: «لذلك، لا داعي للاستعجال، فبعد نجاح المسار الحكومي والانتخابي سيلتفت كل التونسيين إلى المسار الاقتصادي وستظهر النتائج في القريب العاجل».

وفي السياق ذاته، قال الناشط النقابي بمنزل بوزيات في محافظة سيدي بوزيد، عبد السلام الحيدوري، إن التونسيين ربحوا رصيدا مهما من الحرية وضمان التعبير عن شواغلهم بشكل مباشر وعبر عدة وسائل، بيد أن هذا الأمر لا يؤثر في حياتهم في ظل قرابة 800 ألف تونسي عاطل عن العمل، وتدهور القدرة الشرائية لدى معظم المنتمين إلى الطبقة الوسطى في البلاد، مؤكدا أن الحرية وحدها لا تكفي. فالتونسي العادي يبحث عن رغيف الخبز وتأمين حياته وحياة أبنائه والنهوض بظروفه الحياتية.

ولا يتوقع الحيدوري أن تتبدل الأوضاع خلال السنوات المقبلة، ويقول إن إجراء الانتخابات الرئاسية بعد أيام ومن قبلها الانتخابات البرلمانية لن يغير الكثير من حياة الناس، فالمطلب الأساسي للتونسي اليوم هو العمل وتوفير لقمة العيش بعيدا عن لعبة الكراسي وحسابات الطبقة السياسية السابقة واللاحقة.