رفيف الظل: يدّعي وصلا بهذا

كتابة: قاسم حداد وسعد الدوسري وعادل خزام

TT

التقينا على طاولة الشك، في يدها الشوكة وفي معصمي السكين، وحين خرجنا في الوداع وهي السلامُ يغادر، جاءت الحرب. صفة لما يغسل الحرقة المنقوعة في المعنى المراوغ، ووصفٌ لطعنة الذات للذات، وفي المشهد بشرٌ ملاعين، وسماسرة يسايرون الموجَ وهو أخضر، وجلادون سياطهم اللسان ونارهم القذفُ في الأنساب وهي حبلٌ مقطوع.

تعالي يا سحابة الرجال، جفّ حليبُ الأمهات وصرنا نرضع الدم، وغررَ بنا ملحدُ اليقين، فهل من فرار؟ وهل جدارُ الصدّ يقوى، أم تحاصره الشروخ؟

طاب الصباحُ، ولكنّ ظلالنا اختفتْ وقتَ الظهيرة، وهذا العصرُ ألبسَنا غشاوة المحتار، وطالَ الليلُ قبل سكون هزيعهِ في الروح، وما انتصرنا لأننا انتظرنا، وما اكتملَ درسُنا في سبورة الفرجة بعد.

هي الشروخُ، مدفأة الفواصل وابتداءُ الحرف.

هي الجروحُ على النقاط، والسكونُ على الشهيق.

هي نطفة علقت، فصارت مضغة للنّص، وكلّ يدّعي وصلا بهذا الشرخ، إلاّ أنت. أخفيتَ المشيمة تحتَ ظلّ النار، فاحترقتْ يداكَ بجذوة الوادي المقدّس، فلا تقف أن اتهموا لسانَك بالهمهمة، وارحلْ كي تمشّطَ الأوطان من الغرباء. هناك، يخلعُ كلّ غريب جلدَه ثم يرتدي عريه، باتجاه المأدبة اليومية للأهل والأصدقاء. يفعل ذلك كل صباح، ولكي تميّزَ الغريب، عليك أن تُترجمَ البردَ المتحفّز في كل جثة.

العري ليس هو الغريب الذي تبحث عنه، بل هو الجلدُ المتكومُ البارد.

العُري ليس الغريب، تذكّر!

تثاءبْ معلنا قربَ موتك. هذا الأوكسجين المندفعُ كالرصاصة إلى صدرك،

هو بَصْمَتُك، هو إعلان أنكَ عبرت الجسرَ من جثمانك لحلاوة روحك.

- «تمشي أوردتُها في أَرَقي بكبرياءٍ يليقُ برضيعة. أنعسُ، فأرتطم بحليبها. وتلك الأوردة لها قصة. كنت أتحسسُ الطريقَ في شارعٍ مظلم، فوقعتْ أصابعي على لحنٍ لم ينهكْ عظامي من قبل. أنهكتُ عيني بشمعتِه، وشعرتُ حينها أن قسوة تهبّ من جهة أصلُها فرعٌ في السماء. ارتخيتُ، كانَ طعما كصفحة تحملُ أولَ أسراري. سرى الرحيقُ، شهقتُ، فاشتعلَ اسمي، وفاحت دمعة خبأتُها في بريقِ صمتي.

هناك، نبضَ شريانٌ غائرٌ في خطوتي التي كنتُ لا أجيدُ رملَها. هناك، شعّتْ شفتا النفق، وسمعتُ صرختَها. اليوم، تمشي أوردتُها في أَرقَي بكبرياءٍ يليقُ برضيعة. أنعس، فأرتطم بحليبها، ثم أفطمُ نفسي لقسوتِها. هذه الشفاه تتمتم باسم مَنْ سمعتُ شذاها من بعيد، وغادرني اعترافي. أيكون للطف عطفٌ وما من أحد يسامح؟ وهل قطرة البياض تروي كل هذا الشهد، أم أن الأنامل تعبث فيولد من البكاء همسُ الأيادي وتكون الإشارة قد بدأت؟ تعالي يا سليلة النهر، هزّي الضروع هزّ أجراس ورددي معي: أول الحياة بكاء وأولها لحنُ آه، ونحن انتظرنا على جسر انشغالنا لو تطلع الشمس، قمرا يلمم ضوءَ الحنين ويمنحه روعة الأنثى. مولودة للتو، ولكنها خُلِقتْ من صفح أعذارنا، ورششناها بعطر المواسم كي نهنأ بالحصاد».