قراءة في أفلام «ذا غولدن غلوبس»: دراميات واقعية وكوميديات فانتازية غالبا

«الشرق الأوسط» في موسم الجوائز (1)

بندكيت كمبرباتش في «لعبة المحاكاة»
TT

تتيح جوائز «غولدن غلوبس» التي سيقام حفلها يوم الأحد الـ11 من الشهر المقبل، مجالا أوسع للمرشحين والمرشـحات، كما للأعمال الفنية المتنافسة. فهناك قسم للدراما وقسم للكوميديا والغناء في مسابقات أفضل فيلم وأفضل تمثيل رجالي وأفضل تمثيل نسائي. بذلك يكون عدد الأفلام المرشحـة في كل قسم 5 مما يجعل المجموع 10. ويكون عدد الممثلين والممثلات المرشـحين في قسمي الدراما والكوميديا 20 ممثلا، إلا إذا تكرر ورود ممثل في أكثر من فيلم أو في أكثر من قسم.

* مقارنة مقارنة بالأوسكار فإن عدد الأفلام المرشحة 9 (وقد يصل إلى 10، لكنه لا يتجاوزها) وعدد الممثلين والممثلات 10 أيضا (إلا في حال تكرار لممثل أو ممثلة).

إلى سنوات قليلة، كانت ترشيحات الأوسكار في مجال الأفلام الناطقة بالإنجليزية هو 5 فقط. لكن اشتداد المنافسة بين الجائزتين دفع بأكاديمية العلوم والفنون السينمائية لرفع عدد الترشيحات إلى نحو شبه مضاعف، وبذلك عادت إلى تقليد ساد في الأربعينات والخمسينات.

من ناحيتها، قامت «جمعية هوليوود للمراسلين الأجانب» بإضافة قسم لمسابقة الأفلام الكرتونية (أنيميشن) يحتوي على 5 أفلام متنافسة، وهو قسم لم يكن موجودا من قبل وحتى نحو 5 سنوات سابقة.

هذا، من بين دلالات أخرى، يعكس المنافسة القائمة بين جائزتي الأوسكار و«غولدن غلوبس»؛ الأولى لا تزال في الموقع الأول والأعلى بين كل الجوائز السنوية، والثانية تحتفظ (والمنافسات من حولها كثيرة) بالموقع الثاني وبعناد.

هذا العام لا يختلف عن الأعوام السابقة بالنسبة لسباق «أفضل فيلم روائي درامي» في ترشيحات «غولدن غلوبس». الأفلام المتنافسة على هذه الجائزة تبدأ بـفيلم «صبا»Boyhood وتشمل، تبعا لورودها أبجديا: «صائد الثعالب»Foxcatcher و«لعبة المحاكاة»،The Imitation Game و«سلما» Selma و«نظرية كل شيء» The Theory of Everything.

كل هذه الأفلام حقيقية المصادر والجذور، وإن كانت مختلفة.

«فوكسكاتشر» و«لعبة المحاكاة» مأخوذان عن أحداث واقعة. «نظرية كل شيء» هو سيرة حياة (بالتالي الشخصيات والكثير من الأحداث حقيقية) و«صبا» يسجل حياة شخصية حقيقية لولد ثم يؤلف الدراما التي يريد عليها. أما «سلما» فهو أيضا حقيقي المنحى، كونه يتعامل مع واقعة المظاهرة السلمية التي قام بها السود في ألاباما، والتي قوبلت بالعنف وأدت إلى مقتل الكثير.

بذلك أفلام هذه المسابقة مالت إلى الدراما المأخوذة من الواقع، وبذلك اتسعت الهوة بينها وبين أفلام المسابقة الكوميدية - الاستعراضية، كون كل ما ورد في تلك المسابقة (باستثناء واحد) هو خيالي وفانتازي.

* جريمة تبحث عن دافع «صبا»، شهد عروضه الأولى في مطلع عام 2014، عندما اختاره مهرجان «صندانس» لعرض عالمي أول. بعده ضمه مهرجان برلين في عرض أوروبي أول ثم ساح الفيلم على شاشات 30 مهرجانا آخر.

الفيلم الذي أخرجه ريتشارد لينكلتر على مدى سنوات عدة، صور بطله صغيرا ثم عاد إليه فتى وانتهى به شابا، كان بإمكان المخرج جلب 3 ممثلين مختلفين وإنجاز الفيلم في 6 أشهر لو أراد، لكنه عمد إلى ممثل واحد (لم يكن ممثلا حين بدأ) اسمه إيلار كولتران صوره في هذه المراحل المتعددة. ومن يدري، ربما يعود إليه المخرج بعد 5 أو 10 سنوات ليقدمه لنا مجددا.

قوة الفيلم لا تكمن في هذه المتابعة الدؤوبة بل في تحويلها إلى دراما إنسانية شفافة وجميلة. هو ملحمة حياة طبيعية وبسيطة، لكن بحجم مضاعف من المشاعر والمواقف داخلها. على السطح الفيلم متابعة لحياة شخصيات عدة محورها ذلك الصبي. في الجوهر، هو رصد لتحولات شخصية واجتماعية وسياسية في أفق هذه الحياة. الشخصيات محدودة، لكن ما تعبر عنه شاسع. القصـة ملتزمة بخط معين، لكن جوانبها مليئة ببذور أكثر من حياة مشتقـة. يجعلك تتساءل بعد أن يقدم وينهي شخصية ما، إلى أين تذهب تلك الشخصية التي لن نراها بعد الآن؟ هل سيلتقطها المخرج في فيلم آخر؟

ينقلنا المخرج من زمن لآخر بسلاسة وتلقائية، ومن دون عناوين على الشاشة، ومن دون حدوث صدمة. لا يبحث المخرج عن عناوين كبيرة يصنف بها حياة الآخرين. لا يقصد تهميش الواقع والانطلاق في بناء روائي بعيدا عنه. في الصميم، هناك حس مرهف بالعائلة من دون أن يكون الفيلم عائلي النبرة. تلك المشاهد التي تظهر لمّ شمل العائلة من تلك الرقيقة والدافئة. وحوارات المخرج من تلك الصميمية. هذا دائما ما كان أحد مميزات أفلام لينكلتر.

«فوكسكاتشر» مختلف تماما، هو أيضا فيلم جيـد اشتغله المخرج بَـنت ميلر (صاحب «كابوتي» و«مونيبول») بحرفية جيدة. وهو يتناول في جوانب حكايته أميركا وما لها وعليها في وجهيها الفردي والاجتماعي. هو في الأصل حكاية واقعية؛ جون دو بونت (يؤديه ستيف كاريل) مصارع أميركي وضع الفوز بذهبية الرياضة فوق كل اعتبار، وبعد 9 سنوات من التدريب والتخطيط والعرق قام بقتل ديف شولتز (مارك روفالو) في جريمة احتارت المحكمة في أمرها؛ فهي لم تكن مبررة ولا حوت أي دافع لفعلها، مما جعلها تقضي باعتبار القاتل مخبولا. لكن الحقيقة، وهي ما سعى الفيلم لإعلانها، تكمن في أن القتيل ديف حاول إنقاذ شقيقه مارك (شانينغ تاتوم) من براثن العجوز الثري والغريب جون دو بونت، بعدما سطا هذا الأخير على شخصية مارك وحياته، وجعله يدمن المخدرات ويترك حلم الوصول.

هذا فيلم صعب لكنه مر، ككثير من الأفلام الأميركية التي يختارها مهرجان «كان»، بلا تقدير كاف أو جائزة. صعب لأنه يوحي بدكانة تتجاوز النفس البشرية لتصيب العاهات الاجتماعية، ولأنه يتحدث عن القوة المهيمنة (ما يصفه الناقد تود مكارثي بـ«الرأسمال القديم») والتمثيل جيد من الجميع بلا فروق تذكر، ولو أن ستيف كاريل هو الوحيد بين ممثلي هذا الفيلم الذي يفوز بالترشيح في سباق أفضل ممثل درامي.

* حكايات الغابة الفيلم التالي هو أيضا مأخوذ عن وقائع حقيقية، ومثل «فوكسكاتشر» يتدخل السيناريو لكي يوصل بين الفقرات الواقعة بفصول خيالية. إنه «لعبة المحاكاة» لمخرج جديد اسمه مورتن تلدوم. دراما تقع أحداثها في بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، ويؤدي بطولته الممثل بندكيت كمبرباتش في دور العالم الشاب الذي يتم توكيله بحل الشيفرات النازية قبل أن تحل الواقعة وتخسر بريطانيا الحرب. إنها شيفرات عسكرية يذكر الفيلم أنها بالغة التمويه لدرجة أن هناك 159 مليون احتمال لقراءتها. فقط عالم الحسابات ألان تورينغ (لعبه المسرحي ديريك جاكوبي في عام 1986 في مسرحية بعنوان «تفكيك الشيفرة») استطاع سبر غور هذه المتاهة بنجاح وأنقذ، حسبما يؤكد بعض المؤرخين، بريطانيا من كارثة.

الفيلم قائم على دراسة وافية وضعها في كتاب أندرو هودجز سنة 1983 والمخرج وجد الطريقة لتلميع الحكاية المثيرة بالإنتاج ذي المزايا اللافتة بالصنف التاريخي للحكاية مع بعض التجاوزات (الجمع بين شخصيات لم تلتقِ في الواقع).

بالنسبة لفيلم «سلما»، فإن اختلافه أكثر وضوحا عن كل شيء آخر. في حين أنه ما زال فيلما مستوحيا من أحداث وشخصيات حقيقية، إلا أنه جاد من حيث طرحه أكثر من سواه.

في عام 1965 وقف مارتن لوثر كينغ يحث رئيس الجمهورية ليندون جونسون على العمل لضمان صدور قانون المساواة الاجتماعية والحقوق المدنية للأفرو - أميركيين. جونسون كان مترددا إلى أن تقع حادثة بلدة سلما في ولاية ألاباما حين فتح البوليس النار على متظاهرين سود عُزّل وقتل وجرح منهم أكثر من مائة.

أما الفيلم الخامس هنا في «نظرية كل شيء» لجيمس مارش، وهو - كما ذكرنا حين شوهد الفيلم في افتتاح مهرجان دبي الأخير - رحلة في حياة العالم ستيفن هوكينغ الشخصية، مثل «لعبة المحاكاة» يسبح فوق الأرقام والمعلومات ولا يفسـرها وأكثر من ذلك الفيلم في سعيه للحديث عن الحياة الخاصـة للعالم البريطاني.

قائمة مسابقة الفيلم الكوميدي أو الموسيقي تحتوي على 5 أفلام، أحدها كان ختام مهرجان دبي المذكور، وهو «في الغابة» للمخرج روب مارشال المتخصص أكثر من سواه في سينما اليوم، بالأفلام الغنائية (انطلاقا من «شيكاغو»).

«في الغابة» يجمع بين حكايات فانتازية معروفة ومشهورة من بينها حكاية «ليلى والذئب» و«شجرة اللوبيا» و«سندريلا»، كون أحداثها تقع في الغابة وما لا يقع منها في الغابة يتم وضعه فيها شاء أم أبى. الناتج فانتازيا متعددة الأحداث والشخصيات والاتجاهات. الساعة الأولى منها رائعة التمازج ومتناسقة كأوراق الشجرة، لكن الساعة الثانية منها هي المشكلة التي تجبر الفيلم على الانحناء تحت ثقل ما يريد تناوله، أي كل تلك الحكايات وفوقها نهايات مبتكرة، كنوع من تبرير الجمع بينها.

الأفلام الأخرى هي «بيردمان» (وقد تحدثنا عنه سابقا) لأليخاندرو غونزاليز إيناريتو و«ذا غراند بودابست هوتيل» لوز أندرسون (أيضا من بين ما شهده مهرجان برلين من أفلام) و«كبرياء» وهو كوميديا عن حركة من المثليين تبادر للوقوف لجانب عمـال المناجم ضد نية رئيسة الوزراء البريطانية في التسعينات، مارغريت ثاتشر.

هذا هو الفيلم الوحيد المستند إلى قصـة واقعية بين أفلام هذا القسم. أما الفيلم الخامس فهو «سانت فنسنت» لتيودور ملفي، وهو من بطولة بل موراي الذي يرتفع مستوى الفيلم بظهوره، ثم ينخفض حين يغيب.