دول الخليج تشرع في تأسيس كيان موحد لاستقدام العمالة وفق المعايير الدولية

عدد العاملين بلغ 17 مليونا تفوق حوالاتهم السنوية 81 مليار دولار

جانب من المؤتمر الصحافي الذي عقد أمس بمجلس الغرف السعودية بشأن تأسيس كيان خليجي موحد للاستقدام (تصوير: عبد الله الرشيد)
TT

تنتظر البلاد الخليجية ميلاد كيان يتمتع بشرعية وتشريعات، يستند إليها إطلاق استراتيجية خليجية موحدة لتنظيم سوق العمل تجاه استقدام العمالة الفنية والمنزلية في الأيام القليلة المقبلة، للحد من المشكلات التي خلقها غياب الرؤى المفضية لموقف خليجي موحد.

يأتي ذلك في ظل تنامي السوق الاقتصادية والتجارية والاستثمارية ومقومات البنى التحتية، التي تتطلب مختلف المهارات من العمالة المستقدمة في السوق الخليجية، والبالغ عددها حاليا 17 مليونا، وتبلغ حوالاتهم السنوية أكثر من 81 مليار دولار.

وفي هذا الإطار، طرح في مؤتمر صحافي أمس بالرياض، ممثلون من مجلس دول التعاون ومكتب وزراء العمل واتحاد الغرف في الخليج، بجانب مجلس الغرف السعودية ممثلا في لجنة الاستقدام، كيفية خلق كيان يوحد الدول الخليجية تجاه استقدام العمالة وتنظيم سوق العمل. وتوصل المجتمعون إلى تكوين فريق عمل مبدئي، يمهد الطريق إلى تكوين كيان يستمد شرعيته مستقبلا من دول مجلس التعاون الخليجي، بهدف المصادقة على خلق كيان، منوط به إطلاق استراتيجية لأول مرة توّحد عملية الاستقدام بمعايير وشروط وعقود موحدة.

ويتطلع الأمين العام لاتحاد الغرف الخليجية أن يسهم الكيان المرتقب في كف المشكلات التي نجمت عن غياب العقود الخاضعة لميثاق عمل موحد، يجعل المواطن الخليجي في موضع القوة من حيث التفاوض، مشيرا إلى أن غياب هذا الكيان كبد أرباب العمل في السوق الخليجية خسائر مادية ومعنوية كبيرة.

من جهته، أكد عبد الرحيم نقي، الأمين العام لاتحاد الغرف الخليجية، أن تشكيل لجنة خليجية موحدة لتشكيل استراتيجية موحدة تجاه استقدام العمالة المنزلية والفنية بات أمرا من الأهمية بمكان لا يمكن تأجيله، نسبة للتحديات التي تواجه سوق العمل في حالة عمل كل دولة خليجية لحالها. ولفت نقي إلى أن الدول الخليجية تتفاوت من حيث مشكلات الاستقدام واحتياجات رب العمل والمستقدم، على الرغم من إصرار الدول الخليجية على العمل على المساهمة في رفع المستوى المعيشي لتلك الدول التي تورد العمالة للخليج. وأوضح نقي أن السوق الخليجية لا تزال تنمو بقوة وتتوسع كل يوم، الأمر الذي يتطلب تنظيم سوق العمالة لجني المساهمة المطلوبة منها في مختلف المجالات.

وأقر الأمين العام لاتحاد الغرف بحاجة السوق الخليجية المتنامية للعمالة الماهرة لإنجاز متطلبات البنى التحتية المتنامية ومواكبة التوسع الاقتصادي والتجاري والاستثماري الضخم. وشدد نقي على أهمية المضي قدما في تأسيس كيان خليجي للعمل باستراتيجية موحدة تجاه استقدام العمالة المنزلية والفنية وتشكيل فريق يسند له هذه المهمة ليتخذ الخطوات المطلوبة لإنزال متطلبات ومقترحات وتوصيات الدول الخليجية إلى أرض الواقع، مما ينصف الخليجيين والعمالة على حد سواء، ويلتزم بمعايير العمل الدولية.

من ناحيته، شرح سعد البداح، رئيس اللجنة الوطنية للاستقدام بمجلس الغرف الخليجية، المعاناة التي تواجه أصحاب العمل والمواطن، مبينا أن فريق العمل سيعمل من خلال التنسيق بين الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي واتحاد الغرف الخليجية ومجلس الغرف السعودية والمكتب التنفيذي لوزراء العمل بدول الخليج للوصول إلى وثيقة عمل وتنظيم سوق الاستقدام. ونوه البداح بأن عدد العمالة في السعودية بلغ تسعة ملايين عامل، وتبلغ حوالاتهم السنوية 35 مليار دولار سنويا، فيما يبلغ عدد العمالة بالإمارات أربعة ملايين يحولون سنويا 16 مليار دولار.

وأوضح أن الكويت بها 1.6 مليون من العمالة، يحوّلون 12 مليار دولار، وعمان بها مليون عامل يحولون ثمانية مليارات دولار، وقطر بها 900 ألف يحولون 7.5 مليار دولار، وعددهم في البحرين 400 ألف يحولون 2.5 مليار دولار سنويا. ومع ذلك قال البداح «رغم العدد الكبير من العمالة، البالغ عددها 17 مليارا، التي تحول 81 مليار دولار سنويا، فإن كل هذه الأرقام الكبيرة لم تشفع لنا لصناعة موقف قوي لدى مفاوضاتنا مع الدول التي تصدر العمالة، تمنحنا قوة فرض شروطنا بما لا يتعارض مع حقوق العامل وحقوق الإنسان».

وقال البداح «للأسف فإن العقود تفرض من جانب الاستقدام من قبل الدول التي تصدر العمالة، وهذا أدى إلى تضاعف التكلفة بنسبة وصلت إلى 400 في المائة من استقدام العامل (من 3500 ريال إلى 25 ألف ريال)، وتضاعفت الرواتب بنسبة 150 في المائة بسبب تدخل سفارات الدول المصدرة في هذه الشؤون بشروط تعسفية». وأضاف «في غياب نظام خليجي موحد، يضمن سير عمليات الاستقدام بشكل منضبط، برزت على السطح مشكلات كثيرة، منها استنزاف المواطن وتأخر الإجراءات لتستغرق ستة أشهر بدلا من أسابيع»، مشيرا إلى أنه قبل شهرين رفعت الهند سقف الرواتب من 900 ريال لكل مستقدم إلى 1500 ريال.

وتابع البداح «تعرّض بعض رجال الأعمال بموجب غياب وثيقة خليجية موحدة للاستقدام إلى محاكمات بمجرد شكوى عامل من بعض البلدان بغض النظر عن صحتها، فكل المخالصات والتعهدات أصبحت تحت وطأة الحظوظ وليس العقود، وتعرّض رجال أعمال إلى خسائر فادحة بسببها».

وفي السياق ذاته، أكد عبد الله الخروصي، مدير إدارة العمل والخدمات الاجتماعية بدول مجلس التعاون الخليجي، أن مجلس التعاون بات مؤمنا بفكرة عمل تقنين وتنظيم سوق العمل الخليجية وتنظيم عملية الاستقدام بشكل فاعل وموحد. ولفت الخروصي إلى أن وزراء العمل في دول مجلس التعاون شكلوا فريقا خاصا، مبينا أن وزير العمل بقطر يتابع المستجدات في سوق العمل الخليجية وكيفية خلق بيئة صحية للاستقدام لا تواجه مشكلات يعاني منها القطاع الخاص أو العام أو المواطن بشكل عام بالشكل الذي عليه اليوم.

وقال الخروصي «إن تشريعات المتعلقة بتنظيم سوق العمل والاستقدام، في دول التعاون الخليجي، ليست كلها بمستوى موحد على غير الحال الذي عليه في السعودية أو البحرين، حيث توجد تشريعات تنظم سوق العمل والعامل، من خلال وزارة العمل التي هي معنية بالعمالة، في حين تتولى جهات أخرى مثل وزارة الداخلية قضايا العمالة والاستقدام، في بعض البلدان الخليجية، وبالتالي فهي غير خاضعة لقانون العمل».

أما خليل بوهزاع، مدير إدارة الشؤون العمالية بالإنابة بدول مجلس التعاون الخليجي، فقال «نحن شكلنا فريقا ولكن لا بد له من أن ينبثق بشكل شرعي من دول مجلس دول التعاون بالتنسيق مع اتحاد الغرف الخليجية ومجلس الغرف السعودية ومكتب وزراء العمل في هذه الدول». وأكد بوهزاع أن الفريق الذي يتوقع ميلاده قريبا سيشكل دعما قويا لموقف المفاوض الخليجي، أمام تلك البلدان التي تصدر العمالة لدول المجلس، مستمدا قوته وشرعيته من دول مجلس التعاون الخليجي، ليتمكن من اتخاذ موقف موحد ليس مهددا بقدر ما هو منظم وعادل لصالح المواطن والعمل والمستقدم».