«المنقذ».. يعود إلى قمة السلطة

TT

الباجي قائد السبسي هو من مسؤولي الدولة في تونس منذ منتصف خمسينات القرن الماضي؛ حيث كان مستشارا لبورقيبة، ثم تولى كثيرا من المناصب، بينها وزارات: الداخلية، والدفاع، والخارجية، وأيضا في عهد بن علي؛ حيث كان رئيس البرلمان سنتي 1990 و1991، وعضو اللجنة المركزية للحزب الحاكم حتى 2003، وغاب لفترة عن واجهة الأحداث ليعود بعد هروب بن علي ويتولى رئاسة الحكومة في فبراير 2011.

ويعترف خصوم السبسي وبعض أعدائه بكونه رغم تقدمه في السن لا يزال من أكثر الشخصيات السياسية الوطنية «كاريزما» وقدرة على التأثير في الرأي العام عندما يظهر في وسائل الإعلام بما يذكر الكهول والشيوخ والعجائز بـ«كاريزما» الزعيم الراحل بورقيبة.

ورغم بلوغه الـ89 لا يزال كثير من أنصار السياسي المخضرم وخصومه، بمن فيهم زعامات من التيارات الإسلامية واليسارية مثل راشد الغنوشي وعبد الرزاق الكيلاني وسمير الطيب، ينظرون إليه نظرة «المنقذ» السياسي الذي نجح بعد انهيار حكم بن علي مطلع 2011 في تجميع غالبية السياسيين من مختلف التيارات حوله وحول حكومته الانتقالية.

ويقر هؤلاء بكون «دهاء الباجي قائد السبسي» كان وراء نجاحه في إجهاض «مؤامرات» داخلية وخارجية كثيرة حاولت أن تمنع إنجاز أول انتخابات تعددية في أكتوبر (تشرين الأول) 2011. كان معروفا أن نتيجتها ستكون تفوقا ساحقا لنشطاء حركة النهضة وحلفائها العلمانيين، وبينهم حزب الرئيس المصنف المرزوقي.

ويؤمن كثير من السياسيين من أنصار الباجي قائد السبسي بأن «اعتدال» زعيمهم وشخصيته «الوفاقية» كانا وراء تسليم مؤسسات الدولة إلى أول حكومة منتخبة في مشهد تاريخي بقصر الحكومة بالقصبة وقع بثه على الهواء مباشرة إلى العالم أجمع.

لكن التقييمات لقائد السبسي تباينت أواسط عام 2012 بعد أن خرج عن صمته وأسس مع ثلة من الشخصيات السياسية حزبا سياسيا أطلقوا عليه تسمية حزب «نداء تونس»، أعلنوا أنه مفتوح للمستقلين والنقابيين واليساريين ومنخرطي حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي وقع حله مباشرة بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 ضمن ما سمي باستراتيجية «القطيعة مع الماضي ومع النظام السابق».

وقد فجرت تلك الخطوة انتقادات بالجملة لـ«المنقذ» السابق الذي أصبح يعتبر «محاميا عن إعادة رموز النظام السابق للحكم وللحياة العامة».

ولم تقف الأمور عند هذا الحد، فقد أصبح السبسي عرضة لانتقادات غير مسبوقة. واتهم من قبل زعامات قومية عربية ويسارية وإسلامية بالتورط في انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان عندما كان مديرا للأمن ثم وزيرا للداخلية والدفاع ما بين 1955 و1969. وأثيرت ضده قضايا في المحاكم بتهمة الضلوع في قتل المعارضين لبورقيبة وتعذيبهم وفي تبرير محاكمات استثنائية ضد بعضهم، وبينهم وبين المجموعات القومية العربية «اليوسفية» الموالية لجمال عبد الناصر ثم العسكريين الذين حاولوا الانقلاب على بورقيبة في 1962 وصولا إلى الطلبة القوميين واليساريين الذين تظاهروا في الجامعات والشوارع ما بين 1964 و1969.

إلا أن أنصاره دافعوا عن زعيمهم وعن انخراطه المبكر في الدفاع عن الحريات منذ انسحابه من مؤتمر الحزب الحاكم في المنستير عام 1971 مع ثلة من وزراء بورقيبة السابقين مثل أحمد المستيري، بسبب مطالبتهم بإدخال إصلاحات سياسية على نظام الحكم.