أغاني الحصاد والعمل.. والحب

كتاب سوري يوثق لـ140 أغنية ريفية تشكلت عبر تاريخ طويل

غلاف الكتاب
TT

صدر أخيرا للكاتب والباحث السوري (محمد خالد رمضان) كتاب توثيقي حمل عنوان: (أغاني الحصاد في ريف دمشق). وأهمية الكتاب تأتي من كونه يوثق لتراث شفوي لمنطقة تشهد، ومنذ بدء الأزمة السورية معارك طاحنة بين القوات النظامية ومسلحي المعارضة، حيث الكثير من مناطق ريف العاصمة دمشق وقرى غوطتها الشرقية والغربية تتوضع في أماكن الاشتباكات والحرب المتواصلة منذ 3 سنوات.

يوضح المؤلف من خلال كتابه الجديد الصادر بدمشق عن الهيئة العامة السورية للكتاب ويقع في 330 صفحة أن كتابه عبارة عن بحث وجمع لأغاني الحصاد وعددها نحو 140 أغنية عمل على توثيقها من مصادر محلية، حيث الرواة من كبار السن نساء ورجال كان قد التقاهم المؤلف وسجل ما حفظوه وتناقلوه عن آبائهم وأجدادهم لطقس ريفي تراثي جميل تعيشه تلك المناطق الريفية في موسم حصاد الحبوب من أقماح وشعير وغيرها. وهي أغانٍ غير معروفة المؤلف ولا الملحن كما أنها واحدة من جزئيات أغاني العمل والتعامل مع محصول القمح في التراث الشعبي اللامادي ومنها: أغاني الدراس والرجيدة والتذرية والقطاف وغيرها، وصولا لأغاني البرغلة والسليقة (حيث تشهد القرى السورية ومنها قرى ريف دمشق طقسا جماعيا جميلا يتجلى بعملية سلق القمح وتجفيفه ومن ثم جرشه وتحويله لبرغل).

في كتابه يبين رمضان أن لأغاني الحصاد أغراضا كثيرة تكونت خلال تاريخها الطويل ومنها: الحماس (ويأتي في المقدمة لأهميته في العمل)، والفخر، والوصف، والغزل (وهو غرض مهم لما يثيره في الحصادين والحصادات من شؤون وشجون تمس حياتهم)، والتساؤل أيضا. (وهو المعنى البعيد لتلك الأغاني لما تحمله من تاريخ الناس عبر السنين والحياة). و«يفلسف» الكاتب هذه الأغاني و(يؤنسنها) من خلال مضامينها التي تحمل الكثير عن الإنسان تغيراته وتعبيراته، واقعه وآماله وأمنياته، وبظهر في أشكال عدة ومنها: طول الأغنية وقصرها وكيفية غنائها وما تحمله من معان والجملة الموسيقية وتكرار الأغنية وحواريات الأغنية وغير ذلك من التباينات، كما يظهر دلالات كل أغنية. فهناك الدلالات الاجتماعية التي تحمل الشكوى والتعب والألم ووصف الحالة الشخصية والخوف والحنين والشوق وغير ذلك. وهناك الدلالات الفلسفية التي تحمل أسئلة الحياة والموت وأسئلة الوجود والآتي والمصير، ودلالات العمل، والحث على السرعة والانتباه والتركيز، والتي تعمل على تنشيط الحصادين.

يلاحظ جهد المؤلف في توثيق هذه الأغاني التراثية واضحاً من خلال جمعها من معظم مناطق ريف دمشق وهي مناطق واسعة شاسعة تضم الغوطتين الغربية والشرقية ومناطق القلمون كالنبك ويبرود وقارة ومناطق الجنوب الغربي كقطنا والشمال الغربي كالزبداني والتل وقدسيا وغيرها. ولا ينسى الكاتب أن يعرض كل أغنية كما يؤديها سكان كل منطقة من هذه المناطق، حيث قد تختلف بعض الكلمات بين منطقة وأخرى مع بقاء روح وموسيقى وغرض الأغنية كما هو والراوي لكل أغنية. ويورد المؤلف نماذج لأغاني يرددها الشباب الحصادون الذين يتعبون من أجل أن ينالوا إعجاب الفتيات.