تساؤلات في بريطانيا حول صلاحية الأمير تشارلز لاعتلاء العرش بعد الملكة إليزابيث

شخصيته عصرية ولا يلتزم بالموروثات ولا يريد الاحتفاظ بآرائه السياسية ومثير للقلق

الملكة إليزابيث والأمير تشارلز
TT

انتظر الأمير تشارلز بالفعل فترة أطول عن أي ولي عهد آخر لاعتلاء العرش البريطاني في تاريخ بريطانيا، ولكن كلما اقترب الزمن الذي سيردد فيه رعاياه المستقبليون أنشودة «فَلْيَحْمِ الرب الملك»، ازداد قلق البعض حيال تولي تشارلز الثالث عرش بريطانيا في نهاية الأمر، في تقرير لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ).

ويتوقع بيتر براون، وهو مؤرخ هاوٍ يقيم في مدينة نيوكاسل التي تقع في الشمال الإنجليزي، أن «تنتهي فترة ولاية الملك تشارلز الثالث على نحو سيئ كما كان الحال مع كل من تشارلز الأول والثاني».

ويقول براون باستياء إن الأمير تشارلز الذي يبلغ من العمر 66 عاما سيلحق الضرر بالنظام الملكي وسيدعم قضية المطالبين بتحويل بريطانيا إلى جمهورية عن طريق إثارة ضيق الحكومات بتدخله في المسائل السياسية، مما أدى إلى تركيز انتباه الجمهور على تشارلز، وعلى الكيفية التي سيتصرف بها عند قيامه بدور الملك الذي ظل ينتظره بالفعل طوال 62 عاما هو تسريب رسائل كتبها وبعث بها إلى وزراء الحكومة، ويسعى عن طريقها إلى التأثير على السياسة العامة للدولة.

وفي خلال فترة 7 أشهر فقط كتب تشارلز 27 خطابا عرفت باسم «مذكرات العنكبوت السوداء» نظرا لنمط خط يده في الكتابة.

وكتب الأمير تشارلز عام 2001 إلى الوزير اللورد إيرفين خطابا أعرب فيه عن معارضته «قانون حقوق الإنسان»، وقال فيه إن «حياتنا أصبحت تحكم بواسطة درجة عبثية تماما من التدخل الذي تفرضه العوامل السياسية فحسب»، وبعد ذلك بعام جلس على مكتبه مرة أخرى ليكتب خطابا يحذر فيه اللورد إيرفين «من فرض مزيد من القوانين الملزمة بحكم العرف رغم عدم مجاراتها ظروف العصر».

وتخوض الحكومة البريطانية معارك قانونية في المحاكم لفرض نطاق من السرية على محتوى هذه الرسائل، بزعم أن نشر الرسائل التي لم يتم تسريبها سيلحق «الضرر الجسيم» بنسيج الملكية الدستورية في بريطانيا. وحيث إنه لا يوجد دستور مكتوب في بريطانيا فإن حقوق وواجبات المواطنين تحددها الأعراف التي تطلب من الملك أن يكون محايدا من الناحية السياسية، وأن يذعن في جميع المسائل لإرادة الحكومة المنتخبة. وقد تكون «مذكرات العنكبوت السوداء» مجرد قمة جبل الجليد في ما يتعلق بدفاع تشارلز عن مجموعة من القضايا، تتنوع بين تشريعات حقوق الإنسان والتصميم المعماري والأمور المتعلقة بالمجتمع المدني والأطعمة المعدلة وراثيا والطب البديل والتعليم بالمدارس. وهذه الرسائل جعلت الصحف تتهكم على تشارلز وتصفه بأنه «الغاضب في ويندسور» و«أمير النواح»، وهي كلمة تتشابه بالإنجليزية مع نطق مقاطعة ويلز.

ويدفع أنصار الأمير تشارلز بأنه عندما يعتلي العرش سيتوقف عن كونه قد نصب نفسه «وسيطا ومتدخلا عنيدا» في الحياة السياسية، ولكن هل سيستطيع أن يحافظ على مسافة دقيقة من العراك السياسي عندما يتوج ملكا على البلاد؟ غير أن ما يثير القلق هو أن هذا النمط من التدخل الذي استمر لأكثر من 4 عقود لا يمكن تحطيمه بسهولة. كما أن الرسائل التي بعث بها تدفع إلى إجراء مزيد من المقارنات بين ولي العهد ووالدته التي تتمتع بالشعبية، والتي ظلت ملكة لأكثر من نصف قرن من الزمان.

وقد تكون الملكة إليزابيث مثيرة للضجر، غير أنها جيدة في ما يتعلق بمنصبها، كما أنها تتمتع بحب البريطانيين، ويشير استطلاع للرأي العام أجرته منذ 6 أشهر شركة «كوم ريس» لأبحاث السوق إلى أن نسبة الشعبية التي يتمتع بها تشارلز تبلغ 43 في المائة مقابل 63 في المائة للملكة. وليس ثمة أمل أو توقع في أن يقلد تشارلز والدته ويصبح مجرد ملك. وفي نفس الوقت فإن التغيير هو أمر حتمي، حتى الملكة إليزابيث ذاتها تغيرت، فهي تبعث برسائل على «تويتر»، وتركب المواصلات العامة، كما تخلت عن اليخت الملكي، وفتحت قصر باكنغهام أمام السياح، وأصبحت أول عاهل ملكي يدفع ضرائب على الدخل.

ومهما كانت نظرة نواب البرلمان إلى تشارلز، فقد كسب بعض القلوب باستعداده الواضح لإظهار جانب فضفاض يتمتع بالحرية من شخصية العاهل الملكي التقليدية.

تخيل مثلا أن الملكة وقفت لتلتقط صورة شخصية لنفسها، لقد فعل تشارلز هذا، وتخيل أن الملكة أذاعت فيديو كوميديا، لقد قام تشارلز بهذا أيضا. ولكن السؤال هو: ما حدود الذهاب بعيدا في التحديث؟ هل طبيعة تشارلز ستبعده عن رعاياه؟

لقد قال تشارلز بالفعل إنه يريد الابتعاد عن التقاليد، وأن يتخلى عن لقب الملك بأنه «المدافع عن الإيمان»، وأن يتبنى بدلا من ذلك لقب «مدافع عن الإيمان» الذي يعكس احترام صعود الإسلام والأديان الأخرى. كما قال إن احتفالية تتويجه - على عكس ما حدث مع والدته عام 1953 - يجب أن تكون متعددة الديانات، فهل تتحمل بريطانيا مثل هذه الاتجاهات الجديدة؟

ونادرا ما كانت الملكة إليزابيث تخطو بشكل خاطئ طوال فترة حكمها الطويلة. وعندما توفيت الأميرة ديانا زوجة تشارلز الأولى في حادث سيارة بباريس عام 1997، أقنع رئيس الوزراء الملكة بمشاركة رعاياها في الأحزان لوفاة أميرتهم المحبوبة، غير أنه تم النظر إلى هذا السلوك باعتباره إذا استخدمنا تعبيرات الديانة المسيحية «ذنبا» من جراء عدم الالتزام الديني، وليس ذنبا من جراء ارتكاب معصية، أي أنها تناست التقاليد ولكنها لم تخرقها.

وحتى الآن اتخذ تشارلز الذي يرى نفسه شخصية عصرية صورة الشخص الذي لا يرغب في الالتزام بالموروثات أو الذي لا يريد الاحتفاظ بآرائه السياسية لنفسه، وهذا الرجل الذي لديه ولع بالنشاط السياسي جعل البعض يشعر بالقلق من أن زلزالا دستوريا أصبح على الأبواب، غير أن السير مايكل بيت، وهو سكرتير خاص رئيسي سابق لأمير ويلز، يرفض وجهة النظر هذه حول أن هناك عاصفة دستورية، تعتمل الآن، حيث قال عام 2007 إن تشارلز «حريص للغاية دائما على التأكيد على أنه ليس مشاكسا سياسيا أو ينتهج سياسة حزبية».