قوة السياسات الاقتصادية للسعودية مكنتها من تجاوز اضطراب أسعار البترول

مختصون: تنويع الاقتصاد سر التحدي.. وتوقعات بنمو التجارة الخارجية بنسبة 5.5 % في 2015

وزير البترول السعودي علي النعيمي ووزير المالية إبراهيم العساف ووزير العمل عادل فقيه أثناء الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء أمس (واس)
TT

أكد لـ«الشرق الأوسط» مختصون أن الأسس التي بنت عليها السعودية سياساتها الاقتصادية التي أسفرت عن أكبر موازنة في تاريخها للعام المقبل تتضمن إنفاق 860 مليار ريال (229.3 مليار دولار) خلال 2015؛ كانت موفقة وسليمة بنسبة 100 في المائة.

ويعتقدون أن نجاعة هذه السياسات برزت من خلال قدرتها على مواجهة التحديات التي لا تزال تواجه الاقتصاد إقليميا ودوليا، في وقت قدرت فيه وزارة المالية الإيرادات العامة في ميزانية 2015 بـ715 مليار ريال (190.6 مليار دولار) مقابل 855 مليار ريال (228 مليار دولار) في 2014.

وشدد المختصون على ضرورة المضي قدما في تنفيذ السياسات التي اتبعتها السعودية فيما يتعلق بالتنوع الاقتصادي وزيادة التجارة الخارجية، ما يمكن من الحصول على ميزانية أكبر في الأعوام المقبلة، متوقعين نمو التجارة الخارجية بنسبة 5.5 في المائة في عام 2015، مقارنة بما كانت عليه في العام المنصرم التي بلغت 5 في المائة.

ويأتي ذلك في حين قدرت مؤسسة النقد العربي السعودي القيمة الإجمالية للصادرات السلعية خلال عام 2014 بـ1.3 تريليون ريال (359 مليار دولار)، بانخفاض بلغت نسبته 4.4 في المائة عن العام المالي السابق.

ويتوقع أن تبلغ الصادرات السلعية غير البترولية نحو 208 مليارات ريال (55.4 مليار دولار) بزيادة بلغت نسبتها 3.1 في المائة عن العام المالي الماضي، حيث تمثل الصادرات السلعية غير البترولية ما نسبته 15.4 في المائة من إجمالي الصادرات السلعية.

ومن المتوقع أن تبلغ قيمة الواردات السلعية (فوب) في العام الحالي، 564 مليار ريال (150.4 مليار دولار) بنسبة انخفاض بلغت 2.6 في المائة عن العام السابق.

وأشارت التقديرات الأولية لمؤسسة النقد العربي السعودي إلى أن الميزان التجاري سيحقق هذا العام فائضا مقداره 788 مليون ريال (210.1 مليون دولار) بانخفاض بلغت نسبته 5.6 في المائة عن العام الماضي، وذلك نتيجة لانخفاض الصادرات البترولية رغم انخفاض الواردات.

ويتوقع الحساب الجاري لميزان المدفوعات أن يحقق فائضا مقداره 398.9 مليار ريال (106.3 مليار دولار) في العام الحالي مقارنة بفائض مقداره 497.4 مليار ريال (132.6 مليار دولار)، للعام المالي الماضي، بانخفاض بلغت نسبته 19.8 في المائة.

وفي هذا السياق، قال كامل المنجد رئيس مجلس الأعمال السعودي - الهندي لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذه الميزانية الكبيرة تبرهن بما لا يدع مجالا للشك على أن الأسس التي بنت عليها السعودية سياساتها الاقتصادية كانت موفقة جدا، وسليمة 100 في المائة رغم التحديات التي تواجه الاقتصاد إقليميا ودوليا».

ولفت المنجد إلى أن هذه الميزانية ولدت في ظرف دقيق للغاية، حيث إن سعر البترول انخفض إلى أكثر من 50 في المائة خلال هذا العام، علما بأن 90 في المائة من الإيرادات السعودية كانت من البترول، غير أن الميزانية، برأيه، ككل، زادت بشكل مقدّر، فضلا عن أن الدين العام سيكون على انخفاض يصل إلى أكثر من 15 في المائة في العام المقبل. وقال المنجد: «إن بروز الميزانية بهذا الحجم يثبت أن الاقتصاد السعودي متحرر من الانعكاسات التي تترتب على اضطراب أسعار البترول عالميا، من خلال السياسات التي يتبعها فيما يتعلق بالتنوع الاقتصادي وزيادة التجارة الخارجية، ما مكن من الحصول على ميزانية أكبر».

وتنبأ المنجد بأن تشهد التجارة الخارجية نموا كبيرا في العام المقبل، مبينا أن انخفاض أسعار البترول سيكون له أثر مباشر على صادرات وواردات السعودية، ما يعني أهمية تنشيط التجارة الخارجية بشكل أكبر، ما من شأنه أن يساهم في تقليل نسبة التضخم، مشيرا إلى أن نسبته تراوحت بين 2.5 في المائة و3 في المائة، ما يعني ضرورة تعزيز وتوسيع مواعين التجارة الخارجية وزيادة حجمها من وإلى السعودية.

وفيما يتعلق بميزان المدفوعات، توقع المنجد وفقا للمؤشرات والمسارات التي شكلت الميزانية هذا العام، أن يكون الاتجاه في العام المقبل في صالح السعودية طالما بدأت بانخفاض هذا العام، مشيرا إلى أن نمو التجارة الخارجية المتوقعة يبلغ 5.5 في المائة في عام 2015، بعد أن كانت 5 في المائة العام المنصرم.

من جهته، أكد عبد الله المليحي رئيس مجلس الأعمال السعودي - السنغافوري في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن السياسات الاقتصادية راعت الظروف التي تشكلت فيها هذه الميزانية، حيث إنها جاءت في ظل متغيرات اقتصادية عالمية مضطربة، خاصة فيما يتصل بمفاصل الحركة الاقتصادية في هذا العام المرتكزة في الأساس على هبوط أسعار البترول، بما فيها اقتصاديات المنطقة العربية ككل. وقال المليحي: «في ظل هذه الظروف المعقدة، صمد الاقتصاد السعودي بشكل قوي وواضح، ويلاحظ أن معظم هذه الميزانية تصرف في مشروعات البنية التحية، بما فيها قطاع الصحة والتعليم والنقل، وهناك تركيز على ضخ الأموال بشكل أكبر في هذه المجالات، هذا في حد ذاته دفعة أخرى جديدة للمضي قدما فيما من شأنه تنشيط التجارة والاستثمار خارجيا بشكل أكبر».

وتوقع رئيس مجلس الأعمال السعودي - السنغافوري أن يشهد هذا العام ازدهار الاقتصاد السعودي من خلال ازدهار تجارته الخارجية وزيادتها، معتقدا أنه في الجانب الآخر يرى أن الظروف التي يمر به إنتاج النفط والأسعار التي تتجه نحو الانخفاض، ربما تدعو لتعزيز منشطات التجارة الخارجية وزيادة الاستثمار الأجنبي في مختلف المجالات.

وشدد المليحي على ضرورة جذب المزيد من رؤوس الأموال من الخارج بالطرق كافة وفي مختلف المجالات، مبينا أن ذلك يعزز الدور المنوط بالتجارة الخارجية، موضحا أن الهيئة العامة للاستثمار بذلت مجهودا مقدرا في سبيل ضخ أكبر قدر ممكن من رؤوس الأموال الأجنبية للسوق السعودية في المجالات التي تعزز فكرة التنوّع الاقتصادي.

كذلك يعتقد المليحي أن هناك حاجة ماسة لتوجيه الاستثمار الأجنبي الضخم وفق رؤى استراتيجية تعمل بشكل أكثر فعالية وفق سياسات منضبطة تساهم في تنويع الاقتصاد وتساهم في خلق بنية تحتية تمكن التجارة الخارجية والاستثمارات المتحركة بأن تمضي بمتلازمة ذات أثر إيجابي كبير على الاقتصاد السعودي.

وشدد رئيس مجلس الأعمال السعودي - السنغافوري على ضرورة إعادة النظر في تصريف رؤوس الأموال المتدفقة من الخارج، بشكل يستصحب الرؤية المستقبلية لزيادة التجارة والاستثمار بالطرق الأكثر فائدة، من حيث العوائد التي تمكن الميزانية المقبلة من تحقيق مزيد من القوة والمتانة للاقتصاد السعودي. واتفق الدكتور عبد الرحمن باعشن رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية بجازان (غرب السعودية)، لـ«الشرق الأوسط»، مع المليحي على أن التوجه العام الذي يتماشى مع زيادة خلق الميزانيات الضخمة في ظل الظرف الاقتصادي العالمي المضطرب مع اضطراب أسعار البترول، نحو التنوع الاقتصادي وبشكل أكبر على توسيع دائرة التجارة الخارجية.

وشدد باعشن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، على ضرورة إيجاد حلول مطمئنة لدى المستثمر الأجنبي لإزالة مخاوفه وتحفظاته تجاه إجراءات وآليات الضرائب، وكذلك إطالة الأمد في بت القضايا ذات الصلة في المحاكم، في ظل تعقيدات تتعلق بنظام الاستثمار وحفظ الحقوق بشكل جاد، وطلب قائمة طويلة من المستندات في حال تنفيذ المشروعات العملاقة.

واتفق باعشن مع المليحي على أنه في حال إيجاد حلول لمشكلات الاستثمار الأجنبي، مع العمل على زيادة التجارة الخارجية المستهدفة خلق موارد كبيرة غير بترولية، فإن الميزانية ستزيد متانتها وقوتها بنسبة تتراوح بين 20 في المائة و25 في المائة، وزيادة فرص الاستثمارات الكبيرة التي تعاني في بعض الأحيان من تأخير تنفيذها في ظل ضعف مقدرات قطاع المقاولات محليا. من جهته، بين محمد الحمادي رئيس مجلس الأعمال السعودي المغربي رئيس لجنة الزراعة والأمن الغذائي بالغرفة التجارية الصناعية، أن مؤشر الميزانية الجديدة يدعم مسيرة العمل الوطني ويحقق طموحات قطاع الأعمال من حيث زيادة حركة التجارة الخارجية.

وأوضح الحمادي أن هناك رؤية يمكن الخروج بها من قراءة هذه الميزانية، تدعو لتعزيز التنويع الاقتصادي وزيادة التجارة الخارجية للسلع والمنتجات غير البترولية، مشيرا إلى أن السعودية قطعت شوطا كبيرا في هذا الاتجاه يمكن جنيه العام المقبل والأعوام التي تليه.

ولفت إلى أن إيرادات ميزانية الدولة ومصروفاتها، تؤمن بضرورة الاستمرار في زيادة الاستثمارات والتجارة الخارجية وتعديلات من شأنها أن تزيد من تدفقات الاستثمارات الأجنبية في المشروعات والبرامج التنموية المهمة التي من شأنها خلق فرص عمل للمواطنين والشباب من الجنسين.