أستاذ فقه بالأزهر: إبرام عقد الزواج بأسماء مستعارة محرم شرعا

أكد لـ «الشرق الأوسط» أنه لا يجوز أخذ النساء تحت اسم «السبي» بدعوى الجهاد

منصور.. أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر
TT

في تعليقه حول هل يجوز شرعا الطريقة التي يتزوج بها عناصر تنظيم داعش من النساء والتي تكون بأسمائهم التي قد لا تكون حقيقية وما يعرف باسم «الزواج بالكنى»، قال الدكتور عبد الحليم منصور، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بمصر: «الزواج له أركان وشروط فأركانه: الصيغة (الإيجاب والقبول)، والزوج، والزوجة، والولي، ومن ثم فلا بد من توافر هذه الأركان توافرا حقيقيا حتى تتحقق ماهية هذا العقد، لما له من أهمية قصوى في الإسلام، حيث سماه القرآن الكريم الميثاق الغليظ»، مضيفا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «لذا فلا بد من تعيين كل أطراف هذا العقد تعيينا دقيقا، بالاسم والوصف على النحو الذي يتم منه بيان ومعرفة كلا الطرفين، على نحو لا توجد معه أي جهالة، أو ضياع لحقوق أي من الطرفين، والزواج على النحو الموسوم، الذي يتم فيه إبرام هذا العقد بأسماء مستعارة، أو كنى بعيدا عن ذكر الأسماء الحقيقة، فهذا كله ينافي عقد الزواج، ومن ثم فلا يليق بهذا الميثاق الغليظ أن يتم الاستخفاف به على هذا النحو المذكور سلفا، ولا سيما أن النظم الحديثة في الدول تقوم على توثيق عقود الزواج، وهذا يتطلب بيان حقيقة كلا الزوجين بالاسم والوصف، والسن، وكل شيء، بحيث يضمن كل من الزوجين حقوقه لدى الطرف الآخر، فضلا عن حقوق الطفل، من نسب وغيره، كل هذا يحتاج الأمر معه إلى بيان كل ما يتعلق ببيانات الزوجين، بل ومحل إقامة كل منهما، وغير ذلك».

وأكد الدكتور منصور، وهو وكيل كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالدقهلية، أن «هذا الزواج الذي يتم بالأسماء المستعارة أو الكنى فقط دون الأسماء الحقيقية يتنافى مع ما يهدف إليه الإسلام من الحفاظ على حقوق الزوجين، وحقوق الأطفال من نسب وخلافه، وهذا الزواج مظنة لضياع حقوق كل منها تجاه الآخر، بحيث يمكن جحده، أو إنكاره، وكذا يمكن جحد نسب الأولاد، وكذا حقوق المرأة المادية والمعنوية»، موضحا: «إن الشهود الذين يحضرون العقد إذا طلبوا للشهادة عند الترافع أمام القاضي، فإنهم سيشهدون على ما رأوه وسمعوه من كنى لهؤلاء الأشخاص، وهي تخالف الأسماء الحقيقة، فيكون في ذلك إهدار لهذا الميثاق الغليظ ولقدره، فضلا عن الإضرار بالمرأة، وكل ما يؤدي إلى الضرر فهو ممنوع شرعا عملا بالحديث الشريف: (لا ضرر ولا ضرار)، فضلا عن مخالفة هذا النوع من الزواج لما أمر به ولي الأمر من ضرورة كون الزواج موثقا، ومخالفة ولي الأمر الذي يهدف إلى تحقيق مصلحة المجموع أمر محرم شرعا، فكما يقول العلماء: (إن تصرف الحاكم على الرعية منوط بالمصلحة، والعمل على إهدار هذه المصلحة محرم شرعا)».

وحول قيام عناصر «داعش» بأخذ النساء «سبايا» بالمخالفة لما جاء في الإسلام، قال منصور: «لا يجوز لأي تنظيم كان مهما أطلق على نفسه من أسماء أن يعتدي على الآخرين باسم الدين، أو باسم الجهاد، أو باسم الخلافة.. فكل هؤلاء برآء من هذا الفعل، كذلك لا يجوز أخذ النساء المسلمات وغير المسلمات تحت اسم السبي، لما فيه من مخالفة للاتفاقات الدولية والتي تنص على تحريم الرق، والمسلمون قد وقعوا على هذه الاتفاقات، وألزموا أنفسهم بها»، لافتا إلى أن الحديث النبوي يقول: «المسلمون عند شروطهم»، والحق سبحانه وتعالى يقول: «أوفوا بالعقود».. ويقول: «وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم»، ومن ثم فلا يجوز لبعض الأفراد أو الجماعات أن تشق هذا الاتفاق الذي التزمت جميع دول العالم بدعوى الجهاد أو غيره من المفاهيم المغلوطة لدى كثير من هؤلاء، الذي يعيشون في عالم الماضي بعقله وأعرافه ومصالحه، ويريدون نقل كل ما فيه إلى عالم الحاضر دون نظر إلى مصالحه وأعرافه ومفاهيمه.. فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم فهم حقائق الإسلام بصورة صحيحة، ويدل على انتكاسة هؤلاء في فهمهم، فضلا عن تشويه صورة الإسلام، بأنه دين خطف واعتداء على الأعراض وحقوق الآخرين باسم الدين وباسم الإسلام. وأضاف: «لو رجع هؤلاء جميعا إلى سيرة المعصوم عليه سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يعامل غير المسلمين ممن سالمونا وعاهدونا، من الوفاء لهم بالعهد والحفاظ على عهودهم ومواثيقهم وتأمينهم على أنفسهم وأرواحهم ودمائهم، لراجعوا أنفسهم مئات المرات ولعادوا إلى صوابهم ورشدهم».