أحداث العام 2014: الرئاسات الـ3 في العراق.. التوازن الصعب

انتخاب معصوم والعبادي والجبوري قلب المعادلات التي كانت سائدة

رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي (إ.ب.أ)
TT

رغم أن الرؤساء الـ3 في العراق (رئيس الجمهورية فؤاد معصوم والوزراء حيدر العبادي والبرلمان سليم الجبوري) كانوا ثلاثتهم أعضاء في البرلمان العراقي للدورتين الماضيتين وتبوأ كل واحد منهم موقعا متقدما فيه (معصوم رئيسا لكتلة التحالف الكردستاني والعبادي رئيسا للجنة المالية البرلمانية والجبوري رئيسا للجنة حقوق الإنسان)، فإن وصولهم إلى المناصب السيادية العليا الـ3 ينظر إليه في العراق اليوم على أنه عصر التوازن الأهم في معادلة شديدة الاختلال إلى حد كبير.

ولعل أبرز ما يبدو أنه في صالح هذا التوازن هو أن جزءا كبيرا من المشكلات التي عاناها العراق طوال السنوات الـ8 الماضية (دورتي حكم نوري المالكي) هو فقدان هذا العنصر. فمع تفرد المالكي بالسلطة لا سيما خلال الدورة الثانية من ولايته فقد باتت العلاقة بين الرئاسات الـ3 (جلال طالباني رئيسا للجمهورية قبل انتكاساته المرضية منذ أواخر عام 2012 ونوري المالكي رئيسا للوزراء وأسامة النجيفي رئيسا للبرلمان) شديدة الالتباس. ومما زاد الأوضاع تعقيدا هو شغور منصب رئيس الجمهورية بسبب وجود طالباني خارج البلاد للعلاج واختلت المعادلة إلى حد كبير عندما أصبح القائم بأعمال رئاسة الجمهورية (خضير الخزاعي) قياديا في ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي. فعمليا باتت رئاستا الوزراء والجمهورية بالإضافة إلى المؤسسة الأهم (منصب القائد العام للقوات المسلحة) كلها بيد المالكي.

السياسي العراقي المعروف والقيادي السابق في ائتلاف دولة القانون، عزت الشابندر، يرى في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «الذي حصل باختيار بديل للمالكي من داخل التحالف الوطني وبإرادة عراقية ودون إملاءات إيرانية إنما هو أمر مهم بحد ذاته وهو التغيير الذي حصل على دعم داخلي ودولي في غاية الأهمية». ويضيف الشابندر الذي كان أوائل السبعينات من القرن الماضي مسؤولا حزبيا للعبادي في حزب الدعوة أن «المالكي حاول أن يغير المعادلة السياسية بالقوة عندما حرك الأجهزة الأمنية لليلة كاملة ومن ثم اضطر إلى اللجوء للقضاء لحسم الأمر الذي قضي لغيره».

وبشأن رؤيته لإمكانية نجاح العبادي في ظل هذه التوازنات الصعبة يقول الشابندر: إن «العبادي وإن كان حزبيا إلا أنه رجل مدني وهو من عائلة بغدادية وسينفتح على الحياة المدنية وقد بدأت مؤشرات ذلك وهو ما تتطلبه الظروف في الوقت الحاضر».

الأمر المهم الذي جعل الرئاسات الـ3 الآن تختلف عن الدورتين الماضيتين هو أنه في الوقت الذي كان يجري انتخاب الرئاسات الثلاث طبقا لسلة أو صفقة واحدة بحيث يجري التصويت على الرؤساء الـ3 (الجمهورية والبرلمان والوزراء) عبر سلة واحدة يتفق عليها بين الزعامات السياسية العليا بحيث تأتي «الطبخة» جاهزة أمام البرلمان الذي يتعين عليه التصويت على الـ3 معا، فإن الأمر اختلف هذه المرة. فالكتلة السنية التي ترشح رئيس البرلمان لم تنسق مع كتلتي الشيعة والكرد بشأن ذلك. بل تمت عملية الاختيار بانتخاب داخلي وهو ما أفرز سليم الجبوري (دكتوراه في القانون) ليتولى منصب رئيس البرلمان. والأمر نفسه حصل لكتلة التحالف الكردستاني التي اختارت عبر انتخابات داخلية فؤاد معصوم (دكتوراه في الفلسفة الإسلامية) رئيسا للجمهورية. أما ما حصل داخل الكتلة الشيعية فهو انقلاب جرى بموجبه اختيار حيدر العبادي (دكتوراه في الهندسة المدنية) مرشحا لرئاسة الوزراء.

الأمر الآخر الذي انطوى على أهمية بالغة أيضا هو أن اختيار هذه الرئاسات جاء ضمن المدد الدستورية بعكس ما حصل عام 2010 حين بقيت الجلسة البرلمانية الأولى مفتوحة لـ7 أشهر. كما أن الاختيار تم داخل كل كتلة وعبر انتخابات داخلية. هذا الأمر ينظر إليه الآن على أنه عنصر التوازن والتناغم بين الرؤساء الـ3 (أستاذ الفلسفة فؤاد معصوم 76 عاما) و(أستاذ القانون سليم الجبوري 44 عاما) و(دكتوراه الهندسة حيدر العبادي 62 عاما). وإذا كان أبرز ما سيواجهه رئيس الوزراء حيدر العبادي خلال السنوات الـ4 المقبلة هو كيفية حفظ التوازن داخل التحالف الوطني الشيعي والكيفية التي يمكنه من خلالها الحفاظ على زخم التأييد الداخلي والإقليمي والدولي فضلا عن كيفية تخطي الأزمة المالية الخانقة التي يمر بها العراق مع انخفاض أسعار النفط وتمويل آلة الحرب ضد «داعش»، فإن مهمة الرئيس فؤاد معصوم الأصعب تتمثل في الكيفية التي يتمكن بها من وضع الخلافات على السكة الدستورية الصحيحة. وانسجاما مع منهجه في الالتزام بالحقيقة فإنه قد يتمكن من تجنيب البلاد خطر الأزمات الدستورية خصوصا أنه أحد واضعي الدستور العراقي الحالي.

وبالنسبة للجبوري فإنه وصل إلى رئاسة البرلمان رغم ما لاحقه من تهم إرهاب حتى بعد إغلاق صناديق الاقتراع وضمن ليس فوزه فحسب بل ضمن فوزا كاسحا لقائمته «ديالى هويتنا» في واحد من أكثر المحافظات سخونة في العراق وهي محافظة ديالى (56 كم شمال شرق بغداد). وهذا الفوز يعني أن معادلات كثيرة تغيرت في العراق. ويقول السياسي المعروف ورئيس السن للبرلمان الجديد في أولى جلساته، الدكتور مهدي الحافظ، لـ«الشرق الأوسط»: إن «وصول الدكتور سليم الجبوري إلى رئاسة البرلمان كان أمرا حتميا بسبب طبيعة التوافقات السياسية رغم قناعتي أنها خاطئة ويجب أن تتغير بالكامل». ويضيف الحافظ: «من جانبي حاولت أن أغير قواعد هذه اللعبة عندما تم الترشيح لرئاسة البرلمان حيث إنه وطبقا لقواعد المحاصصة الطائفية والعرقية فإن منصب رئاسة البرلمان هي للسنة ومرشحهم هو الجبوري لكني فتحت باب الترشيح لمن يرغب في ذلك من منطلق اللجوء للفضاء الوطني». ويضيف الحافظ: «الأمر نفسه تكرر عند الترشيح لمنصب نائب رئيس البرلمان الذي كان المرشح له حيدر العبادي (قبل تكليفه فيما بعد برئاسة الحكومة)، حيث رشح أحمد الجلبي نفسه أمامه ولم يتمكن العبادي من الفوز إلا عندما تنازل الجلبي وكذلك الأمر مع منصب رئيس الجمهورية حيث تقدم أكثر من 100 شخصية للترشح لهذا المنصب». وأوضح الحافظ أن «قواعد اللعبة السياسية الحالية في العراق هي سبب كل ما يعانيه البلد بصرف النظر عن هذه الشخصية أو تلك لأن هناك نهجا خاطئا يجب أن يتغير حتى يمكننا الحديث عن إصلاح البلد».