يسدل العام 2014 الستار على خريطة جديدة لسوريا، تتوزع بين 3 قوى رئيسية، هي نظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي يسيطر على نحو 40 في المائة من جغرافيا البلاد، ومساحة شبيهة يسيطر عليها تنظيم «داعش»، بينما يسيطر تنظيم جبهة النصرة وحلفاؤه من الكتائب الإسلامية، إضافة إلى الجيش السوري الحر، على نحو 20 في المائة، في وقت يحتفظ فيه النظام بسيطرته على المدن، باستثناء الرقة، بينما خرجت معظم أرياف الشرق والشمال والجنوب من نطاق سيطرته.
ولم يكن هذا الواقع قائما في بداية العام، قبل أن يتمدد «داعش» في شرق البلاد وشمالها، منذ بدء عام 2014. في حين يُرجح أن يسيطر على أراضٍ إضافية في الجنوب والوسط، بعد قضم المساحات التي يسيطر عليها خصومه في المعارضة، وذلك في العام الجديد، في حال لم تُقوّض جهوده التي بدأ التحالف العربي والدولي بضربها منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.
وتشير خريطة تحرك «داعش»، في الشهر الأخير لعام 2014، إلى استراتيجية جديدة يتبعها، تتمثل في التقدم إلى المساحات الهشة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية، انطلاقا من مواقع نفوذه في الشرق. ويسير التنظيم في اتجاهين معاكسين؛ الأول من الشرق باتجاه الجنوب، والثاني من الشرق باتجاه الشمال. ويسعى التنظيم إلى تشكيل نقاط سيطرة دائرية الشكل واسعة جدا، حول كبرى المدن السوية وأهمها العاصمة السورية ومدينة حلب.
في المخطط الأول لضرب طوق حول العاصمة، بدأ «داعش» بالتغلغل في البيئة الهشة لخصومه، عبر التحفيز على انشقاقات في داخلها، وشراء ولاءات في داخل بيئة تنظيم جبهة النصرة، انطلقت من مبايعة لواء شهداء اليرموك له في درعا بجنوب البلاد. وعلى خط موازٍ، تمدد من دير الزور عبر البادية السورية إلى شرق الغوطة الشرقية لدمشق، الحدودية مع العراق. وبالتزامن، نشب صراع في القلمون، غرب العاصمة وشمالها، مع فصائل الجيش السوري الحر وجبهة النصرة، منذ تعيين القيادي فيه أبو الوليد المقدسي، أميرا على المنطقة. وفق هذا المخطط للسيطرة، يكون بدأ ببسط نفوذه في دائرة كبيرة حول العاصمة، تمهيدا لقضم بطيء بهدف تضييق شعاع الدائرة الجغرافية والاقتراب من العاصمة.
أما في حلب، فإن التنظيم تمدد إلى شرق المدينة، ليبعد مسافة 30 كيلومترا فقط عن مركزها في مدينة الباب شرق المدينة. وبالتوازي، يصارع للتقدم شمالا، وصولا إلى مارع الحدودية مع تركيا، بينما يتمدد عبر المنطقة الواقعة جنوب حلب، وجنوبها الشرقي، انطلاقا من مواقع نفوذه في شرق حماه الحدودية مع حلب. ولولا ضربات التحالف الدولي، وغرق التنظيم في معركة كوباني (عين العرب) ضد مقاتلي وحدات الحماية الكردية، منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، لبات «داعش» على نقاط متاخمة لحلب لا تبعد أكثر من 30 كيلومترا من جميع الاتجاهات.
ووفق المخططين، في شعاع العاصمة وشعاع حلب، اللذين ظهرا في أواخر العام الحالي، تشير تحركاته إلى أنه يسعى للتمدد في «بيئات صديقة»، بهدف الاقتراب من مواقع النظام، تمهيدا لصدام مباشر معه، يحسم إثره وجوده.
وشهد عام 2014 الصدام الجدي المباشر الأول بين النظام وتنظيم داعش، بعد 3 سنوات من الصدام بين النظام وكتائب المعارضة المعتدلة وجبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام)، إذ اصطدم جيشا النظام والتنظيم في 3 معارك في الرقة، أدت إلى سيطرة التنظيم على كامل المحافظة، كما سُجّلت معركة دير الزور في شرق البلاد، فشل إثره هجوم «داعش» على المدينة ومطارها العسكري وبلدتين تفصلان بينهما، مما أسفر عن مقتل مئات المقاتلين من الطرفين.
في المقابل، بدأت جبهة النصرة تستعيد بعضا من مناطق نفوذها، في الأشهر الـ3 الأخيرة، بعد انحسار نفوذها في الشرق، خلال معارك مع «داعش»، وفي حمص والقلمون في غرب دمشق، في معارك مع النظام. وبدأ العام مقفلا بالنسبة إليها، بعدما مُنِيت بخسارة جغرافيا واسعة في بلدات ومدن القلمون، جراء حملة عسكرية قادتها القوات الحكومية مدعومة بمقاتلي «حزب الله» اللبناني، بينما أنهى «داعش» وجوده وسط العام في شرق البلاد.
غير أن انحسار النفوذ عوضه التنظيم المتشدد أيضا في جنوب البلاد، إذ باتت، وحلفاؤها في القوى الإسلامية والكتائب المقاتلة وفصائل الجيش السوري الحر، تسيطر على أقسام كبيرة من أرياف درعا، وريف القنيطرة جنوب سوريا. وفي الشمال، بدأ التنظيم بتصفية خصومه المعتدلين في غرب إدلب، بعد وعد تلقته من زعيمها أبو محمد الجولاني بضرورة أن يكون لها كيان مستقل.
وتابعت الجبهة حملتها في خريف 2014، حين طردت «جبهة ثوار سوريا» التي يتزعمها جمال معروف من ريف إدلب، قبل أن تسيطر على قسم كبير من المحافظة، وتتمدد إلى ريف حماه الشمالي. وحين استقر الأمر بيدها، نفذت ضربة كبيرة للقوات الحكومية بسيطرتها على قاعدتين عسكريتين ضخمتين للقوات النظامية في ريف معرة النعمان، في مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي، لتفتح الطريق باتجاه حماه، وتطرد القوات النظامية من معقل أساسي لطالما حال دون تقدم المعارضة إلى ريف حلب الغربي.
وبين تقدم تنظيمين متشددين، أصيب الجيش السوري الحر بتآكل إضافي، نتيجة فقدانه للدعم العسكري، وانشقاقات أفراد منه لصالح كتائب إسلامية. ولا يسيطر الحر على أكثر من 5 في المائة من الجغرافيا غير المتصلة، تتوزع على كيانات في الجنوب والوسط والعاصمة والشمال، بعدما كان يسيطر على نحو 20 في المائة من الجغرافيا السورية في عام 2013.
ويرشح العام المقبل تمددا إضافيا للمقاتلين المتشددين في البلاد، فيما يهدد هذا التقدم «الجيش الحر» بمزيد من التضعضع. أما النظام، فلا يعتقد أن وضعه سيكون أفضل، وسط تمدد متشددين مدججين بالسلاح النوعي، بعد شطب الحدود التقليدية بين دولتي سوريا والعراق، وفتحهما على خطوط إمداد للنفط والمقاتلين والأسلحة. ويراهن على تسويات دولية لا يُعتقد أن يكون أفضل سيناريوهاتها لمصلحته في عام 2015.