بعد نحو أربع سنوات من بدء الأزمة السورية، بات أكثر من نصف الشعب السوري يعانون ويحملون صفة «لاجئ». الحرب لم تترك لهم إلا خيار الهروب، فبعضهم فضّل البقاء في بلده نازحا إلى منطقة أكثر أمنا، والبعض الآخر لجأ إلى البلاد المجاورة بما يحمله هذا القرار من معاناة وصلت إلى حد موت عدد من الأطفال بردا أو جوعا.
نحو 18 مليون سوري يتوزعون داخل سوريا وفي لبنان والأردن وتركيا إضافة إلى مصر والعراق، فيما تشير التقديرات إلى مقتل أكثر من 5 آلاف لاجئ في البحر خلال محاولتهم الهجرة بطريقة غير شرعية إلى أوروبا. ومن كان له حظ الوصول إلى أوروبا والحصول على سقف يؤويه فإنه يعيش في حالة «يرثى لها»، وفق توصيف منظمة العفو الدولية. مع العلم بأنه وباستثناء ألمانيا، التي تستقبل العدد الأكبر من النازحين في أوروبا، فإن الاتحاد الأوروبي لم يؤمن إعادة توطين سوى 0.17 في المائة من اللاجئين الموزعين على الدول الخمس المجاورة لسوريا، وفق المنظمة.
ولا يختلف كثيرا وضع النازحين السوريين في بلاد اللجوء المجاورة التي تستقبل العدد الأكبر منهم، إذ إنه في حين أنشئت لهم مخيمات خاصة في الأردن وتركيا، يخضع وضعهم في لبنان لمعايير عدّة، منها «سياسية» و«ديموغرافية»، حالت حتى الآن دون تنظيم وجودهم ضمن مخيمات. ويتوزع هؤلاء في مختلف المناطق اللبنانية، وبنسبة كبيرة في الشمال والبقاع، حيث أقيمت بعض المخيمات العشوائية التي تفتقد إلى أدنى المقومات اللازمة.
وقد بلغ عدد اللاجئين السوريين في الأردن نحو 800 ألف لاجئ موزعين في معظمهم على 3 مخيمات، بينما تشير أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أن اللاجئين السوريين المسجلين في تركيا يبلغ تعدادهم 713 ألف لاجئ، وبالتالي فإن العدد قد يتجاوز المليون إذا أضيف له اللاجئون غير المسجلين أو الذين دخلوا البلاد بصورة غير شرعية، وهو ما عكسته تقديرات حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مشيرة إلى أن عدد اللاجئين السوريين في تركيا «يقترب من مليون لاجئ»، كلفوا الاقتصاد التركي أكثر من 2.5 مليار دولار.
وإذا كان وضع اللاجئين الإنساني سيئا في لبنان، حيث وصل عددهم إلى نحو المليونين، فإن عام 2014 شهد تطورات أمنية خطيرة كانت كفيلة بتردي أوضاعهم أكثر، لا سيما بعد معركة عرسال في أغسطس (آب) الماضي بين المسلحين والجيش اللبناني الذي سقط منه قتلى وجرحى ومخطوفون لا يزال مصيرهم مجهولا. وهذا الأمر أدى إلى ردود فعل لبنانية وسياسية تجاه قضية اللاجئين، التي كانت أساسا موضع خلاف بين الأفرقاء السياسيين.
ومنذ ذلك الحين فرض الجيش تدابير أمنية مشددة في المنطقة خصوصا في المخيمات التي تؤوي لاجئين سوريين أشارت المعلومات إلى أن عددا منهم شاركوا في الهجوم ضد الجيش. وقررت الحكومة اللبنانية أخيرا، وفي إطار مساعيها لمواجهة أزمة اللجوء، وقف استقبال أعداد جديدة من اللاجئين السوريين، وإسقاط صفة النازح عمن يدخل إلى سوريا ويريد العودة إلى لبنان، والتدقيق بحقيقة امتلاك السوريين الموجودين في لبنان صفة نازحين.
وأعلن وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أن النزوح السوري كبّد لبنان خسائر بقيمة 20 مليون دولار «كما خسر لبنان حدوده البرية و500 ألف سائح بري، وتراجع النمو من 8 في المائة إلى 1.5 في المائة، وبسبب اللجوء السوري استُهلكت البنى التحتية في لبنان خلال سنتين ما كان يفترض استهلاكه خلال 15 عاما».
وأخيرا ظهرت دعوات من جهات سياسية عدّة للتنسيق مع النظام السوري لإعادة اللاجئين إلى بلادهم، وهو ما عبّر عنه كذلك درباس، مشيرا إلى أن «لبنان جاهز ليتعاون مع سوريا لإعادة النازحين إلى سوريا، ونحن نروج لإمكانية عودة النازحين إلى مناطق سيطرة النظام بتسهيل لبناني وتنسيق مع الجهات الدولية والدولة السورية».
وبينما ينشط الحراك الدولي على خط إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وتطبيق خطة لـ«تجميد القتال» في بعض المناطق تبدأ من حلب، وإيجاد مناطق آمنة لعودة اللاجئين، تدخل قضية اللجوء عام 2015 مثقلة بعبء تأمين مليارين و900 ألف دولار لتقديم المساعدات الغذائية لـ12 مليونا و200 ألف شخص داخل سوريا، فيما يحتاج السوريون في الدول المجاورة إلى 5 ملايين و500 ألف دولار.
وقد أعلنت الأمم المتحدة أنها بحاجة إلى ثمانية مليارات و400 ألف دولار لتغطية تكلفة المساعدات التي ستقدم للاجئين السوريين، كما أعلن برنامج الأغذية العالمي حاجته إلى 339 مليون دولار بصفة عاجلة لدعم عملياته في سوريا والدول الخمس المجاورة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2015.
وكان قد عقد في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي مؤتمر برلين لبحث قضية اللاجئين، واختتم أعماله بإعلان المجتمع الدولي التزامه بتقديم دعم مالي بعيد المدى للدول التي تستضيف العدد الأكبر من النازحين السوريين، وأبرزها لبنان، من دون أن يعلن عن مبلغ محدد. وبحسب البيان الختامي الصادر عن أربعين ممثلا لحكومات ومنظمات دولية في العاصمة الألمانية، فإن المانحين سيحاولون تعبئة دعم متزايد لأعوام عديدة يستند إلى حاجات يتم تحديدها لاحقا. وقد وعدت ألمانيا بتقديم مساعدات بمبلغ 500 مليون يورو خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، فيما أعلنت الولايات المتحدة عن زيادة مساعدتها الإنسانية بقيمة عشرة ملايين دولار.
وقال مهند هادي، منسق عملية الطوارئ الإقليمية للأزمة السورية ببرنامج الأغذية العالمي «على مدى السنوات الأربع الماضية استطعنا تجنب وقوع أزمة غذائية بين السوريين الأكثر احتياجا. وفي عام 2015، علينا العمل للحيلولة دون حدوث أزمة غذائية وفي الوقت نفسه علينا أيضا بناء قدرة السوريين على الصمود والتعامل مع التحديات التي يواجهونها، وكذلك تقديم الدعم للمجتمعات المضيفة التي فتحت منازلها لاستقبالهم».
مع العلم بأن برنامج الأغذية العالمي كان قد علّق تقديم مساعداته إلى اللاجئين لعدم توافر التمويل اللازم قبل أن يعود ويستأنف نشاطه بعد حملة تبرعات تمكن خلالها من جمع المبلغ الكافي للتقديمات الغذائية للاجئين بعد حملة تبرعات إلكترونية.