حياة النازحين في كردستان العراق.. صراع من أجل البقاء

العِرق والطائفة والوضع القانوني عوامل تحدد حجم المساعدات التي يتلقونها

TT

على مدار 3 سنوات، عمل بصورة وثيقة مع القوات الأميركية بالعراق. الآن، يجلس عمار يونس داخل خيمته في مخيم بإقليم كردستان، وهو يستخدم مشرطا لاستخراج شظايا قذيفة من قدميه بينما يقف أطفاله الصغار يتابعون ما يفعله.

أثناء تدربه في صفوف الجيش العراقي، أصيب يونس، (34 عاما)، عندما وضع متطرفون من أفراد تنظيم داعش عبوة ناسفة أسفل سيارته بالموصل في يونيو (حزيران) الماضي، قبيل أسبوع من سقوط المدينة في قبضتهم، مما أجبره على الفرار من المستشفى الذي كان يعالج به.

يونس واحد من أكثر من مليوني عراقي فروا من ديارهم هذا العام جراء زحف «داعش»، وهي حالة فرار جماعي أدت إلى تفاقم أزمة مشردين كبرى تعانيها البلاد.

وكان قرابة 1.7 مليون عراقي فروا من منازلهم باتجاه أجزاء أخرى من البلاد بين عامي 2006 و2008، خلال أسوأ أيام الصراع الطائفي بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. ولم يعد غالبيتهم حتى الآن إلى منازلهم. في تلك الأثناء، أسفرت الحرب الدائرة في سوريا المجاورة عن أكثر من 2.3 مليون لاجئ، سعى بعضهم لطلب الملاذ في العراق. وجاءت سرعة الأزمة الأخيرة وحجمها بالعراق مذهلين للمجتمعات المحلية والمنظمات الإنسانية الدولية والحكومة العراقية التي تفتقر إلى الإمكانيات لمساعدة النازحين في خضم حربها ضد «داعش» وسعيها لتحقيق توازن في موازنتها في ظل تراجع أسعار النفط. ومما زاد من معاناة النازحين، قدوم الشتاء وما يحمله من درجات حرارة منخفضة تقترب من التجمد.

ولجأ نصف العراقيين الذين فروا من منازلهم هذا العام إلى إقليم كردستان، الذي يضم بالفعل أكثر من 200.000 لاجئ سوري. ومع ندرة الموارد، يصارع هؤلاء النازحون من أجل البقاء. وأوضح نازحون أن طائفتهم وعرقهم وما إذا كانوا عبروا الحدود بصورة قانونية ومدى أهليتهم القانونية لوصف «لاجئ»، كل هذه الاعتبارات تسهم في تحديد قدرتهم على الحصول على نصيب من المساعدات الشحيحة المتاحة.

وبالنسبة إلى النازح يونس، فإنه أنفق أكثر من ألفي دولار على عمليات جراحية لإزالة شظايا من رجليه، لكنه أشار إلى أنه يواجه صعوبة في الحصول على مزيد من الرعاية، وأن العيادات المجانية تفتقد أنماط العلاج المتخصص التي يحتاجها. واشتكى من أن مأساته تفاقمت بسبب كونه عربيا سنيا، مثل مقاتلي «داعش»، ومن ثم يجري النظر إليه بصفته تهديدا أمنيا محتملا. وأضاف أنه يجابه صعوبة أحيانا في الحصول على تصريح لمغادرة المخيم، ولو لتلقي العلاج الطبي. وقال: «نحن في أسفل الكومة، إنهم يتهموننا بمساعدة الإرهابيين، رغم أننا أكثر من عانى منهم».

وذكر يونس أنه أصيب 5 مرات من قبل المتطرفين، بينها مرة تعرض خلالها لإطلاق النار عليه أثناء قيادته سيارته في طريقه إلى عمله في قاعدة تتبع الجيش الأميركي، حيث تولى تدريب ضباط عراقيين. وأوضح أنه لم يفكر قط في التقدم بطلب الحصول على تأشيرة إلى الولايات المتحدة، ولا يزال غير راغب في مغادرة وطنه.

جدير بالذكر أن بعض النازحين غير قادرين على الوصول إلى إقليم كردستان. وذكرت وكالات الإغاثة أن السلطات الكردية شددت إجراءات الدخول إلى الإقليم، خاصة للعرب السنة في أعقاب تفجير انتحاري أسفر عن مقتل 5 أشخاص في أربيل الشهر الماضي، وهو حادث نادر في هذا الجزء من البلاد. في المقابل، يدعي مسؤولون أكراد أن الحدود مفتوحة.

وقال فارون من الموصل إن نقاط التفتيش التي يسيطر عليها الجيش العراقي أو ميليشيات شيعية قرب بغداد ومناطق شيعية بالجنوب تطردهم هي الأخرى، مما يتركهم بلا ملاذ يقصدونه. وتحدث طالب طب من الموصل، رفض الكشف عن هويته خوفا على سلامته، عن فراره من المدينة هذا الشهر وكيف أنه تم رفض عبوره عبر نقطة تفتيش تابعة لقوات البيشمركة الكردية قرب مدينة كركوك، وعليه، قرر العودة لدياره، رغم خوفه من التعرض للاستهداف من جانب «داعش» لفراره من المدينة.

ويعد يونس واحدا من المحظوظين نوعا ما لتمكنه من إيجاد مساحة داخل مخيم على أطراف أربيل تديره الأمم المتحدة ويضم 3100 نازح. مع ذك، فحتى هذا المعسكر واجه صعوبة في إنجاز استعداده لموسم الشتاء عبر توزيع كيروسين والمزيد من الأغطية البلاستيكية.

من جانبهم، اعترف مسؤولو الأمم المتحدة بأن المساعدات المتاحة غير كافية. وخطة الاستجابة التي أقرتها المنظمة للتعامل مع النازحين العراقيين لم تتلق سوى 31 في المائة من التمويل اللازم، بينما توقف البرنامج العالمي للغذاء عن توزيع أغذية على النازحين جراء نقص الأموال. ويعني ذلك أن توزيع صناديق الطعام على الأسر، وهي المساعدة الوحيدة التي يتلقاها الكثيرون، ستتوقف بحلول نهاية فبراير (شباط) إلا إذا توافر تمويل طارئ. وفي هذا السياق، قالت باربرا مانزي، ممثلة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في العراق: «المسألة ليست أننا قادرون على فعل المزيد بالاعتماد على موارد أقل، وإنما الأمر أننا لا نملك شيئا، بينما المتطلبات على الأرض هائلة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص ب«الشرق الأوسط»