طوت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس أمس المسار الانتخابي في البلاد مع الإعلان رسميا عن فوز الباجي قائد السبسي بمنصب الرئاسة، وتأكيد النتائج الأولية المعلن عنها سابقا.
وأكدت الهيئة في مؤتمر صحافي أمس النتائج الأولية التي كانت أعلنت عنها في الثاني والعشرين من الشهر الجاري بعد يوم واحد من إجراء جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، التي أسفرت عن فوز قائد السبسي مرشح حركة نداء تونس على حساب منافسه الرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي.
وقال رئيس هيئة الانتخابات شفيق صرصار إن «الهيئة تصرح بفوز الباجي قائد السبسي بالانتخابات الرئاسية لسنة 2014.. هذا القرار سينشر بالجريدة الرسمية وبالموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية».
ويأتي ذلك بعد اطلاع الهيئة على القوانين وقرارات الهيئة ومحاضر مراكز الاقتراع والقرار المتعلق بالنتائج الأولية وأحكام المحكمة الإدارية الباتة.
وخلافا للدور الأول لم يطعن المرزوقي في نتائج الدور الثاني رغم تنديده بحدوث خروقات خلال العملية الانتخابية.
لكن رجال القانون أكدوا أن الخروقات ليس لها تأثير جوهري على النتائج النهائية للانتخابات.
وفاز السبسي بعد حصوله على 68.55 في المائة من أصوات الناخبين مقابل 32.44 في المائة لمنافسه المرزوقي.
وتحصل السبسي على مليون و731 ألفا و592 صوتا مقابل مليون و378 ألفا و513 صوتا للمرزوقي. وبلغت النسبة العامة للتصويت 60.11 في المائة.
وبانتهاء المسار الانتخابي تكون تونس قد طوت رسميا مرحلة الانتقال الديمقراطي التي امتدت لأكثر من 3 سنوات بعد الإطاحة بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي في 14 يناير (كانون الثاني) 2011. كما انتقلت تونس من وضع المؤسسات المؤقتة إلى وضع المؤسسات الدائمة مع تركيز أول برلمان منتخب بعد الثورة في انتظار تسلم الرئيس الجديد لمهامه في وقت لاحق.
ويؤدي السبسي اليمين الدستورية في مجلس نواب الشعب يوم غد الأربعاء، ويرجح أن يتسلم منصبه يوم الخميس، وسيكون أمامه مدة أسبوع لتكليف مرشح عن حركة نداء تونس أو شخصية أخرى للانطلاق في تشكيل حكومة خلال شهر واحد.
في غضون ذلك، قال الوزير السابق والقيادي المكلف الملف الاقتصادي في حزب حركة نداء تونس سليم شاكر إن الحكومة المقبلة ستعمل ضمن إجراءاتها العاجلة على التسريع في عمل أجهزة الدولة والقضاء على التراخي في الإدارة وتعزيز الأمن.
وقال شاكر، وهو أحد مؤسسي حركة نداء تونس، ويترأس اللجنة الاقتصادية والاجتماعية بالحزب، إن الإجراءات الأولى التي ستركز عليها الحكومة المقبلة فور تسلمها لمهامها هي «التسريع في عمل أجهزة الدولة حتى تعمل بكامل طاقتها وتعزيز الوضع الأمني في البلاد حتى يشعر المواطن بأكثر راحة».
وتشكو الإدارة التونسية عموما من تفشي البيروقراطية فضلا عن انتشار حالة من التراخي منذ أحداث الثورة وهو وضع أثار تذمر وانتقادات رجال الأعمال والمستثمرين وحتى المواطنين في تونس.
وأضاف شاكر لوكالة الأنباء الألمانية «يجب أن تعمل الإدارة بنسبة مائة في المائة، كما سنعمل على أن تستعيد الشركات المصدرة أو الموجهة إلى السوق الداخلية وضعها الطبيعي».
وكانت الحكومة المؤقتة الحالية برئاسة المهدي جمعة توقعت 3 سنوات مؤلمة تحتاج فيها البلاد إلى إصلاحات اقتصادية هيكلية وإجراءات حاسمة ترتبط بمراجعة الدعم الحكومي وتجميد الزيادات في الأجور وجلب الاستثمارات الخارجية ما يجعل المرحلة المقبلة أكثر صعوبة ودقة أمام الحكومة المنتخبة.
وحددت حكومة جمعة نسبة عجز في الميزانية في حدود 5 في المائة بالنسبة لعام 2015 مقابل 8.5 في المائة متوقعة مع نهاية العام الجاري لكنها حذرت من ارتفاعها إلى 9 في المائة في حال لم تتخذ الإصلاحات اللازمة. كما توقع صندوق النقد الدولي ارتفاعا لنسبة النمو في تونس عام 2015 إلى 7.3 في المائة مقارنة بـ8.2 في المائة لسنة 2014.
وقال شاكر «سنتحاور مع الأطراف الاجتماعية الممثلة بالاتحاد العام التونسي للشغل وهيئة الأعراف (رجال الأعمال) لدفع عجلة الاقتصاد وجلب الاستثمارات الخارجية وبحث مجمل القضايا المتعلقة بالمستثمرين التونسيين».
وأوضح أن الحكومة المقبلة ستنكب بشكل عاجل على دراسة أسعار السوق بهدف معالجة القدرة الشرائية للمواطنين التي تدهورت إلى أدنى مستوياتها خلال السنوات التي أعقبت الثورة.
وأضاف شاكر «لدينا تفاؤل بخصوص المرحلة المقبلة، المؤشرات إيجابية حتى الآن وقد انعكس ذلك على أداء البورصة».
يشار إلى أن شاكر كان شغل منصب كاتب الدولة (وزير دولة)المكلف السياحة في حكومة قائد السبسي التي تسلمت مهامها في فبراير (شباط) 2011.
وعين شاكر وزيرا للشباب والرياضة في يوليو (تموز) من نفس العام إلى حين تسلم الحكومة الأولى بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي لمهامها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011.
على صعيد آخر، فتحت النيابة العامة التونسية تحقيقا قضائيا بعد تلقي المحامية التونسية سعيدة العكرمي زوجة نور الدين البحيري وزير العدل التونسي السابق (القيادي في حركة النهضة) تهديدا بالقتل، وأوكل القضاء التونسي مهمة متابعة الملف إلى فرقة مكافحة الإجرام بالعاصمة التونسية في انتظار أن تتكفل فرقة مكافحة الإرهاب بالقضية.
وأكدت العكرمي، التي تشغل منصب نائبة رئيس «مركز شاهد» لمراقبة الانتخابات ورئيسة الجمعية التونسية لمساندة المعتقلين السياسيين، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» تلقيها تهديدا بالقتل، وقالت إنها تلقت تهديدا بـ«الذبح من الوريد إلى الوريد»، على حد تعبيرها.
وقالت العكرمي إن شخصا مجهولا وجه لها رسالة نصية على هاتفها الجوال تضمنت شتائم لشخصها وشخص زوجها ولشخص علي العريض القيادي في حركة النهضة، إلى جانب تهديدها «بالذبح من الوريد إلى الوريد».
وأضافت في تصريحها أن وزارة الداخلية فتحت على الفور تحقيقا أمنيا ضد من ستثبت ضده التهمة، واعتبرت أن المسألة على علاقة بالتحولات السياسية التي تعرفها البلاد، وأنها ليست قضية عادية، على حد قولها.
وحول الأطراف السياسية التي قد تكون وراء هذا التهديد الذي يستهدفها، قالت العكرمي إنها لا توجه حاليا شكوكها نحو أي طرف، وتحبذ انتظار انتهاء التحقيقات القضائية التي قد تقودها فرقة مكافحة الإرهاب.
وعادت مسألة التهديدات الأمنية المتواترة في تونس إلى واجهة الجدل السياسي خاصة أن تلك التهديدات تستهدف عددا كبيرا من الشخصيات الوطنية الناشطة في عدة مجالات. وتجد المؤسسة الأمنية التونسية صعوبات متعددة لتحديد كيفية التعاطي معها في ظل التهديدات الإرهابية التي لا تزال تطل برأسها بعد نحو 4 سنوات من الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي.
ووفق آخر المعطيات، توفر المؤسسة الأمنية التونسية الحماية لنحو 200 شخصية سياسية ونقابية وإعلامية وتنتظر مراجعة لائحة المهددين بالقتل بعد الانفراج السياسي الحاصل في البلاد والنجاح في تأمين الانتخابات بشقيها البرلماني والرئاسي، بيد أن مواصلة تلقي شخصيات تهديدات بالقتل قد تعيق عملية الانفراج.
وطالب نقابيون أمنيون في مناسبات سابقة بإلغاء الحراسة الشخصية واستبدالها بشركات خاصة تتولى المهمة ذاتها. وتنفق تونس شهريا نحو 8 ملايين دينار (نحو 4.7 مليون دولار) في مجال حماية الشخصيات المهددة بالقتل وأفراد عائلاتهم.
وأشارت قيادات أمنية إلى عدم قدرة المؤسسة الأمنية التونسية على تلبية مختلف الطلبات الواردة عليها، وينسحب نفس الأمر على مؤسسة الأمن الرئاسي. كما شككت أطراف أمنية في رواية بعض الشخصيات بشأن تلقيهم تهديدات جدية بالقتل وأكدت أن البعض منها «مجرد اختلاق للأعذار قصد التمتع بالحراسة الأمنية».
في غضون ذلك، قضت المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة (المحكمة المختصة في قضايا الإرهاب) بسجن تونسي 7 سنوات، وأداء غرامة مالية قدرها 5 آلاف دينار تونسي (نحو 3 آلاف دولار)، وذلك إثر عودته من ساحة القتال في سوريا. وقالت إنه متهم بارتكاب جرائم إرهابية، مشيرة إلى أنه سافر إلى سوريا، وتلقى تدريبات قتالية وعسكرية، وأشارت إلى مشاركته في القتال ضد الجيش النظامي السوري.
على صعيد متصل، أبرزت مؤشرات إحصائية أوردتها وزارة الداخلية التونسية يوم أمس على موقعها الرسمي أن عدد القضايا الإرهابية المسجلة في تونس منذ بداية سنة 2014 وإلى حدود 17 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، بلغ نحو 1808 قضايا باشرتها وحدات الشرطة والحرس الوطني.
وقالت إن عدد الجرائم الإرهابية في تونس ارتفع مقارنة بنفس الفترة من سنة 2013. وزادت بنحو 730 قضية باشرتها الوحدات المختصة في البحث في جرائم الإرهاب. وتابعت الوزارة في تقريرها أن «التهديدات الإرهابية تطورت خلال سنة 2014».
في نفس السياق، أوقفت وزارة الداخلية خلال هذه السنة 3017 عنصرا إرهابيا، مشيرة إلى أن العدد تضاعف عما كان عليه خلال سنة 2013 إذ سجلت نفس الدوائر الأمنية إيقاف 1155 عنصرا إرهابيا وأحالتهم على القضاء التونسي بتهم إرهابية وبذلك تكون الزيادة بنحو 200 في المائة منها 571 موقوفا أي 19.57 في المائة جرى إيقافهم في قضايا تسفير شبان معظمهم إلى سوريا.
وفي مجال مواجهة العناصر الإرهابية، قالت المصادر ذاتها إنها تخلصت خلال هذه السنة من 30 عنصرا إرهابيا منهم أجنبيان. وبلغ عدد من قضت عليهم فرق مكافحة الإرهاب خلال السنة الماضية 16 عنصرا إرهابيا.