الحرب الليبية مرشحة للاستمرار سنوات والجيش يضيف 4 طائرات «سوخوي» جديدة إلى أسطوله

خلافات داخل معسكر «فجر ليبيا».. وتململ في صفوف «عملية الكرامة»

رجال الإطفاء الليبيين في مساعيهم لإخماد نيران مصافي الخزانات النفطية في منطقة السدرة الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
TT

كشفت قيادات عسكرية وقبلية وسياسية ليبية عن وجود خلافات داخل معسكر «فجر ليبيا» الذي يقوده متشددون من جماعة الإخوان ويضم مجموعات من المتطرفين، بالتزامن مع ظهور تململ في صفوف «عملية الكرامة» التي يقودها اللواء خليفة حفتر التي تجري ضد الإرهابيين تحت إشراف رئاسة الأركان التابعة للبرلمان الجديد.

وتعد «فجر ليبيا» وقوات «عملية الكرامة» التابعة للجيش، القوتين الرئيسيتين المتحاربتين في البلاد الغنية بالنفط. وتوقعت هذه المصادر التي كان بعضها في زيارة للعاصمة المصرية، القاهرة، أخيرا، استمرار الحرب الليبية لسنوات رغم ضم الجيش 4 طائرات «سوخوي» جديدة خلال الأسبوعين الماضيين، وهو أمر يجري الكشف عنه للمرة الأولى.

ومن جانبها تحدثت مصادر سياسية من مدينة مصراتة خلال زيارة غير رسمية للقاهرة، عن خلافات بين قادة المدينة التي تعد المعقل الرئيسي لقوات «فجر ليبيا»، وذلك حول العمليات العسكرية التي بدأت هذه القوات تقوم بها في مناطق الشرق الليبي وما تسببت فيه من دمار هائل للخزانات النفطية في منطقة السدرة الأسبوع الماضي. وقالت هذه المصادر إن شخصيات في المجلس البلدي لمدنية مصراتة الذي يقوده تيار يضم معتدلين، أبلغ القادة العسكريين، وأغلبهم من جماعة الإخوان والجماعة الليبية المقتلة، أن العمليات القتالية والهجوم على منطقة الهلال النفطي الواقع إلى الغرب قليلا من مدينة بنغازي «تعيق الحوار» مع باقي الليبيين.

وتابعت هذه المصادر قائلة إن 4 (3 رجال وسيدة) من نواب مصراتة الذين فازوا في البرلمان الجديد الذي يعقد جلساته في طبرق، ما زالوا يصرون على مقاطعة جلساته والوقوف إلى جانب قوات «فجر ليبيا» المناوئة للبرلمان وللجيش الوطني وعملية الكرامة، وهؤلاء النواب هم: «ح.ش»، و«ع.ب»، و«م.ض» و«ع.س»، ويقودون حراكا مثيرا للقلق في مدينة مصراتة يهدف إلى إطالة أمد الحرب ضد برلمان طبرق والجيش ويدعمون مواقف المتطرفين بطريقة تدعو إلى الخطر من المستقبل، لأن «هذا الاتجاه لن يفضي إلى سيطرة فجر ليبيا على عموم البلاد، ولكنه سيؤدي إلى عداء من جانب الليبيين ضد مدينة مصراتة».

ووفقا للمصادر نفسها مارس النواب المتشددون المقاطعون لجلسات برلمان طبرق، وغالبيتهم من جماعة الإخوان، ضغوطا كبيرة، بمساعدة قادة عسكريين من «فجر ليبيا»، على المجلس البلدي لمدينة مصراتة لمنعه من إصدار بيان يؤيد الحوار السياسي، مشيرة إلى أن المجلس البلدي كان يريد أن يصدر الأسبوع الماضي بيانا يقول فيه إن الحوار «خيار استراتيجي لحل الأزمة الليبية»، وليس السلاح أو الاقتتال.

ومن بين من زاروا القاهرة خلال الأيام القليلة الماضية قيادي ليبي من جماعة الإخوان المسلمين من الموالين لقوات «فجر ليبيا» وتوجهات المتشددين في مصراتة، يدعى «ع.ر».

وأفادت المصادر أن هذا الرجل دخل مصر بـ«تنسيق مسبق مع القاهرة، وبضمانات بعدم الملاحقة»، وأنه كان قريبا من مقابلات جرت قبل شهر بين فرقاء ليبيين عقد بعضها، بشكل غير رسمي، في دولة المغرب. ولم يعرف بعد ما إذا كان «ع.ر». قد التقى بأي من المسؤولين المصريين أم لا، مع العلم أن مصادر مصرية رسمية أبلغت «الشرق الأوسط» أن القاهرة لن تكون طرفا في أي حوار بين الليبيين تشارك فيه جماعة الإخوان أو القيادات المتطرفة، وأنها «لا تشجع على ذلك»، حتى لو عقد مثل هذا اللقاء في دول أخرى كالجزائر.

وبالعودة إلى الخلافات بين قادة مصراتة، أفادت المعلومات أن نواب المدينة المقاطعين لأعمال البرلمان، والذين شاركوا في مؤتمر «غدامس1» قبل شهرين، مع نواب من البرلمان، يتعرضون لهجوم كبير. وأضافت مصادر من مصراتة نفسها أن التيار المنحاز للحوار يقوده النائب المعتدل، فتحي باشاغا. وأضاف أن تيار النائب باشاغا في مصراتة تعرض، بسبب مواقفه المعتدلة، لاتهامات من جانب المتطرفين بالتكفير والتخوين. وقالت إن «أعضاء في جماعة الإخوان والجماعة المقاتلة يقودون حملة ضد باشاغا مستخدمين في ذلك أيضا جيشا إلكترونيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، غالبية أفراده من النساء وربات البيوت».

وتسير هذه المعركة الخافتة في أروقة مصراتة مع معركة أكبر تجري وقائعها في طرابلس بشأن المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق) المنتهية ولايته، والذي يصر على الاستمرار في عقد جلساته حتى الآن، ويحاول إقناع العالم بأن «برلمان شرعي له حكومة»، ويريد أن يعزز سلطاته على الأرض بالسيطرة على المنشآت النفطية قرب سرت وبنغازي قرب منطقة السدرة والوادي الأحمر.

وقال أحد أعضاء المؤتمر الوطني لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من طرابلس، مشترطا عدم تعريفه بسبب حساسية الخلافات هناك، إنه «يوجد توتر كبير بين أعضاء المؤتمر الوطني السابق، بسبب اتهامهم لرئيسه نوري بو سهمين بالانقياد لسلطة أعضائه المتشددين»، قائلا إن من بين هؤلاء الأعضاء المتشددين محمد العماري، ومحمد بوسدرة، وعبد الوهاب القايد. وأضاف أن نحو 20 عضوا في المؤتمر الوطني المنتهية ولايته «هددوا باستصدار بيان يؤيد الحوار مع البرلمان الجديد في حال استمرار قيادات المؤتمر في رفض الحوار».

ومن بين الخلافات التي بدأت تضرب في مصراتة أيضا، اشتراط عدد من قادة ميليشيات عسكرية مهمة في «فجر ليبيا»، ومنها كتيبة الحلبوص وكتيبة المحجوب، ابتعاد صلاح بادي، قائد «فجر ليبيا» ومن القيادات الإخوانية العسكرية المتشددة، عن المشهد العام الحالي، وذلك بسبب ضلوعه في معركة المطار والمعارك التي تبعتها في جنوب غربي طرابلس في الزنتان وورشفانة، وتشدده ضد أي فرص للحوار تشارك فيه أطراف من برلمان طبرق ومن الأطراف الأخرى الفاعلة في ليبيا.

وتعتمد قوة القيادات الإخوانية على عمليات التنسيق التي تجريها بين ميليشيات المتطرفين، سواء كانوا من الموالين لتنظيم القاعدة أو لتنظيم «داعش»، وهما تنظيمان يتركز وجودهما بشكل كبير في الوقت الحالي على مدن درنة وسرت وبنغازي. ويشن الجيش الوطني بقيادة حفتر، عمليات ضد هؤلاء المتطرفين في بنغازي، لكن المعركة طالت ولم تحسم بشكل نهائي بعد، بسبب «تململ» بين ضباط عدد من قادة العمليات داخل المدينة التي تعد ثاني أكبر المدن الليبية ومهد الثورة التي انطلقت ضد العقيد معمر القذافي في 2011.

واستغلت «فجر ليبيا» بطء عمليات الجيش في بنغازي وحاولت تقديم دعم لجماعة أنصار الشريعة المحاصرة في المدينة. وقال ضابط كبير في الجيش الليبي كان ضمن وفد في زيارة للقاهرة قبل يومين إن المؤشر وراء توجه قوات «فجر ليبيا» إلى حقول النفط في المنطقة الشرقية «ليس هدفه الحقول في حد ذاتها، ولكن يريدون مناصرة أنصار الشريعة في بنغازي، لأن موضوع حسم المعارك في بنغازي تأخر بطريقة غريبة. وفي حال سيطرة «فجر ليبيا» على حقول النفط في الشرق فإنك تستطيع القول إنها تحقق نتائج كبيرة لصالحها، وهذا يزيد الأمور تعقيدا، سواء سياسيا أو عسكريا».

ويضيف أن «الناس في حرب بنغازي وقفت مع الجيش حين دخل المدينة منذ الشهر قبل الماضي. لكن ميدانيا الوضع في المدينة غير مطمئن.. كان هناك هجومان كبيران في بنغازي من جانب مجلس ثوار بنغازي (الذي يقوده المتطرفون).. المتطرفون يضغطون داخل بنغازي حتى لا يكون هناك دعم للجيش في منطقة وادي الأحمر قرب المنشآت النفطية وقرب سرت.. لا تستطيع أن ترسل قوة إلى الجبهة الواقعة غرب بنغازي بينما أنت لديك جبهات مفتوحة داخل بنغازي نفسها».

وقامت قوات فجر ليبيا بشن هجومين الشهر الماضي على القوات الموالية للجيش في منطقة رأس الأنوف، قرب المنشآت النفطية وعلى الطرق الشرقية لسرت، وتمكنت في الهجوم الثاني من حرق صهاريج ضخمة مما أثر بالسلب على عمليات التصدير وعلى مصادر الطاقة المغذية لشرق البلاد. ووفقا للمصدر العسكري المقرب من العمليات التي تقوم بها قوات حفتر والجيش الوطني، فإن القوات الموالية للجيش والتي كانت موجودة في الهلال النفطي هي «قوات معنوية» أكثر منها قوات قادرة على صد هجوم قوات فجر ليبيا.

واعتمد الجيش على القوات الجوية لضرب أرتال قوات فحر ليبيا وهي تتقدم إلى منطقة النفط، لكن طريقة تنفيذ «فجر ليبيا» للهجوم لم تكن متوقعة. وقال هذا الضابط إنه «يوجد مع قوات فجر ليبيا خبراء عسكريون سودانيون وربما أتراك في غرف العمليات، لأن الهجوم الثاني الذي قامت به (فجر ليبيا) بعد صد الهجوم الأول بطيران الجيش، استخدمت فيه 5 محاور في الهجوم، لتشتيت قدرات الطيران الحربي».

وتابع موضحا: «الهجوم من عدة محاور لم يكن موجودا في تكتيك قوات فجر ليبيا من قبل.. هذا حدث في الهجوم الثاني انطلاقا من مدينة سرت للاستيلاء على المنشآت النفطية، في مقابل قدرات متواضعة للسلاح الجوي الذي يملكه الجيش الوطني. وهو، أي الجيش، لا يستطيع أن يوجه ضرباته لأربعة أو خمسة أهداف مرة واحدة.. هذا يؤدي إلى إرهاق سلاح الجو الليبي واستنزاف قدراته، وحتى بالنسبة لعملية إعادة تذخير الطائرات، أضف إلى ذلك أن كميات الذخائر نفسها ليست بذلك القدر الذي قد يتخيله البعض، بالإضافة إلى الأعطال الكثيرة التي تصيب هذه الطائرات القديمة».

وكان الجيش الليبي الذي أعيد تأسيسه منذ الربع الأول من عام 2014 يملك أقل من 10 طائرات حربية من نوع «سوخوي» إلا أنها قديمة، وبعضها يحتاج إلى إصلاح. وكشف ضابط آخر في جيش حفتر، لـ«الشرق الأوسط»، لأول مرة، خلال زيارة للقاهرة قبل يومين، أن الجيش ضم إلى قواته الجوية 4 طائرات سوخوي جديدة، وأنها بدأت تشارك في المعارك «لكن ما زالت إمكانات القوات الجوية ضعيفة».

ويتوقع أن تستخدم الطائرات الجديدة في ضرب أهداف عسكرية للمتطرفين في طرابلس وفي مصراتة»، مشيرا إلى أن «الطائرة السوخوي الجديدة ذات كفاءة وتبقى في الأجواء فترة طويلة، ويمكنها أن تناور وتعاود الضرب مرة ومرتين وثلاث».

لكن إمكانات «السوخوي»، بما فيها الجديدة، تظل أقل من إمكانات ذلك النوع من الطائرات الذي كانت تمتلكه ليبيا قبل أن تتعرض لقصف حلف الناتو أثناء «الثورة» ضد القذافي، والمعروفة باسم الطائرة (U2) وكان لديها القدرة على الطيران لمسافة 4 آلاف كيلومتر. وكانت تعد من أسلحة الجو المهمة ليس في ليبيا فقط، ولكن في منطقة الشرق الأوسط. وما زال يوجد طيارون كثيرون في الجيش الوطني لكن لا يجدون طائرات للاشتراك في العمليات العسكرية ضد المتطرفين. وتجد ليبيا صعوبة في توفير السلاح بسبب إدراجها منذ 2011 تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وحيث أصبح محظورا عليها استيراد الأسلحة لكل أنواعها من الخارج، لكن مسؤولين عسكريين في الجيش يقولون، دون مواربة، إنهم يدبرون أمور التسليح من خلال السوق السوداء ومن خلال صفقات تجري من وراء ستار، ومنها صفقة السوخوي الأخيرة.

لكن يبدو أن عملية «فجر ليبيا» الأخيرة وجرأتها في استهداف المنشآت النفطية جعلت قيادات في البرلمان وفي الجيش الوطني تشعر بالقلق من سير عمليات الجيش وتأخرها في كسر شوكة الجماعات المتطرفة التي لا يتركز وجودها في بنغازي فقط، ولكنه يمتد إلى درنة وإلى سرت ومصراتة وطرابلس وصبراتة.

ووفقا لمصادر من نواب البرلمان التي التقطتها «الشرق الأوسط» في القاهرة أخيرا، فإنه جرى تقديم اقتراح إلى كل من رئيس البرلمان، عقيلة صالح، ورئيس الحكومة عبد الله الثني، بإيفاد مبعوث خاص إلى روسيا لعرض أمور محددة تتعلق، باختصار، بالسلاح مقابل النفط، قبل أن تتحول ليبيا إلى دولة يسيطر عليها الإرهابيون، وأن يتم إخطار الروس برسالة محددة أيضا وهي أنه في «حالة هيمنة المتطرفين على البلاد، ستكون هدفا سهلا للغرب لكي يتدخل بنفسه، وبالتالي لن تجد روسيا موضع قدم في ليبيا مستقبلا».

لكن صالح والثني ردا على النواب الذين تقدموا بهذا الاقتراح، وغالبيتهم من نواب الوسط والجنوب، بأن أصدقاء الروس من الليبيين ينطبق عليهم قانون العزل السياسي الذي سنه البرلمان السابق في عام 2013، ويمنع كل من عمل مع القذافي منذ سنة 1969 حتى 2011، من شغل أي موقع رسمي في الدولة، وأنهما ردا بأنه «في حالة إيفاد مبعوث خاص ينطبق عليه العزل السياسي، ستوضع الحكومة والبرلمان في حرج بالغ». وأضاف أحد هذه المصدر ممن كان مشاركا في اللقاء مع رئيسي البرلمان والحكومة قائلا للثني: «سيدي.. المبعوث الشخصي ليس مطلوبا أن يكون معلنا في وسائل الإعلام أو أن يعرفه الجميع»، مشيرا إلى أنه يوجد توافق في الجلسات المغلقة على أن «الرجال الذين يصلحون ويستطيعون حل مشكلة ليبيا ينطبق عليهم قانون العزل»، لكن التصريح بمثل هذا الرأي يجلب الانتقادات خاصة من خصوم البرلمان والجيش.

وجرى ترشيح إحدى القيادات التي لديها قدرة على التواصل مع الروس من أجل تسيير جلب السلاح الروسي إلى ليبيا بعيدا عن أنظار الحظر الدولي.. ويدعى هذا الرجل الذي كان يعمل فيما مضى في الدولة في عهد العقيد معمر القذافي، «س.ر».. والتقى بالفعل، في القاهرة، مع عدد من الأطراف المؤثرة في البرلمان والحكومة أثناء زيارتهم لمصر.

وأبلغ هذا الرجل الذي يقيم بالعاصمة المصرية أحد وزراء الحكومة الليبية حين التقى به بقوله: «لا يعنيني قانون العزل، لأنني لست مرشحا لموقع رسمي في الدولة.. أنت إذا كنت تريد شيئا فاطلبه مني حتى أقوم به، دون أن تعلن عن ذلك. المهم أن أربط بينك وبين الروس بحيث يمكن أن تجري اتفاقا معهم لكي يتدفق السلاح الروسي إلى السلطة الليبية الشرعية. هذا واجبي الوطني لا أريد وظيفة ولا أموالا ولا إعلاما».

وبدأ الجيش الليبي عملياته ضد المتطرفين في شهر مايو (أيار) الماضي، وأعلن وقتها أن مسألة حسم المعارك في بنغازي وباقي المدن، ستنتهي قبل بداية عام 2015، لكن طول أمد العمليات أصبح ينذر بوقوع خلافات بين القادة العسكريين المنخرطين في قوات الجيش الوطني وعملية الكرامة. وبدلا من الحديث عن الحسم بقوة السلاح، أصبح في الإمكان أن تسمع في حوارات المتحمسين الكبار الموالين للجيش، لغة جديدة تقول إن «الحسم العسكري لن يتم. هناك من يغذي المتطرفين وهناك سلاح منتشر، وهناك أيضا حساسيات قبلية. توجد مشكلات حتى بين قيادات حفتر، ولا نريد أن ندخل أنفسنا في هذه المتاهة».

ويضيف ضابط على صلة بغرفة عمليات الجيش الليبي قائلا: «الآن، حين تكون قد قطعت شوطا كبيرا في بنغازي، وتفاجأ أن هناك قوات من الإسلاميين بدأت تأتي لتقديم الدعم للمتطرفين في المدينة، قد ينقلب الموقف ولا يكون لصالحك. الذي هز الموقف وأربك عمليات الجيش في بنغازي هو نقص الذخائر. الذخائر موجودة لدى طرف ولا يريد أن يعطي منها للأطراف الأخرى، والمتشددون يستفيدون من هذه التصرفات التي لا تليق».

ويتابع قائلا في حديث موثق مع «الشرق الأوسط»: «توجد حقيقة لا يمكن السكوت عليها.. ضباط في الميدان في بنغازي أبلغونا بأنهم انسحبوا من بعض أحياء المدينة التي تتحصن فيها مجموعات متطرفة، لأنه ليس لديهم ذخائر. الذخائر نفدت من أيدي الجنود ومن أيدي المتطوعين (ما يعرف بالصحوات) وقالوا لنا إنهم حين طلبوا ذخيرة من الجيش لم يعطونا.. هذه مشكلة.. لا يصح أن يكون هناك تنابذ ونيات غير طيبة وصراع على مواقع بشأن مرحلة ما بعد تحرير بنغازي».

ويضيف أنه في حال عدم إعادة الانضباط إلى عمل أفرع الجيش فإن المعركة بهذا الشكل ستطول لسنوات.. «ليس بسبب الحساسيات التي بدأت تظهر بين بعض القادة في الجيش وفي عملية الكرامة، ولكن أيضا بسبب الانقسامات المتوقعة بين الميليشيات الإسلامية. هنا ستتحول ليبيا إلى مناطق للحروب الصغيرة التي لا يمكن السيطرة عليها، ونتمنى ألا يحدث ذلك».

ويلفت هذا الضابط الانتباه إلى أنه أصبح يوجد فرع من الجيش له عقيدة مختلفة عن جيش حفتر رغم أنه يتعاون معه في الوقت الرهان، في قتال المتطرفين و«فجر ليبيا»، في منطقة غرب طرابلس، وهو «جيش القبائل» الذي يتكون من عناصر كانت في الجيش الليبي القديم وترفض العمل تحت قيادة حفتر علانية، «لأنه مستمر في تبني ثورة فبراير (شباط) 2011 التي أطاحت بالقذافي، وهو ما يرفضه قيادات الجيش السابق، ولذلك ومنعا للحساسيات واحتراما للمشاعر، تم تسمية الجيش في الغرب باسم جيش القبائل لكنه يعمل بالتنسيق والتعاون تحت رئاسة أركان الجيش الليبي».

وحقق تعاون جيش القبائل مع الجيش الوطني تقدما كبيرا جدا على الأرض في غرب طرابلس. وأصبحت هناك غرفة عمليات في الغرب فيها مجموعة من الضباط وأصبح يأتيهم سلاح من منطقة الشرق من جيش حفتر. ويخضعون لأوامر بالتقدم أو الانسحاب، وأصبحت تجري حرب تكتيكية في مناطق غرب طرابلس وليست حربا عشوائية كما كان في السابق حين نشبت الحرب بين ميليشيات فجر ليبيا وميليشيات الزنتان التي انضمت هي الأخرى إلى الجيش الوطني وتعمل بالتنسيق مع جيش القبائل.

وفي المقابل يتوقع قيادات في الجيش الوطني الليبي أن يؤدي التضييق المالي على قوات «فجر ليبيا» إلى انقسامات في داخلها، وفي حال تقوية الجيش وزيادة تسليحه، فإنه سيكون قادرا على حسم الكثير من المعارك، لكن هذا قد يستغرق عدة سنوات، بسبب ما تملكه قوات المتطرفين من أسلحة ومعدات وتحصنها في المدن التي يصعب على القوات النظامية خوض حرب شوارع فيها.

وكان قادة المتطرفين يهيمنون على الحكم في عامي 2012 و2013 وقاموا بضخ ملايين الدولارات للميليشيات المسلحة.. وجاء التضييق المالي على المتطرفين بعد قيام البرلمان الجديد بالإشراف على البنك المركزي والسيطرة على منابع النفط. ويقع حقلا الفيل والشرارة، في المنطقة الجنوبية تحت سلطة قوات الزنتان الموالية للجيش الوطني والبرلمان.. كما أن الأنابيب النفطية التي تأتي من الجنوب تمر من منطقة نفوذ الزنتان.

ويقول أحد القادة من جيش القبائل: «الآن أصبحت خطوط النفط في المنطقة الغربية، والقادمة من الجنوب، تحت سلطة جيش القبائل التي هي مع الزنتان. وقامت بوقف النفط عن موانئ التصدير للخارج في مليتة وزوارة وغيرها. وفي المنطقة الشرقية النفط تحت سيطرة جيش الكرامة ومقاتلي الشرق»، مشيرا إلى أن قوات فجر ليبيا «تسدد مبالغ كبيرة للمقاتلين الذين معها. في كل يوم تدفع ملايين الدولارات.. وكل مجموعة تعمل على نوع من أنواع الأسلحة لها سعر.. من يعمل على مدفع 14.5 يحصل على 500 دينار في اليوم، ومن يعمل على كلاشنيكوف يحصل على 200 دينار في اليوم. والأرقام مهولة».

ويضيف أن من بين هذه العناصر من المقاتلين الذين يعملون مع فجر ليبيا «تونسيون وجزائريون ومصريون وأجانب من دول شتى. هذا يحتاج لضخ أموال باستمرار، وإلا فإن هؤلاء المقاتلين إن لم يحصلوا على مستحقاتهم سيتركون القتال مع أولئك المتطرفين». ويقول إن «فجر ليبيا» شعرت بالضائقة المالية وعدم القدرة على الدفع للمرتزقة الذين يعملون معها، بعد أن جرى سحب التوقيع من محافظ البنك المركزي السابق، وأصبح محافظ البنك المركزي الجديد يعمل وفقا لأوامر البرلمان الموجود في طبرق. وبعد فشل «فجر ليبيا» في محاولة الوصول لحقل الفيل والشرارة في الجنوب شعرت بالاختناق، فاتجهت إلى حقول البترول في الشرق، مما أدى إلى خلافات بين قادة مصراتة، لتبقى الخيارات في البلاد مفتوحة على جميع الاحتمالات.