جدل في الجزائر حول ملاحقة القضاء الفرنسي لاثنين من مواطنيها

اتهما بممارسة التعذيب والقتل والتسبب في الاختفاء القسري

TT

تثير ملاحقة شقيقين جزائريين من طرف القضاء الفرنسي، بتهمة ممارسة التعذيب أثناء الأزمة الأمنية الخطيرة التي عاشتها الجزائر في تسعينات القرن الماضي، جدلا محليا واسعا، يعكس الصعوبة التي يواجهها الجزائريون في التعامل مع مخلفات ما يسمونه «العشرية السوداء»، خاصة أن القضاء الجزائري يرفض تسلم شكاوى بخصوص هذه الفترة، بسبب سن قانون يمنع «العودة إلى جراح الماضي».

وقال فاروق قسنطيني، رئيس «اللجنة الاستشارية لمراقبة وحماية حقوق الإنسان»، المرتبطة بالحكومة لـ«الشرق الأوسط»، إن «ما حدث في بلادنا قبل 20 سنة شأن محلي لا يجوز لقضاء بلد أجنبي أن يخوض فيه، خاصة إذا كان هذا البلد هو فرنسا التي لا يحق لها أن تعطينا نحن بالذات دروسا في الإنسانية واحترام حقوق الإنسان، لأن تاريخها الاستعماري بالجزائر (1830 - 1962)، حافل بالجرائم ضد الإنسانية».

وأضاف قسنطيني، الذي يعتبر المتحدث باسم السلطات الجزائرية في قضايا حقوق الإنسان: «الجزائريون صوتوا في 2005 على مشروع لطي الأزمة الأمنية، سماه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وفي العام الموالي تمت صياغة هذا المشروع في شكل قانون حمل نفس الاسم، يتضمن بنودا صريحة تفيد بأنه لا يجوز رفع دعاوى قضائية ضد أي كان، سواء من جانب قوات الأمن، أو الجماعات الإرهابية بتهمة ارتكاب جرائم. والهدف من هذا المنع هو لملمة الجراح، وطي صفة دامية في تاريخ الجزائر».

واحتجت الأحزاب الموالية للحكومة بشدة على هذه القضية، وطالبت فرنسا بـ«الكف عن التدخل في شؤون الجزائر الداخلية».

وتقول المادة 45 من «الميثاق» إنه «لا يجوز الشروع في أي متابعة، بصورة فردية أو جماعية، في حق أفراد قوى الدفاع والأمن للجمهورية بجميع أسلاكها، بسبب أعمال نفذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات، ونجدة الأمة والحفاظ على مؤسسات الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. ويجب على الجهة القضائية المختصة التصريح بعدم قبول كل إبلاغ أو شكوى».

وسبق للقضاء الجزائري أن رفض شكاوى عائلات ضحايا الاختفاءات القسرية، ضد أفراد من الأمن، اتهمتهم بخطف أبنائهم، بحجة أن قانون المصالحة يمنع ذلك.

من جهته، أعلن «الاتحاد الدولي لمنظمات حقوق الإنسان»، الثلاثاء الماضي، أن قاضية تحقيق فرنسية أمرت بملاحقة الشقيقين حسين وعبد القادر محمد، المقيمين في مدينة نيم (جنوب فرنسا)، منذ 1998، وكانا مطلع الـتسعينات عضوين في ميليشيا مسلحة بمنطقة غليزان في الغرب الجزائري، أطلقت عليها السلطات الجزائرية حينها اسم «جماعات الدفاع الذاتي»، وأنشأها الجيش في إطار محاربة الإرهاب بتوزيع الأسلحة على سكان القرى النائية للذود عن أنفسهم من اعتداءات الإرهابيين. ووجهت النيابة الفرنسية للشقيقين تهمة «ممارسة التعذيب خلال الحرب الأهلية بالجزائر».

وقال باتريك بودوان، الرئيس الفخري لـ«الاتحاد»، في بيان مشترك مع عائلات المفقودين بالجزائر إن «هذه أول مرة في التاريخ يتم فيها محاكمة جزائريين من أجل جرائم حصلت خلال العشرية السوداء بالجزائر». ولا يعرف من هم أصحاب الشكوى، لكن الأكيد أن أشخاصا ينتمون للتيار الإسلامي بغليزان، كانوا قد اشتكوا قبل 20 سنة من مجازر ارتكبت في حقهم على أيدي عناصر من «الدفاع الذاتي»، بسبب أن بعضا من أبنائهم انضموا إلى الجماعات الإرهابية، أو لمجرَد الشك في أنهم قدموا مساعدة للإرهابيين. وقال بودوان، وهو محامٍ وحقوقي فرنسي معروف، إن «الضحايا تعرفوا بشكل أكيد على الأخوين وأكدوا أنهما من قاما بعمليات التعذيب والقتل، والتسبب في الاختفاء القسري ضد أبنائهم».

وبحسب الناشط الحقوقي الجزائري، أمين سيدهم الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» في الموضوع، فإنه لا يمكن للسلطات الجزائرية أن تحتج على محاكمة حسين وعبد القادر، لأن السلطات الفرنسية أدرجت في قانون العقوبات الفرنسي عام 1994 بنود المعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب التي صادقت عليها في 1984، ما يجعلها، حسبه، مرغمة على ملاحقة أي شخص موجود على أرضها، مهما كانت جنسيته، بتهمة ممارسة التعذيب في أي مكان في العالم.