اتهمت السلطة الفلسطينية اسرائيل بالوقوف وراء اغتيال رائد محمد سعيد عبدالرؤوف الكرمي قائد كتائب شهداء الاقصى الجناح العسكري لحركة فتح، في مدينة طولكرم واحد مؤسسيها في الضفة الغربية صباح امس. واعتبرت عملية الاغتيال تصعيدا جديدا من قبل حكومة ارييل شارون.
واصدرت حركة فتح بيانا حملت فيه الحكومة الاسرائيلية المسؤولية عن عملية التصفية. وقالت في بيانها ان «جنرالات الحرب الاسرائيليين» يريدون احباط كل جهد من اجل التوصل للتهدئة. وتوعدت فتح بمواصلة العمل على تحقيق الحقوق الفلسطينية. وقال فايق كنعان امين سر حركة فتح في طولكرم ان مقتل الكرمي سيجعل من الصعب على مجموعته ان تلتزم بوقف اطلاق النار الذي اعلنه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بمناسبة عيد الفطر المبارك. ويعتقد كنعان بان اسرائيل غير معنية باتفاق وقف اطلاق النار. لكن رد كتائب الاقصى جاء سريعا وحاسما فقد قتلت جنديا اسرائيليا واصابت اخر جروح في اشتباكات مسلحة عنيفة قرب قرية قوصين في محيط مدينة نابلس. واطلق عناصر الكتائب النار على مستوطنة بيت حيفر الواقعة بين طولكرم وبلدة شويكة بينما تواصلت الاشتباكات حتى وقت متأخر من الليلة الماضية بين عناصر كتائب الاقصى وجنود الاحتلال عند المدخل الغربي لمدينة طولكرم حسب ما قاله مسؤول في فتح لـ «الشرق الأوسط».
وكانت كتائب الاقصى قد هددت في بيان لها تحت عنوان «قسما سنثأر... كتائب الاقصى تزف الى شعبنا المناضل... شهيدها القائد البطل رائد الكرمي ـ قائد كتائب شهداء الاقصى». وقالت في بيانها الذي تلقت «الشرق الأوسط» نسخة عنه، انها «تقول لشارون وحكومته وشعبه: باغتيالكم قائدنا رائد الكرمي، فتحتم على انفسكم نار جهنم التي اعلنتم عنها وستكوون بنارها ان لم تحرقوا بها وتقتلوا... فالقتل بالقتل والتدمير بالتدمير». واقسمت كتائب الاقصى على الا يمر اغتيال الكرمي «وهذه العمليات الصهيونية القذرة من دون عقاب شديد وان غدا لناظره قريب».
واضافت الكتائب «لم يكن الهدوء الا التزاما بقرار الاجماع الوطني ولكن ان تدمروا البيوت بهذه الطريقة وتشردوا الاهالي بهذا الاسلوب القذر وان تقتلوا القادة المناضلين الابطال هكذا فان هذا ما لن نقف امامه مكتوفي الايدي ابدا».
وانضمت كتائب الاقصى الى كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس وسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي، باعلان نفسها في حل من اتفاق وقف اطلاق النار الذي اعلنه الرئيس عرفات في 16 ديسمبر (كانون الاول) الماضي. وقالت ان «مهزلة ما يسمى بوقف اطلاق النار لاغية لاغية لاغية طالما ان الاحتلال على ارضنا باق يذل اهلها ويقتل شعبها ويغتال مجاهديها القادة الابطال». واضافت «لن نطيل الكلام فالفعل قادم والثأر قادم والرد قادم والرعب قادم فلن تهنأ ايها الشعب الاسرائيلي بالامن بعد اليوم».
واعتبر حسام خضر عضو المجلس التشريعي الفلسطيني وهو ايضا مسؤول كبير في حركة فتح في نابلس، اغتيال الكرمي «دليلا ملموسا على قصور الاجهزة الامنية الفلسطينية في ملاحقة العملاء والجواسيس في صفوف الفلسطينيين». وطالب خضر في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» الاجهزة الامنية «بالتوقف عن اعتقال ابطال كتائب الاقصى والقسام وسرايا القدس وغيرهم من المناضلين». ودعاهم الى «بذل جهود اكبر في ملاحقة الجواسيس الذين يلعبون دورا كبيرا في عمليات الاغنيال هذه رغم قناعتي بأن هذا يحتاج الى قرار سياسي غير موجود الان لان جزءا من الهرم السياسي الفلسطيني مرتبط بالاحتلال». من جانبها نفت مصادر عسكرية إسرائيلية مسؤوليتها عن اغتيال الكرمي الذي كان يتصدر قائمة المطلوبين التي قدمتها اسرائيل للسلطة الفلسطينية عبر وسيط السلام الاميركي الجنرال انتوني زيني الذي يعود الى المنطقة يوم الجمعة المقبل. وزعمت المصادر بأن الكرمي البالغ من العمر 27 سنة «قتل أثناء محاولته تركيب عبوة ناسفة».
غير ان وزير المواصلات الاسرائيلي افرايم سنيه كاد ان يعترف صراحة بمسؤولية الجيش الاسرائيلي باغتيال الكرمي اذ قال في تصريحات للاذاعة الاسرائيلية ان الكرمي «كان ارهابيا من النوع الفتاك». واضاف «ان رجلا كهذا كان كقنبلة موقوته. وان من يعيش بحد السيف لا بد هالك بحد السيف».
واعربت المصادر العسكرية الاسرائيلية وفق ما ذكرته صحيفة «يديعوت احرونوت» الاسرائيلية في عددها الالكتروني، عن دهشتها لكون الكرمي يتجول بحرية في طولكرم، خاصة ان الفلسطينيين أبلغوا الاتحاد الاوروبي بأنه موجود رهن الاعتقال». لكن الفلسطينيين يقولون انه مختف منذ فترة طويلة ويرفض تسليم نفسه.
وبعملية اغتيال الكرمي وهو احد كبار قادة ومؤسسي كتائب شهداء الاقصى، تعود اسرائيل الى سياسة الاغتيال التي توقفت منذ اكثر من شهر، رغم الالتزام الفلسطيني التام ومن جانب واحد، بوقف تام لاطلاق النار في غضون الايام الاربعة الماضية حسب اعترافات وزير الخارجية الاسرائيلي شيمعون بيريس، ورغم تواصل عمليات الهدم الاسرائيلية للمنازل الفلسطينية.
وتعود آخر محاولة اسرائيلية لاغتيال ناشط فلسطيني الى 10 ديسمبر (كانون الاول) الماضي عندما استهدفت مروحيات اسرائيلية محمد ايوب صدر احد مسؤولي حركة الجهاد عند اشارة مرور في الخليل فأصابته بجروح الا انها قتلت طفلا في الثالثة وصبيا في الثالثة عشرة.
وتتهم اسرائيل الكرمي بالوقوف وراء مقتل اكثر من 6 اسرائيليين من بينهم اثنان صاحبا مطعم في تل ابيب هما موتي دايان واتجار زيتوني اختطفا من مطعم في طولكرم في يناير (كانون الثاني) الماضي واعدما ردا على اغتيال قوات خاصة اسرائيلية امين سر حركة فتح في طولكرم الدكتور ثابت ثابت في الاول من يناير (كانون الثاني) من العام الماضي.
ووقعت جريمة اغتيال الكرمي في حوالي الساعة العاشرة و45 دقيقة من صباح امس اثناء عودته الى منزله في مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، الغائب عنه منذ فترة طويلة تحسبا لعمليات الاغتيال الاسرائيلية التي نجا من 3 منها في غضون الاشهر الاربعة الماضية، للاطمئنان على والدته واسرته لا سيما ابنته «فلسطين» البالغة من العمر 8 اشهر فقط.
وقال مصدر في كتائب شهداء الاقصى في اتصال هاتفي اجرته معه «الشرق الأوسط» ان طائرة كانت تحلق في سماء طولكرم منذ اسبوع، فجرت من على بعد عبوة ناسفة كانت مدفونة في كومة من القش قرب منزل الكرمي، لدى مروره من جانبها.
وكان الكرمي يعيش مع اسرته في منزل مستأجر قرب «مقبرة النصارى» شرق طولكرم منذ ان هدم جيش الاحتلال الاسرائيلي منزله ومنزل عائلته وسط المدينة عند اعادة احتلالها في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي اثر مقتل وزير السياحة الاسرائيلي رحبعام زئيفي على ايدي مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين انتقاما لاغتيال اسرائيل لامينهم العام ابو على مصطفى في مكتبه في مدينة رام الله في اغسطس (آب) الماضي.
وكان الكرمي يهم بدخول المنزل المتغيب عنه منذ فترة، عند، انفجار العبوة فأصيب في رجله ورأسه وتحديدا تحت الاذن حسب مسؤول الكتائب، الامر الذي ادى الى مقتله على الفور. وخلف الانفجار وراءه حفرة بعمق متر وادى الى انهيار جزء من سور المقبرة ومنزل الكرمي.
وقال شاهد عيان انه في حوالي الساعة 10.45 من صباح امس كان جالساً على شرفة منزله الكائن في الحي الشرقي من طولكرم حين سمع فجأة صوت انفجار شديد جداً. واضاف «نظرت إلى المكان الذي إنبعث منه الصوت فشاهدت دخاناً كثيفاً أسود اللون يتصاعد من مكان محاذٍ للمقبرة على بعد حوالي سبعين متراً من منزلي ووصلت إلى المكان على الفور فشاهدت جثة الشاب رائد الكرمي ملقاة على الأرض. وحسب هذا الشاهد فقد كانت الجثة بلا حراك والدماء تنزف من أنحاء مختلفة منها. وذكر شاهد العيان انه شاهد طائرة استطلاع من نوع MKتحلق في سماء المنطقة «وكنت قد شاهدت هذه الطائرة وهي تحلق في نفس المكان منذ ثلاثة أيام». واعلن عن وفاة الكرمي لدى وصوله الى مستشفى الدكتور ثابت ثابت في المدينة. وعلى الفور جاءت مجموعة من رفاقه واخذت جثته وطافت فيها في شوارع المدينة مهددة ومتوعدة بالانتقام «لروح الشهيد البطل»، وسرعان ما تحولت المظاهرة الى مسيرات احتجاج هي الاعنف التي شهدتها المدينة منذ اندلاع الانتفاضة. وسوف يشيع جثمان الكرمي الى مثواه الاخير اليوم بعد وصول شقيقته من زيارة كانت تقوم بها الى عمان.
وكان الكرمي قد تعرض لثلاث محاولات اغتيال منذ سبتمبر (ايلول) الماضي حسب قول مسؤول في كتائب شهداء الاقصى طلب عدم ذكر اسمه. فقد نجا بأعجوبة من محاولة اغتيال في 6 سبتمبر (ايلول) الماضي استخدمت فيها 3 صواريخ اطلقتها طائرتان مروحيتان هجوميتان إسرائيليتان من طراز أباتشي الأميركية الصنع، باتجاه سيارة مدنية فلسطينية كان يستقلها الكرمي مع شابين آخرين شرق طولكرم. ونجا من محاولة الاغتيال بجروح طفيفة بينما قتل الشابان الاخران وهما محمود صبح (22 سنة) من طولكرم ومصطفى عاهد عنبص (19 سنة)، من مخيم طولكرم، كانا مطلوبين لقوات الاحتلال.
وقال المسؤول في الكتائب ان «قوة خاصة اسرائيلية كانت تخطط لاغتيال الكرمي في اليوم التالي للمحاولة الاولى وخلال عملية تشييع الشهيدين صبح وعنبص لكن الحشود الجماهيرية احبطت محاولتهم». وحاولت اسرائيل للمرة الثالثة تصفية الكرمي بعد حوالي 6 اسابيع من المحاولة الاولى عندما وجهت مدافع دباباتها على سيارة كان يستقلها شرق طولكرم.