مصير الترجمة في عصرالعولمة

التسييس في العهد الناصري ووقوع التجربة اللبنانية في شرك الموضات الفكرية أديا إلى ترشيد الترجمة لخدمة أهداف معينة (1ـ2)

TT

لم تعد الترجمة مهنة لها تقاليدها واخلاقياتها وقواعدها التي كانت تجعلنا نستمتع بكتاب يترجمه الدكتور زكي نجيب محمود ويراجعه الدكتور عبد الرحمن بدوي، فالمعايير الآن، كما يبدو، هي معايير «السوق»، العرض والطلب وسرعة الاستهلاك ان جاز التعبير، فالناشرون يهتمون بالربح في المقام الاول ويتحكم ذلك في اختيارهم لما يقبلون نشره من الكتب المترجمة، والمترجمون يعانون من مشاكل اخرى اقلها افتقاد ادوات الترجمة نفسها، وتبقى المكتبة العربية في انتظار مؤسسة تتبنى قضية خلوها من الكتب الجادة من ترجمات العلوم الحديثة ونتاج العقل العالمي وآدابه، وتتبنى ايضا مهمة ترجمة نتاجنا العربي للغات الأخرى.

«الشرق الأوسط» حاورت بعض المترجمين العرب حول هذه القضايا، وهنا آراء من مصر والمغرب:

* طلعت شايب: المهم ماذا نترجم

* في البداية يقول المترجم المصري طلعت الشايب: ليس كل من يجيد لغة اجنبية يستطيع ان يكون مترجما، فعليه اولا ان يجيد اللغتين، التي يترجم عنها والتي يترجم اليها، وان يكون متذوقا للمادة التي يترجمها عالما بعلومها، فلا يمكن لخريج اللغة الانجليزية ان يترجم كتابا في علم الموسيقى دون ان يكون دارسا للموسيقى، الا اذا كان هناك مترجم آخر دارس للموسيقى سيراجع الترجمة. الا ان المشكلة ان بعض المترجمين يعتقدون ان وجود مراجع لعمله تقليلا من شأن المترجم، في حين ان المراجع المتخصص ضرورة اذا كانت الترجمة لعلوم لم يدرسها المترجم الاصلي وهي كثيرة الآن مثل علوم الهندسة الوراثية وغيرها من علوم العصر، والامر ليس مجرد معرفة بالمصطلحات العلمية، فالمترجم المتخصص أو المراجع سوف يضيف للقارئ بعض الهوامش أو التعليقات أو التفسيرات ليوضح للقارىء معنى النص المترجم، خاصة اذا كان سيقرأه غير المتخصصين ايضا، فعندما نترجم كلمه (الجينات الوراثية) على سبيل المثال، فعلى المترجم أو المراجع توضيح معنى هذه الكلمة في الهامش ليعرفها غير المتخصص في هذا العلم، وإلا استغلق النص المترجم عن الفهم، ولهذا نرى بعض الترجمات لكتاب واحد، فنلاحظ ان هناك ترجمة تجعل النص مبينا مفهوما، وترجمة اخرى تجعله مستغلقا تمام الاستغلاق، والمشكلة بالطبع ليست عند القارىء، بل عند المترجم نفسه، والامر في غاية الاهمية الآن لان المكتبة العربية في حاجة ماسة الى ترجمة العلوم الحديثة من النتاج العالمي، اكثر من حاجتها الى ترجمة الابداع الادبي.

ويتابع المترجم الشايب: ينقلنا هذا الى السؤال الاكثر اهمية وهو ماذا نترجم؟ والواقع ان الاختيار هنا لا تحكمه الحاجة الفعلية للمكتبة العربية، وانما تحكمه اشياء اخرى كثيرة، منها الناشرون الذين يضعون معايير الربح اولا، فيختارون الموضوعات المثيرة أو الموضوعات (المناسباتيه) ـ ان جاز التعبير ـ بمعنى تلك الموضوعات التي تثار في وقت معين مثل العولمة وصدام الحضارات والارهاب، كتاب يتحدث عن شخصية يثار حولها الكلام، مثل مذكرات ديانا، كتاب يتحدث عن اسامة بن لادن، أو النتاج الادبي لكاتب يحصل على جائزة نوبل في فترة معينة لان القراء سيرغبون في قراءة نتاجه الادبي وقتها، وهكذا لا توجد خطة لاختيار الكتب من اجل نقل الحضارات العالمية للعربية، ولهذا لا تتعجب اذا وجدت بعض الكتب المترجمة دون كتابة اسم المترجم أو المترجمين عليها، لان المهم بالنسبة للناشر هو القصة أو الموضوع، ولهذا قد يوكل ترجمة الكتاب لاكثر من مترجم تقسم بينهم فصول الكتاب، ولا يمكن ان يترجم كتاب ترجمة جيدة بهذه الطريقة.

* مكارم الغمري: لابد من إنشاء مؤسسة عربية للترجمة

* وتقول الدكتورة مكارم الغمري استاذة الادب الروسي بكلية الالسن جامعة عين شمس والحاصلة على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب عن ترجماتها للأدب الروسي: المشكلة الكبرى انه لا يوجد تنسيق بين الجهات المعنية بالترجمة سواء على مستوى القطر العربي الواحد أو على مستوى العالم العربي، فلا توجد خطة قومية للترجمة، رغم الجهود الموجودة مثل المشروع القومي للترجمة في مصر، وفي الكويت ولبنان، لكن عدم التنسيق بينها يهدر الوقت والمال والجهد، فنجد ترجمات كثيرة لكتاب واحد، هذا بالاضافة الى عدم وجود دليل أو بيلوجرافيا ترشد المترجم الى ان هذا الكتاب أو ذاك قد تمت ترجمته حتى لا يترجمه، أو أن هذا الكتاب هام ويجب ترجمته لحاجة المكتبة العربية اليه، يحدث هذا ونحن ندعي دخولنا عصر المعلومات والانترنت الذي يمكن أن يجعل مثل هذا الدليل موجودا بسهولة على أحد مواقع الانترنت، فالاحصاءات تدل على ان ما يترجم من النتاج العلمي العالمي للعربية اقل بكثير مما يترجم عن الادبيات والعلوم والانسانية عموما، ونحن في أمس الحاجة على أن نتعرف على ما ينتجه العالم في هذا المجال من أجل تطورنا، وهذا ليس عيبا فقد اعطت الحضارة العربية قبل ذلك في عصورها الذهبية من نتائجها للعالم كله بفضل الترجمة ايضا. ولا سبيل الى وجود هذه الخطة في الترجمة الا اذا تبنت مؤسسة عربية هذه القضية وخصصت لها الموارد المادية التي تكفل لعملية الترجمة ان تكون بعيدة عن رؤية الناشر الخاص، فما زالت الكتب المترجمة تخضع لاختيار المترجم حسبما يتذوق نص ما ويشعر انه سيكون جميلا لو ترجم الى اللغة العربية.

وتتابع د. مكارم: والوجه الاخر من مشكلة الترجمة هو في الترجمة من العربية للغات الاخرى وقد اصبح هذا الامر ضروريا الآن، خاصة بعد محاولات تشويه صورة العرب والاسلام في العالم الآن، ولا تضمن توجهات من يترجم انتاجنا العربي من المستشرقين، والافضل ان نقدم نتاجنا للعالم كله من خلال الترجمة، لنستطيع ان نعرف القارئ على الذات العربية بشكل صحيح.

علينا ان نعترف ايضا اننا نعاني من عدم وجود المترجم المتمكن خاصة بالنسبة للغات غير الاوروبية، مثل اليابانية والصينية والروسية. ولهذا نجد ترجماتها تصل الينا عن طريق ترجمات اخرى وسيطة الى اللغة العربية، فيترجم النص الروسي الى الانجليزية ثم من الانجليزية للعربية، وقد لا تكون الترجمة الانجليزية دقيقة فيفقد النص الاصلي اصالته وتأثيره وروحه عند المتلقي العربي.

* عوض: ضعف مستوى الثقافة العامة

* اما الدكتور رمسيس عوض الاستاذ غير المتفرغ بكلية الألسن جامعة عين شمس وصاحب الكثير من الترجمات الهامة، فله رأي خاص، مؤداه ان المترجم الكفء ندر هذه الايام، فلا يكفي زيادة اقسام اللغات في جامعاتنا كي يتوافر لدينا عدد كاف من المترجمين الجيدين، فالعبرة بنوعية الدراسة والتدريب الذي يقدم لهؤلاء الدارسين. فالقليل من هؤلاء الدارسين يجيدون اللغة العربية التي سيترجمون اليها، ويعرفون مصادرها في القرآن الكريم والتراث العربي والادب القديم والحديث على نحو ما كان يجيدها مترجمو الاجيال السابقة مثل زكي نجيب محمود وغيرهم، بالاضافة الى عدم متابعة هؤلاء الدارسين لوسائل الاعلام الاجنبية بشكل دائم، وضعف مستوى الثقافة العامة والافتقار الى القواميس بمختلف اللغات عامة ومتخصصة ودوائر المعارف، وضآلة العائد المادي والمعنوي لفن أو علم الترجمة مما يثبط همم العاملين في هذا المجال. من ناحية أخرى، هناك حاجة لوجود جهة تدافع عن حقوق المترجمين، وعلى الصحف الاهتمام بنشر الاعمال المترجمة كما كان يحدث قديما، ولا بأس في انشاء مجلة للترجمة يكون لها دور في ابراز المترجمين ومنحهم الحوافز والمكانة الملائمة.

* محمد مدبولي: ألبي احتياجات القراء أولا

* اما الناشر محمد مدبولي صاحب احدى دور النشر الكبرى في القاهرة فيقول ان معياره لنشر الكتب المترجمة يخضع لاعتبارين، الاول هو اسم المترجم المشهور، لانه يثق في بعض المترجمين واختيارهم للموضوع الذي يهم القراء، وقد اتجه الكثير من القراء الآن للاهتمام بالعلوم الحديثة مثل الكومبيوتر والهندسة الوراثية والمعلومات، وهناك بعض القراء يأتون ليسألون عن ترجمة كتاب بعينه فأبدأ في الاتصال بالمترجمين الكبار لأسألهم عن الكتاب وامكانية ترجمته تلبية لطلب القراء، وهذا ليس عيبا فمهمة الناشر هي تلبية احتياجات القارئ أولا.