أكد الباحثون من ولاية لويزيانا الأميركية أن التدخل المحدود من خلال تقنيات القسطرة للوصول إلى شرايين الأمعاء قد يُفيد كثيراً في تخفيف الشكوى المزمنة من أعراض آلام نقص تروية الأمعاء بالدم Mesenteric ischemia ، أو ما يُعرف بالذبحة المعوية. ويقولون إن من الآمن اللجوء إلى طريقة التوسيع بالبالون لتضيقات الشرايين المساريقية mesenteric arteries المغذية لأجزاء واسعة من الأمعاء من خلال القسطرة، ثم تركيب دعامات معدنية في أماكن التضيقات التي تم توسيعها لتسهيل جريان الدم من خلالها.
ويُعتبر وجود تضيقات في داخل شرايين المساريقا سببا في إعاقة جريان الدم من خلال هذه الشريان بحرية تامة، خاصة في الأوقات التي تتطلب مزيداً من تدفق الشرايين إلى الأمعاء لإتمام مهام عمليات الهضم وامتصاص المواد الغذائية التي يحتاج الجسم إلى استخلاصها وامتصاصها من وجبات الطعام التي تم تناولها. ولذا غالباً ما تنشأ مشاكل واضطرابات في الأمعاء، نتيجة لتدني تزويدها بالدم اللازم لعملها وأداء وظائفها، في الأوقات التي تنشط فيها الأمعاء بدرجة كبيرة، أي بعبارة أخرى بعد تناول الوجبات الغذائية.
* ذبحة معوية وشرايين المساريقا هي الشرايين المتفرعة من الشريان الأبهر الأورطي الملتصق بالعمود الفقري في خلفية البطن، والتي تغذي الأمعاء الدقيقة والأمعاء الغليظة بالدم. لكن غالباً ما تطول التضيقات أجزاء الشرايين المُغذية للأمعاء الدقيقة لاعتبارات شتى لا مجال للاستطراد في عرضها.
ويُصاب بهذه الحالة منْ تجاوزوا الستين من العمر في الغالب، لكن قد تُصيب أشخاصاً أصغر سناً كما بدأت الدراسات الطبية تشير إليه عند تجمع عوامل خطورة الإصابة بأمراض الشرايين لدى الصغار في السن، خاصة مع تفشي التدخين ومرض السكري واضطرابات الكولسترول وارتفاع ضغط الدم بين مجموعات الناس الأصغر سناً.
وتظهر هذه المشاكل والاضطرابات، بالدرجة الأولى، لدى المُصابين بأمراض تصلب الشرايين بشكل عام، حيث تتسبب الإصابة بمرض تصلب الشرايين في أمرين مهمين على الشرايين نفسها، الأول فقدان الشرايين لمرونة التوسع عند الحاجة إلى زيادة تدفق الدم من خلالها، والثاني إصابتها بظهور تضيقات في داخل مجاريها مكونة من ترسبات الكولسترول على جدران الشرايين تلك.
وحين وجود التضيقات هذه داخل مجاري شرايين المساريقا المغذية للأمعاء، فإن المُصاب قد يُعاني من مجموعة متنوعة من الأعراض والمظاهر المرضية التي تُسمى بمجملها أعراض الذبحة المعوية المزمنة. وذلك أسوة بالضبط بما يجري داخل شرايين القلب التاجية حينما تُؤدي إصابتها بتصلب الشرايين وظهور التضيقات فيها إلى ظهور الشكوى من آلام الذبحة الصدرية عند بذل المجهود، أو حتى عند السكون حينما يتفاقم الأمر.
وكما أن حالات الذبحة الصدرية في شرايين القلب التاجية تتشابه مع حالات الذبحة المعوية في شرايين المساريقا المعوية من ناحية سبب ظهور الإصابات فيها، أي وجود تضيقات مكونة من ترسبات الكولسترول في جدران الشرايين تلك، فإنها أيضاً تتشابه في الحالات التي تثير ظهور نوبات الشكوى من آلام الذبحة، سواء في القلب أو الأمعاء. والمقصود بالعامل المثير هو العامل الذي يتطلب زيادة في تدفق الدم من خلال الشرايين تلك. ومعلوم أن ما يُثير الحاجة إلى مزيد من تدفق الدم من خلال شرايين القلب هو بذل الجهد البدني أو الانفعال العاطفي، لأن كليهما يتطلب من القلب تسارع نبضاته وضخ كميات أكبر من الدم. كما أن من المعلوم أن ما يُثير الحاجة إلى مزيد من تدفق الدم من خلال الشرايين المغذية للأمعاء هو وجود الطعام في الأمعاء، أي بعد تناول الطعام، إذْ حينها يجب أن تنشط وتعمل الأمعاء.
ولذا فإن أعراض الذبحة المعوية تكون أوضح وأكبر في الفترات التي تلي تناول الأطعمة. وآثارها بعيدة المدى، إضافة إلي التسبب بالألم في البطن والغثيان وغيرها، هو ظهور تداعيات عدم قدرة الأمعاء على هضم الطعام و امتصاص المواد الغذائية فيه. أي أننا نتحدث هنا عن هزال وزن الجسم وحالات نقص الفيتامينات والمعادن في الجسم، وهو ما يُسمى بعبارة أخرى سوء التغذية.
ووفق ما تم عرضه ضمن فعاليات المجمع الأميركي لقسطرة شرايين القلب والعلاج التدخلي الذي عُقد في أورلاندو بولاية فلوريدا الأميركية في الفترة ما بين 9 إلى 12 مايو الحالي، أوضح الباحثون من مؤسسة الجنوب للقلب والأوعية الدموية في لافاييتي بولاية لويزيانا الأميركية أن وسيلة العلاج التدخلي تتم بالقسطرة
* علاج غير جراحي وتركيب الدعامة لتوسيع ضيق شرايين المساريقا قد يُغني عن الحاجة إلى تعريض المرضى للعمليات الجراحية بفتح البطن وإصلاح الشرايين المتضررة فيه.
وأضافوا أن العملية الجراحية معقدة جداً، كما أنها طويلة من الناحية الزمنية التي يستغرقه إجراؤها، حيث تتراوح تلك المدة ما بين 4 إلى 8 ساعات. وأن نسبة الوفيات خلالها قد تتجاوز 15% من بين كل المرضى الذين يتم لهم إجراؤها، هذا عند تقدير أن إجراءها سيتم في مراكز طبية متقدمة وعلى أيدي أطباء جراحين ممارسين لإجرائها بشكل متكرر.
وقال الدكتور ديفيد إيلي، مدير قسم جراحات القلب والصدر وجراحات الأوعية الدموية في المؤسسة الطبية الأميركية المذكورة، إن حالات آلام الذبحة المعوية المزمنة هي الحالة المثالية المناسبة للمعالجة بالطرق التدخلية غير الجراحية، في إشارة منه إلى التدخل عبر تقنيات القسطرة.
وأضاف أن هذه الوسيلة التدخلية آمنة وبسيطة من ناحية خطوات الإجراء، ويُمكن إجراؤها للمرضى في المستشفيات بدون حاجة إلى بقائهم فيه بعد نجاح إتمام القيام بها.
وكان الدكتور إيلي وزملاؤه الأطباء في المؤسسة القلبية المذكورة قد قاموا بإجراء المعالجة باستخدام تقنية القسطرة لخمسين من المُصابين بآلام الذبحة المعوية المزمنة. وتوصلوا، من نتائج متابعاتهم لهذه الحالات بعد معالجتها، أن ضمان توفير مجار كافية للدم من خلال الشرايين التي كانت متضيقة قد تحقق بشكل كاف، ما أدى إلى زوال أعراض آلام الذبحة المعوية لدى 90% من هؤلاء المرضى، بدون وقوع أي مضاعفات كبيرة لديهم أثناء وبعد إتمام عمليات التوسيع بالقسطرة.
كما ذكر الدكتور إيلي أن المتابعات أفادت بأن 15 مريضاً منهم أُصيبوا بعودة تضيق مكان توسيع الضيق الأصلي في الشريان، ما تطلب إعادة التوسيع لاثني عشر منهم، وهو ما تم بنجاح. وبالجملة فإن 91% من المرضى كانوا بصحة جيدة، ولا يشكون من أية آلام أو غيرها من الأعراض في البطن، بعد سنة من إجراء تلك التوسعة بالقسطرة. وأن الأمر استمر كذلك لدى 81% منهم بعد ثلاث سنوات من المتابعة. والمعروف أن أية عمليات لتوسيع الشرايين وتركيب دعامات معدنية فيها، عُرضة لإعادة التضيق نتيجة لتفاعلات الشرايين مع تلك الدعامات المعدنية المثبتة داخلها. وأن النسبة في حصول هذا الأمر تتفاوت من إنسان لآخر وتتفاوت أيضاً بحسب نوعية الدعامات المعدنية التي تم تثبيتها داخل الشرايين المُعالجة تلك.
* آلام الذبحة المعوية.. أسباب وأعراض
* وفق ما تشير إليه نشرات المجمع الأميركي لجراحات الأوعية الدموية فإن أعراض نقص تروية الأمعاء بالدم، بشكل عام، هي على نوعين، إما أعراض مزمنة تستمر لمدة طويلة وتظهر على هيئة أعراض متوسطة القوة لا تتطلب تدخلاً اسعافياً سريعاً لمعالجتها، وإما أعراض حادة تظهر فجأة وتتسارع التداعيات فيها بصفة تتطلب معالجة سريعة لإنقاذ الأمعاء من التلف. وعليه فإن ثمة عنوانين رئيسيين لأسباب ظهور أعراض حالات تدني تروية الأمعاء بالدم:
الأول: تصلب الشرايين. وهنا يحصل فقد لقدرات مرونة التوسع في شرايين المساريقا، كما تحصل تضيقات مكونة من ترسبات الكولسترول على جدران الشرايين تلك. وغالباً ما تسبب هذه الحالة في آلام الذبحة المعوية المزمنة، ما لم تحصل حالة من السد التام لمجرى الدم من خلال الشرايين المغذية للأمعاء تلك.
وتظهر الأعراض في النوع المزمن من الذبحة المعوية على هيئة ألم متوسط، وربما شديد في النادر، بعد ما بين 15 إلى 60 دقيقة من الفراغ من تناول وجبة الطعام.
وقد يظهر الألم في أي جزء من البطن، لكن الغالب في وسط وأعلى البطن. وغالباً ما يزول بعد حوالي الساعة أو الساعة والنصف. ويعود للظهور مرة أخرى عند تناول الوجبة التالية. ما يُؤدي بالمريض إلى تقليل تناول الطعام بالرغم من شعوره بالجوع. الأمر الذي يُؤدي بدوره إلى هزال وزن الجسم ونقص توفر العناصر الغذائية الأساسية فيه من فيتامينات أو معادن بالإضافة إلى ظهور أعراض أخرى نتيجة آليات مختلفة أخرى. مثل الإسهال والغثيان والقيء وكثرة تكون وإخراج الغازات والإمساك المزمن.
الثاني: وجود خثرة أو كتلة دموية متجلطة، تسد مجرى الشريان بشكل سريع وفي وقت قصير جداً، ما ينجم عنه ألم حاد وشديد في الغالب، ويطول مناطق مختلفة من البطن، ويتطلب تدخلاً علاجياً سريعاً. وأسباب ظهور هذه الخثرة من التجلط الدموي متعددة، منها انخفاض ضغط الدم أو في حالات فشل عضلة القلب أو وجود اضطرابات في تجلط الدم داخل الأوعية الدموية وغيرها من الأسباب.