«التيار المهدوي» يقسم العراقيين بين رافض لطروحاته.. ومتفهم لها

السيستاني يصف أتباع اليماني بـ«أذناب النظام السابق».. وباحثون: إنهم ضحايا الديمقراطية السائبة

TT

أثارت المواجهات المسلحة التي شهدتها محافظتا البصرة والناصرية في العاشر من شهر محرم بين أجهزة الأمن ومسلحي أنصار «التيار المهدوي» والذين أطلق عليهم اسم «أتباع أحمد بن الحسن اليماني» والتي انتهت بمقتل واعتقال واختفاء أعداد منهم، جدلا واسعا بين أوساط كبيرة في المجتمع. وتعددت آراء الشارع في المحافظتين حول أسباب نشوء تلك الحركات في المذهب الشيعي، فبينما يرى البعض أن جاذبية وغموض فكرة «المنقذ.. أو المخلص» وغياب التثقيف حول فكرة «المهدي المنتظر»، هي التي تدفع فئات معينة إلى الانخراط في هذه الحركات المتطرفة، يرى آخرون أن الفقر وسوء الأوضاع المعيشية يمثلان السبب الأبرز في اتساع هذه الظاهرة.

وقال احد الباحثين إن «حركة أحمد بن الحسن اليماني هي من أسبق الحركات التي ظهرت في العراق مطلع عام 2004، وتعتمد على فكرتين إحداهما هي ان اليماني هو ابن الإمام المهدي، والثانية تقول إنه آخر سفراء المهدي  للتبشير بقرب ظهوره». ويرى ان «شخصية أحمد الحسن اليماني مازالت غامضة، وليس هناك نتاجات يمكن الاستناد اليها في فهم شخصية اليماني سوى كتاب منسوب إليه وشريط تسجيل بصوته، وكلاهما يكشفان عن سذاجة الطرح الذي يقدمه، ويشيران إلى إمكانية أن يكون (اليماني) طالبا سابقا وغير ناجح في إحدى مجالات الدراسات الدينية».

ويحيل باحث آخر ظاهرة «الحركات المهدوية» إلى «سنوات القمع الطويلة التي تسببت قي غياب الفاعلية الثقافية على المستويين السياسي والديني، فضلا عن الدمار الاقتصادي الكبير الذي خلق هامشا اجتماعيا كبيرا طوق معظم المدن الكبرى في العراق».

وكشف شيروان الوائلي وزير الأمن الوطني أن «أحمد بن الحسن اليماني، الذي اشتبك أنصاره في ذكرى عاشوراء مع القوات العراقية في البصرة وذي قار، يستخدم أربعة أسماء وعدة ألقاب دينية للتمويه عن شخصيته الحقيقية».

وأفاد الوائلي في تصريح صحافي بأن «الاسم الحقيقي لليماني هو احمد إسماعيل كاطع الهمبوش، ويتحدر من احدى قرى بلدة الهوير وسط الاهوار بين محافظتي البصرة والناصرية، ويقيم في مدينة الزبير الحدودية مع الكويت». واضاف ان «المعلومات الأولية تشير إلى ان اليماني خريج إحدى الكليات الهندسية، اما الأسماء الثلاثة الأخرى التي كان يستخدمها فهي احمد بن الحسن الكوفي واحمد بن مصطفى إسماعيل همبوش واحمد صالح همبوش. وأما الألقاب التي كان يطلقها على نفسه إضافة الى اليماني، فهي الموعود ووصي ورسول الإمام المهدي». وأكد ان «الحكومة العراقية قررت إغلاق مكاتب الحركة في جميع أرجاء البلاد باعتبارها مقرات وقواعد مسلحة ومقاتلة، كما بدأنا إجراءات أكثر حزماً تجاه الحركات المشبوهة».

من جهتهم، يقول أنصار «تيار احمد بن الحسن اليماني» إنهم يمثلون حركة فكريه عقائدية مبشرة بقرب موعد ظهور المهدي المنتظر، الإمام الثاني عشر لدى الشيعة، وتنكرهم لشرعية المرجعيات الدينية وتحريضهم على عدم تسليم مبالغ «الخمس»، وهي بمثابة ضريبة تدفع الى رجال الدين، فيما يرى مراقبون أن ظهور هذا التيار الرافض هو بمثابة الخطوة الثانية لشريحة من الشباب المتعصبين بعد أن شبعوا من حرية ممارسة طقوسهم الدينية التي كانت محظورة عليهم في زمن النظام السابق.

وأجمع رجال دين ومثقفون وسياسيون في المحافظتين على أن ظهور التيار اليماني هو وليد الأجواء الديمقراطية السائبة التي سادت المجتمع وغياب القوانين المنظمة لحركة الأحزاب والتيارات السياسية والدينية وعدم بناء المؤسسات وتفشي الفساد المالي في أعلى مراكز السلطة.  وأكد عدد منهم لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الظاهرة جاءت «نتيجة لتفشي الجهل والبطالة بين شرائح واسعة في المجتمع وضياع المواطن البسيط وتطلعه الى الخلاص وعدم قدرته على المزيد من الصبر بانتظار ظهور المنقذ وانعدام التشريعات القانونيه التي تنصف الطبقات المسحوقة  وإشراك المرجعيات الدينيه في الخلافات السياسية، واقتصار دور رجال الدين على المراثي في المجالس واستمرار إضرام مواقد الصراع بين التيارات للاستحواذ على المزيد من النفوذ والسلطة واستغلال كبار المسؤولين في الدوله مواقعهم من أجل أحزابهم وطوائفهم في الوقت الذي ينبغي أن يكون انحيازهم للصالح العام».

ويقول مثال الآلوسي رئيس حزب الأمة العراقية ان «الأحزاب الدينية والقومية التي تقود العملية السياسية تفتقر إلى الخطاب الوطني الشامل، وأن الأحزاب الكردية والسنية والشيعية تمثل طائفتها أو قوميتها فحسب، وأجندتها الأساسية مبنية على ذلك». وشدد الآلوسي على أن هذه الأحزاب تحاول أن تجد قواسم مشتركة لها داخل المنطقة الخضراء وليس خارجها، وبالتالي فإن أي حراك سياسي تقوم به هذه الأحزاب إنما هو من أجل إيجاد مراكز نفوذ لها في الحكومة، مشيرا إلى أنها لم تطور خطابها ليصبح بعيدا عن الطائفية.  وكان ممثلو المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني في المحافظتين اوضحوا ان «السيد السيستاني وجه الخطباء والعلماء والوكلاء في جميع مدن العراق بضرورة إفهام الناس وتوعيتهم بأهداف مثل هذه الحركات التي تتخذ من الإمام الثاني عشر غطاء لدعواتها وتوعيتهم بحقيقة الإمام المهدي». وأشاروا الى ان «أفكار ودعوات هذا التيار (اليماني) باطله ولا تمت بصلة الى إجماع الفقهاء والعلماء من الشيعة والسنة، ولا علاقة لهم بالحوزة العلمية، وان كانوا قريبين منها فهم من أذناب النظام السابق الذين كان يدسهم في الحوزة للتجسس على العلماء والمراجع». ويقول سياسيون في أحزاب ديمقراطية وليبرالية ان «العبرة ليس في تكفير التيار اليماني وغيره من التيارات الدينية الأخرى لأن ذلك يعود للفقهاء وعلماء الشريعة، بل تكمن في التداعيات التي شجعت على ظهور مثل تلك التيارات التي تزيد الوضع السياسي والاجتماعي تعقيدا»، وأضاف آخرون أن «غياب الجهات الرقابية على الجماعات التي توزع المنشورات وتبني المساحات الفارغة العائدة للدولة بهياكل مهلهلة وتعلق على سطوحها عشرات الإعلام على انها حسينيات دينيه (جوامع الشيعة)  تقام فيها تجمعات كالمقر الذي أقامته حركة اليماني بجوار شركة نفط الجنوب وسط البصرة، وتحويل جماعة الصرخي، جماعة اسلامية، لمبنى البلدية التراثي في الناصرية الى جامع في الوقت الذي تمتلئ فيه المحافظتان بكثرة الجوامع والحسينيات، يعد واحدا من  صورة الفوضى التي تشهدها المحافظات تحت غطاء الديمقراطية والحرية الفكرية».