«فش آند تشيبس» أشهر أطباق المطبخ الإنجليزي اليتيم

كانوا يضعون الحراس على المداخل

TT

من المآكل السريعة والشعبية التي يفتخر بها عادة اهل الجزيرة البريطانية، طبق «السمك والبطاطا» او ما يعرف بالـ «فش آند تشيبس» (fish and chips)، إذ انه ومنذ سنوات طويلة، يعد جزءا من تراث عالم المآكل والطعام، خصوصا بالنسبة الى الطبقات الشعبية العاملة او الفقيرة. ويعتبر هذا الطبق من أبسط الاطباق السريعة إذ لا يحتوي الا على السمك والبطاطا المقلية بالزبد وشحم البقر. وكان الطبق يباع بأوراق الجرائد (قبل ان تحرم القوانين الحديثة الامر) كما يحصل الامر مع الكثير من الاطباق الشعبية السريعة في البلدان العربية، خاصة سورية ولبنان ومصر والمغرب.

الا ان هذا الطبق، كما يبدو ليس بريطانيا بحتا وله اصول عدة، إذ كشفت آخر الدراسات التي اجراها الباحث بانيكوس باناييه في جامعة ليستر البريطانية، ان هذا الطبق الشعبي قد تأثر كثيرا بما جلبه المهاجرون الى بريطانيا قبل اكثر من 160 عاما. ويقول البروفيسور باناييه الذي ركز بحثه على طبيعة تنوع الاطباق والمآكل البريطانية واصولها او بكلام آخر التأثير الخارجي والعالمي على المآكل البريطانية، ان طبق الـ «فش اند تشيبس» خليط من البطاطا الفرنسية المقلية المعروفة بالـ «فرايز» (French fries)، واطباق السمك اليهودية. وقد حصل التطور هذا على المطبخ البريطاني بين عام 1850 ونهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945. وقد ذكر الكاتب او الاديب البريطاني المعروف تشالرز ديكينز، الطبق في روايته الشهيرة التي كتبها في القرن التاسع عشر «اوليفر تويست» (Oliver Twist). ويؤكد المؤرخون عادة ان البطاطا دخلت اوروبا من اميركا اللاتينية (البيرو) عن طريق السير والتر راليه (Sir Walter Raleigh) في القرن السابع عشر، وان طبق «بيسكادو فريتو» (السمك المقلي جيدا) الذي يعتبر جزءا من تراث طائفة السفرديم اليهودية الشرقية، وصل الى انجلترا وهولندا مع وصول المهاجرين واللاجئين من يهود اسبانيا والبرتغال وجلهم من السفرديم، في القرنين السابع والثامن عشر. ويضيف باناييه ان الطبق انتشر في القرن التاسع عشر لأن الناس آنذاك كانوا معنيين بالطعام او المآكل المغذية التي تقيهم الامراض وتبقيهم على قيد الحياة، اكثر من المآكل المنوعة والمتطورة الغالية الثمن عادة. ويقول في هذا الإطار: «ان الطبق ليس طبقا شعبيا بريطانيا مثلما يعتقد البعض. وعادة كان الناس يتناولونه قديما الى جانب كوب من الشاي، ولم يكن ذلك الا دليلا واضحا على تأثير الامبراطورية البريطانية على طبيعة المطبخ الوطني». اضف الى ذلك بالطبع، رخص الطبق، أي رخص كلفته وسهولة الحصول عليه (البطاطا والسمك). يفترض ان يعمل البروفيسور على وضع دراسته في كتاب تحت عنوان: The Spicing Up of English Life، ويفترض ان يواصل دراسة العديد من الامور مثل وصول البوظة ولحم الخنزير عبر المهاجرين الألمان والطليان، وحجم التأثير الذي تركته المطاعم الهندية والصينية على المطبخ البريطاني بشكل عام، إذ انها تشكل نسبة كبيرة من المطاعم في البلاد. ويؤكد الكثير من الأبحاث، ان الانتشار الكبير للطبق الشعبي هذا بين منتصف القرن التاسع عشر والوقت الحالي، يعود الى بدايات الثورة الصناعية وتلبية حاجات معاصريها من الناس والطبقات، لدرجة يمكن القول معها ان الثورة الصناعية في بريطانيا والعالم آنذاك، كانت وراء انتشار طبق الـ «فش اند تشيبس» او العكس، أي ان الـ «فش اند تشيبس» هو الذي اشعل الثورة الصناعية. إذ ان بدايات الثورة الصناعية استبدلت سفن الصيد التقليدية في شمال المعمورة مثل السويد والدانمارك والنرويج وهولندا وغرين لاند وآيسلاند، بالسفن الحديثة المجهزة بالمحركات البخارية والكهربائية السريعة. وقد ساهم ذلك في توسيع رقعة اسواق الصيد وبالتالي الـ «فش اند تشيبس» وتلبية الطلب الكبير عليه. كما يقال إن الطبق اصبح طبقا رئيسيا ومهما وضروريا لدى الإنسان البريطاني العادي، لدرجة ان كان اصحاب المطاعم في مدينة ليدز في الثلاثينات يضعون الحراس على المداخل لضبط طوابير الزبائن الطويلة.

كما كان الطبق احد اهم الاطباق التي اعتمدت عليها الطبقات الشعبية والميسورة في الحرب العالمية الثانية، إذ انه كان من الاطباق التي لم يطالها الترشيد الوطني، وكانت المطاعم التي تؤمنها ايام الحرب تعاني نفس المشكلة التي عانتها مدينة ليدز في الثلاثينات مع الطوابير الطويلة. وكان الطبق يباع آنذاك مرفقا بنصيحة وطنية بضرورة توفير مادة الخل التي تضاف الى السمك والبطاطا عادة، للمجهود الحربي.

بأية حال فإن تطور قطاع الـ «فش اند تشيبس» او صناعته، بدأ من المدن الصناعية في الشمال مثل غلاسكو وادنبرة ودندي في اسكوتلندا، ومناطق «نورثامبريا» ( نيوكاسل ) في انجلترا، بالإضافة الى مناطق الوسط المعروفة بالـ «ميدلاندز» (Midlands )، والعاصمة لندن، خصوصا الحي الشرقي القديم القريب من الوسط المالي. ومن المعروف ان اول مطعم لـ «فش اند تشيبس» في انجلترا كان في شرق لندن في شارع كليفلاند (Cleveland Street). وقد افتتحه صاحبه جوزيف مالين عام 1860. وفي عام 1863، تم افتتاح اول مطعم لـ «فيش اند تشيبس» في بلدة موزلي القريبة من مدينة اولدهام في مقاطعة لانكشر الشمالية، عام 1863. ومع هذا، فقد كتب صاحب المطعم (كوخ خشبي) المستر ليس على المدخل: «هذا اول مطعم للـ«فيش اند تشيبس» في العالم».

كما ساهم انتشار ظاهرة العطل المدفوعة للموظفين والعمال في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، في انتشار الطبق الذي كان يطلبه السياح ويصرون عليه، كما هو الحال في اماكن اقامتهم الاصلية. ولذلك يصعب العثور على أي منطقة سياحية بريطانية، خصوصا المناطق الساحلية من المطاعم التي تقدم الطبق المرغوب والمحبوب الى جانب المقاهي. وفي السنوات الاخيرة انتقلت الظاهرة ولاسباب سياحية ايضا تعود الى كثرة السياح البريطانيين، الى سواحل دول حوض المتوسط من اسبانيا والمغرب الى تركيا ولبنان. قبل انتشاره في المتوسط كان طبق الـ «فش اند تشيبس» معروفا في الكثير من القارات والمستعمرات البريطانية والهولندية السابقة ، وكان مشهورا، ولا يزال بسبب اصول السكان البريطانية (اسكوتلندية وايرلندية وانجليزية وويلزية)، في نيوزيلاندا واستراليا وكندا وجنوب افريقيا والنرويج وايرلندا وهولندا والولايات المتحدة الاميركية.

الطبق: يتألف الطبق من السمك المقلي (deep-fried ) والبطاطا المقلية ايضا، ويفضل تراثيا ان يستخدم شحم البقر في عملية القلي، لكن هذه الايام تستخدم المطاعم انواعا عدة وكثيرة من انواع الزيوت كالزيت النباتي (الطعم حسب نوع الزيت او الشحم او الزبد). ويقدم الطبق مملحا ومع الخل (او خل البصل او مائه عندما يكون مخللا). ويمكن الإضافة الى ذلك الكثير من المقبلات والصلصات وهذا يعتمد على المنطقة والذوق، مثل: «الكاتشاب»، وصلصة الكري الهندية والمايونيز (بتأثير بلجيكي وفرنسي) والصلصة البنية (brown sauce) (مرغوبة في اسكوتلندا – ادنبرة اشهر المدن لتناول الطبق) وصلصة التارتر (Tartar sauce)، وصلصة البرغر (Burger Sauce) وصلصة الـ «باربي كيو» (BBQ Sauce) والبصل المخلل والبيض المخلل والخيار المخلل، بالإضافة الى البازلاء المطبوخة والمهروسة.

* الأنواع البطاطا: عادة ما يفضل الناس في بريطانيا (البطاطس) البيضاء، خصوصا نوعي: Lincolnshire Whites، وMaris Piper.

* السمك: يرغب البريطانيون عادة السمك الابيض، خصوصا هذه الانواع: سمك القد (Cod) وسمك الحدوق (Haddock) وسمك الورنك (Skate) الطويل الذيل الذي يسميه بعض العرب بحرذون البحر، بالإضافة الى سمك القرش من نوع dogfishوسمك البلايس (Plaice) وهو سمك مفلطح، وسمك الهيك (hake) وهو من انواع القد وسمك البولوك (Pollock).

* أرقام : لمعرفة حجم الاعتماد الوطني البريطاني على طبق الـ «فش اند تشيبس»، تقول الارقام ان البريطانيين استهلكوا ما يقارب 300 مليون طبق منه قبل تسع سنوات (عام 1999). وهذا يعني ان الفرد يتناول الطبق المحبب ما لا يقل عن ست مرات في السنة. ولقطاع الـ «فش اند تشيبس» هيئة وطنية خاصة تدعىThe National Federation of Fish Friers، وتأسست عام 1913 لحماية القطاع وتطويره. ولا تزال الهيئة رغم مرور حوالي 95 سنة على تأسيسها، اكبر الهيئات الوطنية الخاصة بالـ «تيك اواي» والمأكولات السريعة في بريطانيا. ففي بداية التسعينات سجل لدى الهيئة ما لا يقل عن 9000 مطعم (هناك اكثر من الف فرع لـ «مكدونالدز»). وكان مدخول هذه المطاعم آنذاك يصل الى ما لا يقل عن 650 مليون جنيه استرليني (1.2 مليار دولار )، وان حجم استهلاكها السنوي من السمك يبلغ حوالي 600 الف طن، أي ربع الاستهلاك الطني منه. اضف الى ذلك نصف مليون طن من البطاطا، أي 10 في المائة من الاستهلاك الوطني للبطاطا. وقد حطم مطعم Harry Ramsden في غويزلي في منطقة ليدز في مقاطعة لانكشر الرقم القياسي العالمي بعدد الوجبات التي قدمها وباعها في يوم واحد عام 1952، إذ وصل الرقم الى 10 آلاف وجبة.

لكن احد فروع المطعم في غلاسكو في اسكوتلندا حطم الرقم واوصله الى 11964 وجبة قبل ان يحطمه فرع آخر في استراليا بـ 12105 وجبات عام 1996.

* الفوائد الصحية : يعتبر الـ «فش اند شيبس» من الاطباق الغنية بالحديد والبروتينات والالياف والفيتامينات. ويؤمن طبق واحد منه ثلث حاجة الرجل اليومية من الفيتامينات ونصف حاجة المرأة اليومية منها.

* من المطاعم المعروفة : مطعم (سلسلة حاليا) Harry Ramsden الذي يحمل اسم مؤسسه في مدينة برادفورد التي كانت تشتهر بتقديم اطباق لذيذة وطيبة من الـ «فش اند تشيبس» في الماضي. وكان مطعم رامسدن اول مطاعم الـ «فش اند تشيبس» التي تسمح للزبون بالجلوس والتمتع بوجبته.

«سيشلز» (Seashells) قرب ليسون غروف في لندن، لا يزال يقدم الطبق منذ 55 عاما. ويعرف المطعم بتقديم اطيب انواع السمك في العاصمة.

مطعم Rock & Sole Plaice – منطقة كافن غاردن (Covent Garden) .

47 Endell St near Covent Garden, London  WC2 • 20-7836-3785)).

مطعم Costas Fish Restaurant – منطقة كينزينغتون (KENSINGTON) (18 Hillgate St, London  W8 7SR • 20-7727-4310 ).

مطعمAnglesea Arms – منطقة هامرسميث (HAMMERSMITH).

(35 Wingate Rd, London  W6 • 20-8749-1291) .

مطعم Nautilus Fish – منطقة هامبستاد (HAMPSTEAD).

(27-29 Fortune Green Rd, London NW6 • 20-7435 2532).