«المعمورة».. من خرابة إلى مصيف للرؤساء والفنانين

على رمالها استلقت سعاد حسني وغنت ليلى مراد

فندق باراديز إن في المعمورة («الشرق الأوسط»)
TT

في شوارعها كان فريد شوقي يمارس رياضة المشي، على رمالها كانت تستلقي سعاد حسني من أجل حمام شمس دافئ، بينما تطرب أشجارها لألحان فريد الأطرش، وتتغنى طيورها مع صوت ليلى مراد الساحر، وفي شرفة مطلة على الشاطئ كانت تجلس مديحة يسري تستمع بنسيم البحر، بينما يسير موكب الرئيس عبد الناصر وهو يصر على مصافحة المارة.. كانت هذه هي سمات الصيف في «المعمورة» بالإسكندرية، أول نموذج للقرى السياحية في مصر.

عرفت «المعمورة» في الستينات من القرن الماضي بمصيف الصفوة أو «كريمة المجتمع»، حيث كانوا يقطنون الفيلات المطلة على البحر مباشرة التي تتلاحم معاً بطول الشاطئ لقضاء العطلات الصيفية، كان الصيف في المعمورة يعني المرح والمتعة للأثرياء وأبناء الطبقة الراقية، وهو ما جعلها المصيف المفضل لدى العديد من المشاهير من الساسة والفنانين ومنهم الفنان فريد شوقي وأسرته، ومحمود ياسين وزوجته شهيرة، وشمس البارودي وحسن يوسف، ونيللي ولبلبة، وشويكار وفؤاد المهندس، وليلى فوزي ومريم فخر الدين، وسهير البابلي ومديحة كامل، وغيرهم. وكانت مكاناً لاستعراض أحدث صيحات الموضة في الأزياء وقصات الشعر وملابس السباحة والسيارات الفارهة، مما كان يجذب عدسات المصورين لالتقاط لحظات من حياة هؤلاء المشاهير.

على رمالها ولدت أروع قصص الحب، فهي من أكثر الشواطئ هدوءا ورومانسية، ما رشحها لتكون مسرحا لهذه القصص في السينما ومنها: «أبي فوق الشجرة»، «اجازة صيف»، «معسكر البنات»، و«أين عقلي». وفي التسعينات كانت تقام أروع الحفلات الصيفية بها لأشهر المطربين في مصر والعالم العربي ومنهم عمرو دياب وهشام عباس ونوال الزغبي وباسكال مشعلاني وغيرهم. قد يعتقد كثيرون أن «المعمورة» منطقة حديثة تحدها حدائق «المنتزه» غرباً ويفصلها عنها بوابة خاصة، ومن الشرق تحدها ضاحية «أبو قير»، إلا أن تاريخ هذه البقعة الساحرة يعود إلى العهد البطلمي في مدينة الإسكندرية، حيث كان يطلق عليها اسم «مينوس»، التي اندثرت لتصبح أطلالاً ومسكناً للبوم والخفافيش وتشتهر باسم «الخرابة»، واستمرت تعرف بهذا الاسم حتى عهد محمد علي باشا والي مصر، الذي اهتم بالإسكندرية واستمر خلفاؤه على نفس النهج، فأقاموا السكك الحديدية حتى «أبي قير»، حتى جاء الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1892، الذي استكمل تعمير المنطقة ما بين حي الرمل وضاحية «أبي قير»، وأنشأ قصر وحدائق المنتزه، وكان هو أول من اكتشف تلك المنطقة وأصدر قرارا بتغيير اسمها من «الخرابة» إلى «المعمورة»، حيث خصص الشاطئ الخاص بها للأسرة المالكة، ثم أقيمت بها قصور وفيلات خاصة بالأمراء والوجهاء، إلى أن جاءت ثورة 1952 حتى فُتحت «المعمورة» و«المنتزه» للجمهور بعد أن كانت قاصرة على الأسرة المالكة والأمراء. وتحولت استراحة الملك فاروق إلى استراحة تابعة لرئاسة الجمهورية أقام فيها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والرئيس الراحل محمد أنور السادات، وقد شهدت اتخاذ العديد من القرارات السياسية التي غيرت معالم التاريخ، خاصة في عهد «السادات» الذي كان دائم الإقامة بها، حيث استقبل بها عددا من زعماء العالم.

عندما تولت شركة المعمورة للإسكان والتعمير تخطيط «المعمورة» عام 1956، أنشأت 3 أبراج سكنية، وعددا محدودا من الشاليهات ذات الطوابق الثلاثة المطلة على الشاطئ، يحيطها سياج من الأشجار والنخيل الكثيف وأشجار الفاكهة، وكانت هناك ثلاثة شوارع فقط‏، شارع النصر، شارع يوسف السباعي، وشارع رقم ‏8‏.

وبمجرد توافد أبناء الطبقة الراقية على «المعمورة» حتى بدأت تعمر بالمحال التجارية والأماكن الترفيهية، وكان أشهرها كازينو «مكسيم»، الذي تم هدمه وأقيمت مكانه شاليهات وكبائن ذات أربعة أدوار وأطلق عليها «مكسيم»، وحالياً يوجد ديسكوتيك بمدخل «المعمورة» يحمل ذات الاسم يرتاده الشباب والمراهقون. وفي أوائل الثمانينات، بدأت الشاليهات في التزايد وظهرت المجموعات السكنية ذات المسميات المختلفة ومنها الفردوس والزهراء والياسمين. ثم أقيمت ملاهي «المعمورة» وأسست المطاعم العالمية فروعاً لها، ما بين أميركية وإيطالية وفرنسية، لتصبح «المعمورة» مدينة متكاملة تضم الأسواق والمساجد والكافتيريات مما جعلها صالحة لأن تكون مسكناً دائماً صيفاً وشتاءً، ويملك القاطنون بها بطاقات خاصة تسمح لهم بالدخول والخروج من البوابات التي تحيط بـ«المعمورة». أما الزائرون فيمكنهم شراء تذكرة للدخول وكذلك للسيارة، تمكنهم من قضاء يوم كامل داخلها. والسير ليلاً على شاطئها وقضاء أحلى أوقات السمر مع العائلة بلا قيود والاستمتاع بأجواء الحفلات الصيفية. وكحال مستعمرات الطبقات الراقية لا بد أن تستمد مؤنها من الطبقات الشعبية البسيطة، فخلف أسوار «المعمورة» يوجد ظهير خلفي شديد التناقض مع واقع البقعة الساحرة، حيث يعيش العديد من الأسر في منازل عشوائية وفجة المنظر، وتحيط بها الأسواق الشعبية يطلق عليها «المعمورة البلد»، لا يفصلها عن «المعمورة الشاطئ» سوى سور أسمنتي وخط السكة الحديد.

وفي فجر التسعينات، سُرقت الأضواء من «المعمورة» لتُسلط على الساحل الشمالي بمنتجعاته الفخمة التي أغرت قاطني المعمورة لبيع فيلاتهم والاستبدال بها شاليهات في قرى الساحل الشمالي بحثاً عن الهدوء والاستجمام. ومع الألفية الجديدة تم تأجير شواطئ «المعمورة» لأحد المستثمرين لمدة 15 عاماً وأصبح الشاطئ محاطاً بأسوار خشبية، مقسماً لشواطئ خاصة لمالكي الشاليهات وأخرى عامة. ودخول الشاطئ العام يكلف 5 جنيهات وإيجار الشمسية 7 جنيهات والكرسي 3 جنيهات، تمكنك من الاستمتاع بكافة الخدمات حتى غروب الشمس. وفي المساء لا توجد متعة تضاهي تناول مشروب في المقاهي المقامة على الرمال الناعمة، والاستمتاع بضوء القمر وصوت الأمواج المتلاطمة والعروض الترفيهية.

توفر «المعمورة» كافة وسائل التسلية خاصة في ليلها الصاخب، حيث يمكن قيادة دراجة والاستمتاع بنسيم البحر العليل أو التسكع مع تناول الذرة المشوية أو الفيشار أو التين الشوكي، أو مشاهدة أحدث الأفلام في السينما الصيفي، أو الاستمتاع بالملاهي أو التسوق في ارض معارض مهرجان السياحة والتسوق، أو قضاء أوقات ممتعة في حفل شواء في إحدى الحدائق المطلة على البحر. ومن أشهر فنادقها فندق «المعمورة بالاس»، وهو أقدم فندق شيد بها في أوائل الستينات، وهو يقع في الشارع الرئيسي للمعمورة والمطل على حدائق «المنتزه». يقابله فندق «باراديز إن» الأحدث عمراً، وهو يضم عدداً من المطاعم وحمام سباحة محاطاً بالنخيل يجعلك تقترب من الأجواء الاستوائية، والفندق يوفر شاطئاً خاصاً للنساء يمنح خصوصية كاملة للمحجبات. كما يمكنك الاستمتاع بالشاطئ الخاص بالفندق وما يقدمه من ألعاب مائية والاستمتاع بأكلات السمك الاسكندرانية في مطعم «دنجل» للأسماك المقام على الشاطئ مباشرة الذي يقدم الأسماك الطازجة حتى منتصف الليل، أو الجلوس بمقهى كابوتشينو الكلاسيكي الذوق الذي يقدم المشروبات الساخنة والباردة على أنغام البيانو. ومن الطريف أن اسم «المعمورة»، يطلق على عدد من المدن في العالم، ففي العراق توجد مدينة «المعمورة» وهي تقع قرب مدينة «القائم» على الحدود العراقية السورية غربي العراق. أما «المعمورة» الأخرى فهي تونسية وهي قرية بولاية نابل الساحلية في الشمال الشرقي التونسي، أما في المغرب فالمعمورة هي غابة كبيرة بمدينة القنيطرة سادس أكبر مدينة مغربية.