«السلهام» المغربي يفقد «ذكورته»

بعد أن عُرف «كزي رجالي» لأنه يُصنع من الصوف الخشن ويمنح صاحبه نخوة وهيبة

الممثلة المغربية خلود، تزاوج القفطان بالسلهام التقليدي والممثل المغربي محمد مفتاح والممثلة المغربية منى فتو يزاوجان اللباس العصري بالسلهام التقليدي («الشرق الأوسط»)
TT

اشتهرت منطقة المغرب العربي، بشكل خاص، بلباس «البُرْنُس» أو «السلهام»، الذي عُرف بـ «كزي رجالي» يلبس فوق الجلباب، وخاصة في وقت البرد والشتاء؛ ليشكل حاجزاً يقي صاحبه برودة الطقس ويمنحه الدفء اللازم.

والسلهام، هو قطعة من «الصوف» أو «المليفة» أي الكشمير، به قلنسوة، على شكل غطاء للرأس، يتم ارتداؤه في المناسبات الرسمية والأعياد والأفراح والحياة اليومية، وهو ليس لباساً يمكن أن يكون مستقلاً بذاته، على غرار الجلباب، مثلاً، بل هو مكمل له.

كل هذا، يعني أن من مميزات السلهام أنه لا يلبس، بل يوضع على الأكتاف، وغالباً ما يصنع من ثوب الجلباب نفسه، كما يمكن القول إنه يشبهه في شكله، إلا أنه مفتوح تماماً من الأمام، ويكون من دون أكمام، مع غطاء رأس أوسع وأكبر.

وتحتفظ المصممة المغربية مرية الوزاني شهدي بوجهة نظر، فيها شيء من الاختلاف، حيث تقول إن «السلهام كان، على امتداد التاريخ، رجاليًّا ونسائيًّا، في الوقت نفسه، وأنه لم يكن حكراً على العرب، بصفة عامة، ودول المغرب العربي، بصفة خاصة، ما دام الفرنسيون والإنجليز، مثلاً، خاصة في القرن الخامس عشر، كانوا يلبسونه، وإن كان بشكل مختلف، قليلاً، عن شكل السلهام المغربي والعربي».

وصرحت مرية الوزاني، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، بأن «السلهام لم يكن أبداً حكراً على طبقة دون غيرها، وإن اختلفت وظائفه لديها. فهو عند الملوك وعلية القوم رمز للنخوة والجاه، وعند سكان العالم القروي وسيلة لاتقاء برد الشتاء وحر الصيف، حيث إنه يصمم بطريقة تجعله يفيد لابسه في مختلف فصول السنة. كما أن شكله ومكوناته ظلت مختلفة بين سكان المدن وسكان القرى، ففي حين يصنع من شعر الماعز، مثلاً، في العالم القروي، فهو يصنع من الصوف المغزول بشكل خفيف مثل الحرير، في العالم الحضري».

وكحالها مع كل الأزياء التقليدية، اختارت بعض المتاحف أن تدخل «السلهام» في معروضاتها «الفنية»، ومن ذلك سلهام أو برنس «أخْنيف»، المعروض في «متحف مراكش»، والذي يشبه في لونه الأسود، وطريقة عرضه أمام الزوار، نسراً كاسراً بَسَطَ جناحيه في الأعالي.

ولأن مصممي الأزياء لم يتركوا زيًّا تقليديًّا إلا وحاولوا تطويعه وجعله تحت رحمة المقص والإبرة والخيط، من أجل الوصول إلى أشكال تخدم التطورات المتسارعة، التي غيَّرت في شكل الأزياء التقليدية، فإنه لم يعد مدعاة للغرابة أو الدهشة أن تُقبل النساء على ما لبسه الرجال، وعُرِفُوا به على مدى السنين، وأن يتفنّن فيه. وهكذا فإن «السلهام» الذي كان يلبَس من جانب الرجال، بشكل أساسي، ويكون خشناً، بعض الشيء تماشياً مع «خشونة» لابسه، تحول إلى زينة أنثوية، نقلته من الخشونة إلى النعومة بشكل سلس حتى ليبدو وكأنه أُبدع من أجلها.

وشكَّلت الأعراس والمناسبات الاجتماعية، على الدوام في المغرب، فرصة يتزين فيها الرجال والنساء على حد سواء، لكن تتنافس خلالها النساء، بشكل خاص، لإبراز ما يمتلكْنَهُ من حُلي، وما تحتويه خزائنهن من أزياء تقليدية فاخرة.

وإلى الأفراح والحفلات الاجتماعية، أضيفت المهرجانات الفنية المغربية، التي صارت تتطلب الزينة، وبهاء الطلة من نجمات السينما والغناء، ممن يـفـرَش أمامهن البساط الأحمر، ويقفن أمام عدسات المصورين، وهن في كامل أناقتهن وزينتهن. ومع السنوات، تحول الزي التقليدي، بمختلف أشكاله، إلى «نجم» في هذه المهرجانات، خاصة بعد أن تأكدت القيمة المضافة التي يمنحها هذا الزي للسيدة التي ترتديه، على مستوى الظهور به والاختيال فيه، وأصبح دليلاً على الأصالة والارتباط بالهوية، من جهة، والإسهام في تسويق صورة المغرب الغني بحضارته وتقاليده، من جهة ثانية.

ومع توالي دورات بعض المهرجانات المغربية، وخاصة منها المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، سيغري الزي التقليدي المغربي فنانات الشرق والغرب، على حد سواء، ممن أقبلن على القفطان، في دهشة العاشق، وخاصة بعد أن اكتشفن فيه قدرة على إلقاء الضوء على مساحات إضافية من أنوثتهن.

وإذا كان القفطان قد شكل مركز اختيار رئيسياً للتألق في الأزياء التقليدية، فإن اللافت أن الدورة الأخيرة من فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش أعادت «السلهام» إلى واجهة الاختيارات على مستوى اللباس، بعد أن وُفِّقَ المصممون في ضمه إلى باقة الأثواب الجميلة التي يصممونها، لشكل التصميم وطريقة اللباس. وكان لافتاً أن ارتداء السلهام لم يكن حكـراً على الفنانات المغربيات، بعد أن لبسه الممثلون أيضاً.

ولأن السلهام، كأي زي تقليدي أصيل، لا يمكن أن يتنكر لأصوله، يبدو أن برد شهور الشتاء، الذي يميز ليل مراكش، أكد حقيقة، أنه حتى وإن تخلى عن خشونة الرجال وانحاز إلى نعومة النساء، لابد أن يحتفظ بمهمة منح الدفء لصاحبه، بغض النظر عن جنس صاحبه، وهكذا استعمل في مواده الأولية صوف وكشمير إلى جانب الحرير الناعم.

يقول عبد الرحيم نابوي، وهو تاجر ملابس تقليدية رجالية في المدينة القديمة بمراكش، إن هناك عودة خجولة من طرف المغاربة إلى السلهام، وأن الشباب هم الأقل إقبالاً عليه، مشيراً إلى أن أكثر الراغبين في السلهام هم من كبار السن، مشدداً على ملاحظة أساسية تتمثل في التبدل الذي طال الثوب الذي يدخل في إعداده، حيث تم التخلي، نسبياً، عن الصوف، الذي يجعله ثقيلاً، لصالح صوف أكثر نعومة، مثل «المليفة» وهي نوع من الكشمير.

ولم يجد نابوي، في إقبال النساء على السلهام، ما يثير التعجب، طالما لم تعد هناك حدود كبيرة بين ملابس الرجال وملابس النساء عموماً، بعد أن ولّى الزمن، الذي كانت فيه الفروقات بينهما صارمة». ومن جهتها، قالت الوزاني إن «المصمم يبقى فناناً، ولذلك فحريته تبقى غير مقيدة كلما لمعت في ذهنه فكرة لإبداع زي ما، أو تطويره».

ورأت الوزاني أن «عودة المصممين إلى السلهام تأتي كمحاولة منهم إلى منح النساء لباساً يعود إلى مراحل زمنية سابقة»، مضيفة أنها اشتغلت على السلهام في سنة 2003، حين وظفته في ما يتعلق بتجهيز العرائس، «وهي فكرة جاءتني بعد أن وجدت أن المرأة، بعد أن تكون ارتدت قفطاناً، أو أي لباس تقليدي، وفي طريقها إلى سهرة أو مـا شـابه ذلك، ربما تـريد وضع شيء على كتفيها اتقاء للبرد، مثلاً، ولذلك يمكن أن تلبس معطفاً من الفرو، يكون عصري المضمون، وربما لا يتناسب مع الزي التقليدي، ويمكنها أن تضع على كتفيها زياً تقليدياً آخر يساير ويكمل الزي التقليدي، الذي تلبسه، سواء أكان قفطاناً أو أي زي آخر. ومن جهة ثانية، ففي الوقت الذي يكون فيه معطف الفرو غالي الثمن، فإن السلهام يبقى رخيصاً وفي المتناول، إضافة إلى أنه يأتي متناسقاً مع اللباس التقليدي بشكل أكبر». وبخصوص التطور الذي طال القماش الذي يدخل في تصميم السلهام، رأت الوزاني أنه «لا شيء يمنع المصمم من أن يستعمل أي قماش يراه مسايـراً ومتناسقاً مع الثوب الذي سيُلبس فوقه».

ورغم التاريخ الذي عرفه السلهام، مغربياً وعربياً وعالمياً، والرمزية التي عُرِفَ بها، على مستوى منح لابسه نخوة وهيبة، ذهبت الوزاني إلى أن «استلهام المصممين للسلهام في أعمالهم الموجهة إلى النساء، ربما، يبقى مجرد (موضة صيف) عابرة، على عكس باقي الأزياء التقليدية المعروفة، ما دام بقي مجرد زي مكمل للباس أساسي، غالباً ما يكون قفطاناً، بالنسبة للنساء، أو جلباباً، بالنسبة للرجال».