الخرطوم: جسر «توتي» المعلق.. حياة جديدة وجمال

البشير وصفه برد دين لأهل الجزيرة.. والفنان حمد الريح: افتتاحه يوم ميلاد جديد

جسر توتي المعلق بلغت تكلفته أكثر من 16 مليون دولار («الشرق الأوسط»)
TT

استطاع محمد خوجلي، الموظف أن يستقل سيارته من منزله في جزيرة «توتي» كبرى الجزر السودانية على نهر النيل، وتشرف على العاصمة من كل الاتجاهات، إلى مقر عمله في مدينة الخرطوم، وفي نهاية «دوام العمل» دخل متجرا مجاورا في الخرطوم، واشترى احتياجاته ووضعها في سيارته، وقفل عائدا إلى منزله على متن سيارته، عبر جسر «توتي» بين الخرطوم وجزيرة توتي، الذي افتتحه الرئيس عمر البشير، في احتفال حاشد أقيم في الجزيرة الشهيرة. وكان ذلك، لأول مرة، منذ 30 عاما، اقتنى فيها خوجلي سيارة خاصة، وكان يتركها دائما على الشاطئ قبالة مدينة الخرطوم، تحت حراسة حارس، ويستقل معدية ضمن بقية سكان المدينة، للعودة إلى منزله بعد نهاية العمل، ولم يستطع طوال هذه الأعوام الدخول بسيارته إلى جزيرة توتي والتنقل بها في حواريها.

وليس أصحاب السيارات مثل خوجلي، هم من تمكنوا أن يتحركوا في سهولة ويسر «من الجزيرة إلى الخرطوم وبالعكس»، وإنما شكل جسر توتي الجديد نافذة جديدة وجسر تواصل، سهل لبقية سكان الجزيرة ممن يمتهنون المهن الأخرى، وترتبط مصالحهم بمواقع أخرى خارج نطاق الجزيرة، حسب الفنان الغنائي السوداني الكبير، وأحد أبناء جزيرة توتي، حمد الريح، الذي وصف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، افتتاح الجسر الرابط بين توتي والخرطوم بمثابة يوم ميلاد جديد للجزيرة. كان أصحاب السيارات في الجزيرة، وعددها نحو 700 سيارة، يستطيعون التجول بها في كل أنحاء العاصمة المثلثة: «الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان»، دون أن يستطيعوا الوصول بها إلى منازلهم داخل الجزيرة، التي تقول كتب التاريخ: إن عمرها نحو 600 عاما، وتعرضت للغرق التام لأكثر من مرة، بفيضان نهر النيل. وحسب متخصصين في التخطيط العمراني في الخرطوم، فإن الجسر الجديد سيضيف بعدا جماليا للمنطقة المعروفة في الأصل بمقرن النيلين، حيث يلتقي كل من نهري: «النيل الأزرق، المنحدر من بحيرة «تانا» في دولة أثيوبيا المجاورة شرقا، والنيل الأبيض، المنحدر من بحيرة «فيكتوريا» بأوغندا المجاورة جنوبا». ويسكن توتي نحو 19 ألف نسمة، أغلبهم من عائلة واحدة، وكانت شبه مقفولة على سكانها الأصليين، «غير أنها في السنوات الأخيرة انفتحت على كل الأجناس السودانية»، حسب قول الفنان حمد الريح، وتبلغ مساحة «توتي» نحو 4 كيلومترات مربعة. وبدأت اعتبارا من أمس، حركة جديدة لسيارات النقل العاملة في مجال نقل الركاب، تعمل في اتجاهين «توتي ـ الخرطوم» عبر الجسر، فيما كان عملها يقتصر فقط على جانب الجزيرة لنقل الركاب إلى داخل الجزيرة، بعد وصولهم إليها عبر المعديات. ويقول عبد الرحمن محمد حسن، سائق حافلة تعمل في الجزيرة لـ«الشرق الأوسط»: «إن الجسر فتح أمامي باب رزق جديد»، وأضاف: «كنت أعمل فقط داخل الجزيرة، والآن بوسعي أن أعبر الجسر من وإلى الجزيرة طوال اليوم، وهذا يرفع من دخلي اليومي». كما وجد أصحاب مزارع الخضروات ضالتهم في الجسر الجديد، حيث كانوا يقفون لساعات طوال من أجل الحصول على معدية تنقلهم إلى شواطئ المدن الأخرى، لتسويق ما لديهم من خضروات، ويعتقد أحد هؤلاء أنهم بعد اليوم يستطيعون أن ينافسوا تجار الخضروات من المناطق الأخرى، لأن الجسر اختصر لهم الزمن، ووفر لهم فرصة نقل بضائعهم من المزارع إلى الأسواق بالسيارات مباشرة. وقال الرئيس البشير في حفل الافتتاح: إن «جسر توتي بمثابة دين جرى رده لأهل المنطقة». وأصدر البشير قرارا بتخطيط الجزيرة، ووعد بأنها ستكون «جاذبة على مستوى السودان، بل وفي أفريقيا والعالم أجمع»، وقال: إن «افتتاح الجسر سيساعد على التواصل بين أبناء المنطقة وجذورهم في منطقة «حلفا»، أقصى شمال السودان»، وأضاف: أن «جسر توتي ينهي معاناة أهل الجزيرة في التنقل من والى مدن العاصمة». وقال البشير: «كان أهل توتي يعانون حتى في «ستر موتاهم»، ولكن الآن بوسعهم نقل موتاهم في سهولة إلى مقابر «حلة خوجلي»، في الشاطئ المقابل بمدينة الخرطوم بحري»، ووصف أهل الجزيرة بأنهم أهل علم. وجرى تشييد جسر توتي وهو جسر معلق بتكلفة بلغت «16.4» مليون دولار، وبطول 838 مترا، وبعرض 20 مترا، ويحتوى الجسر على مسارين بعرض 7 أمتار لكل مسار، وممر للمشاة بعرض 1.5. ويقع الجسر المعلق عند تقاطع شارع الجامعة الشهير مع امتداد شارع أرباب العقائد، ليعبر النيل الأزرق إلى جزيرة توتي. وقال المهندس عبد الواحد عبد المنعم عبد العزيز، رئيس قسم الجسور في وزارة التخطيط العمراني والمرافق العامة لـ«الشرق الأوسط»: إن جسر توتي يعتبر من أجمل الجسور التي تم تنفيذها في السودان من ناحية الشكل المعماري، وأعتبره أول جسر معلق في أفريقيا والوطن العربي، وذكر أن الجسر يقع ضمن منظومة جسور مقترحة لربط العاصمة السودانية ببعضها بعضا، وذلك عبر جزيرة توتي. وقال ممثل جزيرة توتي، في الاحتفال: إنه وبعد أن أصبح الحلم حقيقة بعد الانتظار الطويل، لا بد من مواصلة مسيرة التخطيط وسفلتة الشوارع الداخلية، والاهتمام بالبنيات التحتية، وربط توتي بالطريق الدائري، وتسجيل الأراضي لمواطني توتي بالملك الحر من غير رسوم. يقول الخبراء في مجال التخطيط العمراني: إن جسر توتي المعلق سيضيف للجزيرة الكثير، وسينعش حركة الحياة بداخلها. الأراضي ستزداد قيمتها، وإيجارات العقارات. ووصف الدكتور عوض أحمد الجاز، وزير المالية والاقتصاد الوطني، افتتاح جسر توتي بالمكسب الكبير لأهل توتي ولأهل الخرطوم، خاصة وأن جزيرة توتي تمتاز بالإنتاج الزراعي، وأضاف: أن الجسر ليس فقط لخدمة الجزيرة، بل سيمتد إلى مدينتي بحري وأم درمان، لربط المدن الثلاث، وتسهيل حركة المواصلات. وفيما ضجت الحركة من وإلى الجزيرة عبر الجسر، تحولت المرافئ القديمة للمعديات النهرية، التي تربط الجزيرة ببقية مدن العاصمة إلى «أرض يباب»، وعلى «مرسى الاسكلا» قبالة الخرطوم، تجمعت أعداد كبيرة من المعديات وهي خالية من الركاب، وجلس أصحابها إلى جوارها وكست وجوههم الحيرة، فيما سيعملون بعد أن توقف عملهم بتوقف المعديات عن العمل، وهجرها الناس وتحولوا إلى سيارات النقل من الحافلات وغيرها. وقال أحمد عبد المنعم، وهو«ريس» معدية، لـ«الشرق الأوسط»: إنه يعمل في المكان لأكثر من 14عاما، يكسب رزقه، «ولكن بعد بناء وافتتاح الجسر، أصبحت بلا عمل، المعدية التي أعمل فيها لا أعتقد أنها ستتحرك قريبا»، وأضاف: «والله أنا فرحان بالجسر، ولكن ومع ذلك حزين، لأنني فقدت عملي، والله كريم، والرازق الله».