من رقائق الخشب الدقيقة، مع لصق تلك القطع بطريقة تجمع بين الحرفية والمهارة المتناهية والفن، يصنع اللبناني حاطوم مفيد حاطوم، طاولات البلياردو، التي تمتاز ببذخها وبأناقتها وبجمالها الذي يجذب عيون المشاهدين. ويحاول حاطوم، أن يرقى بحرفة النجارة إلى روح الفن، وهو يسعى من خلال قص الخشب إلى قطع رقيقة إلى خلق تكوينات بصرية تقترب من الفن التشكيلي، الذي يجمع بين الرسم والنحت. وفي حديث مع «الشرق الأوسط» يقول حاطوم، الذي غادر لبنان أثناء الحرب الأهلية: «بدأت الاهتمام في عملية تطعيم الخشب بالرقائق الصغيرة منذ وقت مبكر، منذ كان عمري 10 سنوات». وكان يتابع شقيقه الذي اكتسب مهارة عالية في صنع الأثاث من الخشب. وبقي هذا الاهتمام يلازم ويراود حاطوم، بين حين وآخر. ولم يتمكن من تنفيذ ما كان يجول في ذهنه إلا في نيويورك، حين اطلع على ورشات صنع طاولات البلياردو في نيويورك، التي انقرض أغلبها، حيث حلت الماكينة الآن في إنتاج طاولات لعبة البلياردو بدلا من المهارة اليدوية في تركيبها وبنائها. فمصانع الأثاث والنجارة تقوم حاليا بإنتاج طاولات البلياردو بكلفة أقل كثيرا من الطريقة القديمة، التي تقوم أساسا على المهارة اليدوية. وقد انجذب حاطوم، مستفيدا من خبرته ومهارته في حرفة النجارة إلى الطريقة القديمة، الطريقة التي تعتمد على المهارة اليدوية وعلى الخيال وعلى الإبداع. فالعملية تستدعي قص الخشب إلى قطع صغيرة ثم يتم رسم الأشكال من خلالها على قطع خشبية أخرى رقيقة، وهكذا تتحول إلى ما يشبه اللوحات التشكيلية التي تتخذ شكل طاولة البلياردو.
ولا يمكن لزائر ورشة حاطوم، إلا أن ينجذب إلى الترف الذي يميز طاولات البلياردو، فهو يحافظ على تقاليد وحرفية الصناعة ذات الأصول الأميركية، التي انتقلت إلى أوروبا، ويضفي عليها لمسته الخاصة ذات الجذور الشرقية، التي تعود أصولها إلى حرفيي بلاد الشام وإلى المهارة التي يتمتع بها مصممو الأثاث الأوائل. فهو يطعم طاولاته بإضافات مبتكرة مستلهما التشكيلات العربية والإسلامية، مع الحرص في الحفاظ على الأصل الأميركي للطاولة. فحاطوم، صانع طاولات البلياردو ماهر بامتياز. ويفيد الصانع الماهر بأن كلفة إنتاج طاولة واحدة عالية جدا، نظرا للجهد المبذول ونظرا أيضا لكلفة المواد الأولية، ويصل سعر طاولة البلياردو التي ينتجها ما بين 150 ألفا إلى حوالي 500 ألف دولار. ويسعى حاطوم، الذي يقيم في ولاية نيوجرسي، إلى نقل حرفة النجارة إلى الفن، لذا يبدو متعدد الاهتمامات، ولم يقتصر مجاله في صنع وتركيب طاولات البلياردو، وإنما تعدى هذا الاهتمام إلى خلق تشكيلات تتميز بطابعها الفني الصرف. وقد قدم عرضا فنيا لتشكيلات مكونة من قطع الخشب الرقيق لأول سفينة عربية تصل إلى ميناء نيويورك في أواخر القرن التاسع عشر. وكانت السفينة القادمة من سلطنة عمان، التي حملت اسم (سلطانة) حملت على متنها أول وفد دبلوماسي من دولة عربية لإقامة علاقات دبلوماسية بين سلطنة عمان والولايات المتحدة. وكان على متنها السفير أحمد بن نعمان الكعبي. وقد وصلت السفينة سلطانة إلى ميناء نيويورك عام 1840. ولحاطوم، ولع خاص في تصميم إطارات للصور وللوحات، فهو يخرج عن الطريقة التقليدية في صنع الإطارات، ويلجأ أيضا إلى استخدام رقائق الخشب الرقيقة، ويعمل على تطعيمها بتشكيلات زخرفية ذات هوية شرقية عربية. وما يتطلع إليه حاطوم، كفنان وكتشكيلي إلى فتح ورش في عدد من الدول العربية، منها السعودية ولبنان لتعليم حرفة وفن تلبيس وتطعيم الخشب بالقطع الرقيقة. ويعتقد «أن هذا الفن له جذور عربية أخذ ينقرض مع دخول المكننة». وهو يسعى إلى إحيائه ليس فقط في صنع وتصميم الأثاث، وإنما في استخدامه كمادة خام في الفن التشكيلي الذي يجمع بين الرسم والنحت.