شق الشفة والشق الحلقي.. لدى الأطفال

تشوهات خلقية تنجم عن عوامل وراثية وبيئية

TT

«أثناء فحص روتيني بالموجات فوق الصوتية في منتصف الحمل، أبلغت وزوجي أن ابننا يعاني من تشوه خلقي. وشرح لنا الأطباء أن الصورة بينت لهم شقا في سقف الحلق (cleft palate) وللأسف لا يمكن لهم تحديده إلا بعد الولادة. وعلى الرغم من هذا الخبر المفجع فقد كانت ولادة ابننا تجربة جميلة جدا. رأيت وجهه، والشق في شفته العليا، ولكن لم يهمني الشق الظاهر في شفته وكان يبدو لي طفلا جميلا ورائعا. حضنته حتى التصق جسدانا. وبعد عدة دقائق تحسست دواخل فمه، ووجدت أن الشق امتد ليشمل سقف الحلق الرخو والصلب (hard and soft palate) وكان يمتد حتى أنفه. وعلى الرغم من أنني كنت ثقفت نفسي بكل المعلومات عن هذه الحالة لكنني وجدت نفسي أعاني كثيرا عند رضاعته ولم نتمكن من العثور على طريقة تمكنه من رضاعة لبني. لذلك وفرت لي المستشفي مضخة لشفط الحليب فقدمت له بعض الكولستروم».

والدة الطفل ديفيد، السيدة جانيت روبرتس في مقالة نشرت في النشرة الدورية «البدايات الجديدة»، التي تصدر من اتحاد اللبن الدولي، ومنظمة الأمهات المرضعات. مما لا شك فيه أن ولادة مولود جديد في الأسرة تجلب السعادة والفرح للآباء. ولكن عندما يرى الوالدان أن الوليد الجميل لديه تشوه خلقي مثل شق الشفة أو الحنك وهي من التشوهات التي لا بد أن تلاحظ بسبب وضوحها في وجه الطفل، فيمكن أن تكون صدمة مزعجة ومريرة للوالدين. وهذه مشاعر طبيعية ومتوقعة، ويمكن أن يخالطها الإحساس بالذنب والقلق على حالة طفلهما، كما يمكن أن يشعرا بعدم الرغبة في التعامل مع المولود، وكل هذه المشاعر طبيعية جدا يمر بها الآباء والأمهات لحين التغلب على مشاعرهم.

وتعرف الأكاديمية الأميركية لطب الأنف والأذن والحنجرة «شق الشفة والشق الحلقي» (والاسم الأكثر شيوعا هو الشفة الأرنبية) بأنه انقسام أو انفصال في الحنك أو سقف الفم، أو في الشفة والفم. ويعرف الأطباء هذا الشق بأنه شذوذ خلقي يسمى clefting craniofacial.

وتعد الشقوق الشفوية واحدة من أكثر العيوب الخلقية. وفي أميركا تحدث الشقوق في 1 من كل 700 إلى 1000 ولادة، مما يجعلها واحدة من أكثر العيوب الخلقية شيوعا لديهم و6800 من أطفالهم يولدون بهذا التشوه سنويا. بينما في بريطانيا تشير رابطة شق الشفة والحنك إلى أن 1 من كل 600 إلى 700 طفل يولدون بهذا النوع من التشوه الخلقي. أما آخر دراسة شملت مراجعة كل السجلات لحالات الإصابة بشق الحلق أجريت من قبل مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض فقد بينت أن هناك 807 حالات مسجلة، منها 451 فتى و356 فتاة.

حدوث الشقوق

* كيف يحدث شق الشفة والشق الحلقي؟ عند النمو الطبيعي للجنين داخل الرحم، تبدأ عظام وأنسجة الفك العلوي والأنف والفم الاندماج مع بعضها بعضا لتشكيل سقف الفم ويحدث هذا الالتحام بين الأسبوع السادس والحادي عشر للحمل. ولكن إذا لم تلتحم أنسجة الفم والحنك مع بعضها بعضا يمكن أن يكون الطفل المولود مصابا بشق الشفة أو الشق الحلقي أو كليهما. كما يمكن أن يولد مع وجود شق الشفة والشق الحلقي أو شق في منطقة واحدة فقط. يتراوح التشوه في الأطفال الذين يولدون بشق الشفة، من فجوة صغيرة في الشفة العليا إلى انقسام يمكن أن يمتد إلى الأنف. أما لدى الطفل الذي يولد بالشق الحلقي فتكون هنالك فتحة بين سقف الفم والأنف، وهذه الفتحة يمكن أن تكون صغيرة نتيجة تشوه في سقف الحلق الرخو أو أن تكون كبيرة تمتد عبر سقف الحلق الرخو والصلب.

أنواع شائعة

* هناك 3 أنواع شائعة من شق الشفة والشق الحلقي: ـ شق الشفة والشق الحلقي التي تحدث معا. ـ شق الشفة دون الشق الحلقي.

ـ حنك مشقوق دون شق الشفة.

وقد يحدث الشق في جهة واحدة من الفم (شق أحادي) أو في جانبي الفم (شق ثنائي). وعادة ما يكون شق الفم غير مرتبط بأي حالة أخرى، ولكن في بعض الأحيان يكون مرتبطا مع حالات وراثية أخرى مثل متلازمة داون وغيرها. والصبيان أكثر عرضة من البنات للإصابة بشق الشفة، في حين أن أكثر الفتيات يصبن بالشق الحلقي دون شق الشفة.

أسباب التشوه

لا يوجد سبب واضح لعدم التحام الشفة والحنك مع بعضها بعضا مما يؤدي إلى شق الشفة أو الحنك. ولكن الخبراء يشيرون إلى أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية قد تكون مسؤولة عن هذا التشوه، وهي: 1. العوامل الوراثية: يكون الطفل عادة أكثر عرضة للإصابة بشق الشفة أو الحنك إذا كان أحد الوالدين أو كلاهما لديه هذا التشوه. 2. العوامل البيئية: بعض الأدوية مثل مضادات الصرع والمخدرات وشرب الكحول أو تعاطي المخدرات أثناء فترة الحمل، وسوء التغذية أثناء الحمل تزيد من نسبة احتمال الإصابة. وأثبتت الدراسات أن تناول الحامل لحامض الفوليك (folic acid) في الثلاثة أشهر الأولى تقلل نسبة الإصابة.

3. العوامل الوراثية المتلازمة: شق الشفة والحنك مرتبط بما لا يقل عن 400 من الأمراض الوراثية المختلفة. وتذكر الرابطة الأميركية لطب الأنف والأذن والحنجرة أن نحو 30 في المائة من تشوهات الشفة والحنك مرتبطة بها.

مضاعفات شق الشفة والحنك

* الأطفال الذين لديهم شق الشفة مع أو من دون الشق الحلقي أكثر عرضة للعديد من التحديات التي تتصل بهذا العيب الخلقي، كما يعتمد هذا طبعا على نوع وشدة الشق وتشمل المشاكل ما يلي:

* مشاكل التغذية: التغذية واحدة من أكثر الشواغل المباشرة للعيب الذي يمكن أن يكون صعبا بسبب الشفط، وعدم تمكن الطفل من الرضاعة الطبيعية أو ترسب اللبن داخل الأنف. وفي الحالات الشديدة هناك عبوات خاصة للأطفال المصابين، ولكن عندما يكون الشق صغيرا فهنالك بعض الوسائل التي يتم تلقينها للأمهات لمحاولة التغلب على الصعوبات وممارسة الرضاعة الطبيعية.

* التهابات الأذن وفقدان السمع: بسبب الخلل في هيكل الفم والأنف، تتأثر قناة اوستاكي في الأذن الوسطى ولا تستطيع أن تعمل بشكل طبيعي، مما يؤدي إلى تراكم السوائل في الأذن، مما يؤدي إلى التهابات الأذن المتكررة، وإذا لم تعالج بشكل صحيح يمكن أن تؤدي إلى فقدان السمع.

* نمو الأسنان والعناية بها: من الطبيعي أن يتأثر نمو أسنان الأطفال الذين يعانون من شق الشفة أو الحنك. وبعض المشاكل المرتبطة هي فقدان سن أو وجود سن إضافية، أو نمو الأسنان فوق بعضها بعضا.

* النطق واللغة: لأن كلا من الشفاه والحنك تستخدم لإخراج الأصوات السلمية، فإن تطوير النطق الطبيعي يتأثر بشق الشفة مع أو من دون الشق الحلقي. تطور الكلام واكتساب اللغة يعتمد اعتمادا كبيرا على درجة الشق الموجود.

* المشاكل النفسية: الطفل مشوه الوجه أكثر عرضة لمشاكل كثيرة في حياته الاجتماعية والعاطفية والسلوكية بسبب شكله. وتحدث هذه خاصة إذا كبر عمر الطفل ولم يعالج الشق ومن الأمور التي يمكن أن تؤثر الطريقة التي ينظر بها الأصدقاء أو الاقران إليه فقد يضحكون من شكله، ومن الممكن أن يشعر الطفل بأنه مختلف عن الآخرين ويقل اعتداده بنفسه.

* علاج الخلل

* تشخيص شق الشفة أو الحنك يمكن أن يحدث والطفل لا يزال في رحم أمه عن طريق الموجات فوق الصوتية. ويشير معظم الخبراء إلى أن الأطفال الذين يعانون من شق الشفة ينبغي أن تجرى لهم جراحة تصحيحية بين الولادة وعمر 3 أشهر، في حين أن المصابين بالشق الحلقي ينصح أن تجرى الجراحة خلال الـ12 شهرا الأولى من عمرهم. ولكن متى وكيف يتم تنفيذ العملية الجراحية؟ يعتمد ذلك اعتمادا كبيرا على شدة الشق وكذلك الحالة الصحية للطفل. في بعض الأحيان قد تكون هناك حاجة لأكثر من عملية جراحية لإصلاح العيب، وكذلك ضرورة التشاور مع الآخرين بمن فيهم الأطباء المتخصصون في طب الأسنان والنطق وأخصائي الأنف والحنجرة.

* دور الوالدين

ليس من السهل مواجهة حالة طفلك إذا كان لديه تشوه خلقي. كما أنه لا يتوقع من الآباء أن يكونوا قادرين على تقبل أن الطفل قد يبدو مختلفا عن غيره من الأطفال بسهولة. ولكن هذه المرحلة طبيعية، فالمشاعر الجياشة والعواطف الغامرة تحدث بصورة طبيعية في البداية حتى يتم التأقلم ومواجهة الواقع. ومما يؤسف له أن مجتمعنا لا يساعد، لأنه يركز على المظاهر الخارجية، وهذا يمكن أن يكون صعبا خاصة إذا كان الطفل مصابا بتشوه خلقي. ولكن ما يتعين علينا تذكره أن العيب ليس هو المسألة المهمة، بوجود أو عدم وجود شقوق، فطفلك الوليد ما زال طفلا جميلا وبريئا. لذلك لا تعط للبعض فرصة لإفساد أجمل اللحظات في حياة طفلك، ولا تفكري في الكيفية التي يرى بها المجتمع أو غيره طفلك، وتمتعي بجمال جوهر طفلك من الداخل، فقيمة هذا أكثر وأغلى من قيمة الماس، وتذكري دائما إعطاء طفلك الحب غير المشروط وكل الرعاية والحب اللذين يستحقهما.

5 طرق.. لدعم طفلك

1. لا تركز على العيب الخلقي، ولا تسمح للتشوه أن يحدد شخصية طفلك.

2. حاول خلق البيئة الداعمة والملائمة التي تتقبل فيها كل طفل على حدة وتركز على قيمته دون النظر إلى الشكليات.

3. شجع طفلك لتطوير صداقات، ودائما حاول تعزيز احترام طفلك لذاته لكسب الثقة اللازمة للبحث عن أصدقاء جدد.

4. دائما اشرح لطفلك عن حالته الصحية ومختلف خطوات العلاج، ففهم الحالة وكيفية معاملة الطفل من شأنهما أن يساعداه في استيعاب الوضع أكثر سهولة.

5. ساعد طفلك على اكتساب الثقة من خلال تشجيعه على اتخاذ بعض القرارات البسيطة بنفسه.

اخصائية في الصحة العامة [email protected]