الجيش السعودي.. من قوة «الإخوان» إلى القوة النظامية

قلة الموارد وبريطانيا وراء عدم بناء قوة عسكرية في بدايات مراحل التأسيس * الملك عبد العزيز أنشأ جيشاً نظامياً ولاؤه للدولة لا للقبيلة أو الإقليم * مديرية الأمور العسكرية امثلت نطلاقة القوات المسلحة السعودية

قوات الملك عبد العزيز في إحدى الحملات قرب ثاج في مارس (آذار) 1911م
TT

رغم أن المعلومات المتوفرة عن بدايات التنظيمات الأمنية والعسكرية في السعودية في عهد الملك المؤسس تعد قليلة جداً بسبب عدم تسجيلها أو فقدانها ونسيانها في أغلب الحالات، إضافة إلى أن الإجراءات الأمنية المتخذة لحماية مثل هذه المعلومات من النشر تحد من تداولها، إلاّ أن الباحث في دراسة تنظيم القوات العسكرية يمكن أن يقف على نزر يسير من المعلومات من خلال مصادر متعددة تعطي ملامح عامة عن البدايات الصعبة للقوة التي شيدها الملك المؤسس منذ بدء رحلته لتوحيد البلاد وحتى تأسيس الدولة السعودية الحديثة.

وسلط العقيد الدكتور إبراهيم بن عويض العتيبي الضوء على تنظيم القوات العسكرية في مراحلها الثلاث منذ عام 1901 وحتى إنشاء القوات النظامية، موضحاً أن المصادر التي اطلع عليها تجمع على أن الملك عبد العزيز لم ينشئ جيشاً نظامياً قبل فتح الحجاز وكان اعتماده على جيش أهل الجهاد المكون من حاضرة نجد، مضافاً إليه رجال القبائل الرحل ثم المستوطنون في الهجر. ومع أن هذا الجيش غير نظامي فإن له تنظيماً معيناً في استدعائه وتشكيلاته ونظام سيره وقتاله وهذا لا يعني عدم رغبة الملك عبد العزيز في بناء القوة العسكرية، وإنما حكمته عوامل دينية واقتصادية وسياسية واجتماعية، وأشار العتيبي إلى أن نداء الجهاد الذي تبنته الدعوة السلفية منذ بداية أمرها في منتصف القرن الثاني عشر الهجري، كان يدعو أتباع الدعوة إلى امتشاق السيف كلما دعا داعي الجهاد. أما في أيام السلم فكانوا يمارسون حياتهم بصورة عادية. ولهذا لم يكن للأمير عبد العزيز جيش نظامي في بداية أمره.

ولم تتوفر لسلطنة نجد وملحقاتها من الموارد المالية ما يكفي لبناء قوات نظامية وتسليح أو إنشاء معسكرات تدريب، لأن موارد الدولة في ذلك الوقت كانت لا تكفي لسد احتياجاتها الضرورية. وليس في مقدور الأمير (الملك) عبد العزيز الصرف على وحدات نظامية مرابطة، ومن غير الممكن أن يترك أبناء البادية أو حتى أبناء الحاضرة مصالحهم والبقاء في معسكرات من دون الحصول على مرتبات مجزية، هذا بالإضافة إلى أن عبد العزيز لم يواجه خطراً خارجياً بعد أن ارتبط مع بريطانيا في 26/12/1915م باتفاقية العقير التي منحته شيئاً من الحماية ضد التهديد الخارجي، لأن بريطانيا كانت تسيطر على أطراف جزيرة العرب ولو شرع الأمير عبد العزيز في بناء قوة عسكرية نظامية في تلك الفترة لفسر خصومه تلك الخطوة بأنها سعي لتحقيق أطماع خارج محيطه. وربما دخلوا مع بريطانيا في اتفاقيات تضر بمصالحه. ثم إن بريطانيا لن تسمح للأمير عبد العزيز بتكوين قوة عسكرية تشكل خطراً على محمياتها في الخليج أو تهدد حليفها الشريف حسين، وهذا واضح من اهتمامها بموضوع الهجر عند إنشائها على الرغم من انها أنشئت في داخل نجد، وفي مواقع بعيدة عن مناطق النفوذ البريطاني.

والقوة التي شيدها الأمير عبد العزيز مرت بثلاث مراحل: مرحلة القوة التقليدية، ومرحلة قوة الإخوان، ومرحلة القوة النظامية.

القوة التقليدية

* بدأت مرحلة القوة التقليدية عام 1901م بقوة صغيرة تكونت من بضعة وأربعين شخصاً من أسر وأفراد موالين لآل سعود. وبهذه القوة استطاع الأمير عبد العزيز بعد ـ توفيق الله ـ أن يسترجع الرياض. وبدأ بعد ذلك يبني قوته الحربية باستمالة رجال من القبائل المحيطة بالرياض ومن سكان العارض وحواضر المدن التي أصبحت تحت حكمه. ونتيجة لهذا التوسع في القوة العسكرية أصبح النفير العام من الوسائل الأساسية لدعوة القادرين على حمل السلاح ممن دخل في طاعته عندما يدعو داعي الجهاد، فتيسرت له أعداد كبيرة مقاتلة ساعة يحتاجها. إلا أن الظروف المعيشية للسكان كانت تمنعه أحياناً كثيرة من الاحتفاظ بالمقاتلين فترات طويلة. فقد تذمر المقاتلون من طول انتظار وتأخر حسم الحرب بين عبد العزيز بن عبد الرحمن وعبد العزيز بن متعب بن رشيد في القصيم عام 1904م حتى كادوا يتخلون عنه. فهداه تفكيره إلى إيجاد قوة يعتمد عليها ويسهل استدعاؤها في جميع الظروف، فأنشأ الهجر إبتداء من عام 1911م ومعها بدأت تظهر قوة الإخوان. ومن هنا تبدأ المرحلة الثانية من مراحل بناء القوة الحربية للأمير عبد العزيز. وعلى هذا فإن إنشاء الهجر يمثل فترة انتقال من القوة التقليدية إلى القوة شبه النظامية التي ظهرت مع الإخوان.

والهجر جمع هجرة، والهجرة هي الانتقال من مكان إلى آخر. واصل المهاجرة عند العرب خروج البدوي من باديته إلى المدن.

أما الهجر التي أنشئت في عهد الأمير عبد العزيز، فهي أماكن أعدت لتجمع أفراداً من البادية ليستقروا ويتركوا حياة الترحال. وكان الأمير عبد العزيز يعين بقعة من الأرض فيها ماء لقبيلة أو فخذ من قبيلة فتنزح إليها، وغالباً ما تكون في أرض تلك القبيلة نفسها. فإذا استقرت فيها قدم لها بعض المساعدات لبناء المساكن والمساجد وحفر الآبار، وهكذا خرج مشروع الهجر إلى حيز الوجود. والهجر مهد الإخوان جيش الأمير عبد العزيز، المحاربون القدامى الذين تكونت منهم فيما بعد فرق المجاهدين النواة الأولى للحرس الوطني.

ولما كان من أهداف الهجر تحقيق مكاسب حربية، جاء إنشاؤها على المناطق محققا لذلك الهدف، وهذا واضح من اختيار المواقع التي أنشئت فيها الهجر، وواضح كذلك من القبائل التي نزلت بها، وخير مثل على ذلك هجرة الأرطاوية ونزول مطير عليها، وهجرة الغطغط ونزوح فرع برقا من قبيلة عتيبة إليها.

وتعد هجرة الأرطاوية أولى الهجر، وقد أنشئت حوالي عام 1911م وسكنها سعد بن مثيب من حرب، ثم وطن فيها فيصل الدويش وجماعته من مطير، وتقع الأرطاوية في نقطة إستراتيجية تتحكم في الطريق بين نجد والكويت، فمن يسيطر عليها يتحكم في الطريق التجاري الذي يمثل أهم مصدر لتموين نجد، خاصة من الكويت، نظرا للعلاقة التي كانت قائمة بين الأمير عبد العزيز والشيخ مبارك، وكان الأمير عبد العزيز يحرص على كسب ولاء قبيلة مطير وقد كانت مناوئة له قبل عام 1911م، ولذلك وطنها في الأرطاوية وكسب ولاءها، وهذا يعد أيضاً مكسباً حربياً لأن تحالف فيصل الدويش زعيم قبيلة مطير مع الأمير عبد العزيز يحد من خطر ابن رشيد. ويعيق اتصاله بالعثمانيين في الاحساء وبالعجمان أيضاً. مما يضعف خصوم الأمير عبد العزيز عسكريا. وبهذا فإن تأسيس هجرة الأرطاوية حقق عدة أغراض، منها تأمين الجبهة الشمالية بحليف قوي، وضمان سلامة اتصال الأمير عبد العزيز بالكويت واستمرارية ورود المؤن منها.

أما الهجرة الثانية فقد كانت الغطغط الواقعة غرب مدينة الرياض، وقد استوطنها عام 1915م سلطان بن حميد شيخ برقا الفرع الثاني من قبيلة عتيبة المشهورة بكثرة الفرسان. وموقعها من الناحية العسكرية يماثل موقع هجرة الأرطاوية. ونظراً لأهمية المنطقة من الناحية الاستراتيجية، شجع الأمير عبد العزيز عشائر برقا على الاستيطان فيها لتأمين الرياض بحليف قوي يحمي جهتها الغريبة من تهديدات أشراف الحجاز.

ونتيجة لإنشاء هاتين الهجرتين أمّن الأمير عبد العزيز عاصمته الرياض من الشمال ومن الغرب بموقعين استراتيجيين وبحليفين قويين. أما المنطقة الجنوبية للرياض فلم تكن مصدر تهديد متوقع مما أعطى الأمير عبد العزيز حرية الحركة والتفرغ لمنازلة خصومه.

وانتشرت الهجر في فترة وجيزة حتى أصبحت وكأنها ثكنات عسكرية تغطي معظم البلاد النجدية.

ومن المعلوم أن أول هجرة تأسست عام 1911م تقريبا وثانيهما استوطنت عام 1915م مما يوحي بأن تأسيس الهجر في البداية كان بطيئا، لكنها تكاثرت فيما بعد خلال عقد من الزمن تكاثرا بيناً، فالريحاني يذكر أن الهجر عام 1925م بلغت اثنتين وسبعين هجرة وبلغ عددها عام 1928م مائتي هجرة وفقا لرواية أم القرى الأولى. ولا تتوفر معلومات عن العدد بين عام 1927م وعام 1932م. وربما أن هذه الفترة كانت فترة ركود في إنشاء الهجر.

ويشدد الباحث العتيبي على أنه لا بد من التساؤل عن الأسباب التي أدت إلى تأسيس الهجر والزيادة فيها في الفترة الأولى، ثم عن أسباب الاضمحلال في الإنشاء أو أسباب التقلص فيما كان قائما في الفترة الثانية؟

وللإجابة عن التساؤل السابق، نقول إن الفترة الأولى كان الهدف الأساسي من إنشاء الهجر هو إيجاد حل للمشكلة التي واجهت الأمير عبد العزيز من إقامة جيش قوي. فأصبحت الهجر تفي بغرض الجيش ساعة النداء، وكان أهلها يزاولون أعمالهم العادية وقت السلم. فضلا عن أن الهجر أصبحت مراكز لتعليم سكانها العلوم الدينية وفقا للسبيل الذي انتهجته الدعوة السلفية، كما أن إنشاء الهجر قصد منه توطين البدو كخطوة أولى في عملية التحضر.

أما بالنسبة لأسباب التقلص في الفترة الثانية، فواضح أن التقلص كان في فترة أزمة ركود الاقتصاد العالمي وظروف الحرب العالمية الثانية، هذا بالإضافة إلى أن هناك سببا جوهريا محليا وهو ضعف الهجر والتهجير وتقلص دور الإخوان بعد معركة السبلة سنة 1347هـ التي وقعت بين الملك عبد العزيز وبعض سكان تلك الهجر، وما ترتب على نمو تشكيلات القوات النظامية من أخذ للدور القتالي من الإخوان سكان الهجر. ومما يلاحظ أن الهجر لم تسم بقبائلها وإنما سميت بأسماء المواقع الجغرافية مما ساعد على التخفيف من حدة التعصب القبلي، وبالتالي تراجع في نفوذ رؤساء القبائل.

ويبدو أن الدولة تغلبت على الصعاب بشأن الهجر، مما يفسر ظهور روايات مختلفة عن أعداد الهجر ابتداء من عام 1352هـ. وعلى الرغم من تباين الأرقام. إلا أن هذا التباين لا يفسر التفاوت الكبير في الأعداد التي وردت في هذا الروايات. والراجح أن العدد كان في حدود مائة وخمسين هجرة، هذا إذا ما رجح المرء روايتي أم القرى والزركلي لدقتهما. لأن أم القرى جريدة رسمية والزركلي كان من موظفي الدولة البارزين في هذه الفترة.

ومن غير المتوقع أن تكون الهجر نمت بهذه السرعة. خاصة أن فترة ما بعد عام 1344هـ تعتبر فترة ركود من حيث الهجر لانشغال الإخوان بالحروب في الحجاز، وعلى الحدود العراقية والأردنية، ثم إن النمو المتسارع للهجر كان في الفترة السابقة لهذه الفترة، وربما كان سبب هذا التباين في الأرقام دقة الحصر في الفترة الثانية نتيجة لحركة العصيان التي قام بها فريق من الإخوان سكان الهجر. ومن هنا أرادت الدولة حصر الهجر لمعرفة المناوئين لها من المؤيدين.

وبهذا يتضح أن عدد الهجر كان متزايدا في بداية الأمر، ومع تزايد عددها تزايد عدد المحاربين. فاستطاع الأمير عبد العزيز أن شكل من الإخوان سكان الهجر أكبر قوة عسكرية في جزيرة العرب. فكانوا خير معين له في تأسيس الدولة وتوحيدها، فقد بلغ عددهم عام 1344هـ /1925م ستة وسبعين ألفاً وخمسمائة (76.500) محارب، إذ خرج معه عندما تقدم إلى الحجاز ثلاثون لواء غير الخمسة عشر لواء التي سبقته وتمكنت من دخول مكة والتهيؤ لبدء حصار جدة. وبلغ عدد الألوية التي خرجت مع الملك عبد العزيز عام 1928م لمحاربة المنشقين من الإخوان مائة وثمانية عشر لواء، ويرجح جون حبيب أن عدد المقاتلين من هجر الإخوان بلغ مائة وخمسين ألف مقاتل.

وأثناء ثورة الأدارسة سنة 1932م أشار الملك عبد العزيز إلى أن قواته من الإخوان وغيرهم يبلغ تعدادها أربعمائة ألف مقاتل وفقاً لصحيفة أم القرى في عددها 434.

وخير ما يصور هذه القوة أنه قد خرجت مع الملك عبد العزيز سبعون راية من أهل الهجر في سنة 1928م لقتال المنشقين من الإخوان وهم بعض سكان الهجر بزعامة فيصل الدويش زعيم مطير وسلطان بن بجاد زعيم برقا من عتيبة، اللذين كانا يتزعمان قوة كبيرة من أهل الهجر الأخرى، وهذا العدد الضخم من المقاتلين من جيش الملك عبد العزيز يطلق عليه لفظ الإخوان. فما أساس هذا المسمى، وما تنظيمهم الحربي، وعدتهم، وإلى ماذا انتهى أمرهم؟.

قوة الإخوان وتنظيمهم الحربي

* الإخوان جمع لكلمة أخ في اللغة العربية، ولها عدة استعمالات لغوية أخرى، فهي تطلق على الصديق والصاحب وتستخدم لمناداة من لا يعرف اسمه، أما استعمالها الشائع في نجد فهو يعني الأخوة في الدين بصورة عامة.

ثم أصبح لها معنى اصطلاحي أطلق على البدو الذين هجروا حياة البداوة واستقروا في الهجر لدراسة العلوم الشرعية ويستجيبون للجهاد في سبيل الله متى جاءهم النداء، ويعملون في الزراعة في أوقات السلم حتى لا يكونوا عالة على الدولة، وميزوا أنفسهم عن الآخرين بقطعة من القماش الأبيض يلفونها على رؤوسهم تسمى «معم» وهي كفن أحدهم إذا مات يقول أحدهم: «كنا نجاهد مع عبد العزيز وعلى رؤوسنا المعم، وهو عبارة عن كفن إذا قتل أحدنا» وما زال المعم يلبسه كبار السن في بعض القرى حتى الآن.

وهكذا تشكل جيش الأمير عبد العزيز الذي أصبح مصدر رعب وخوف للأعداء حتى قيل: («الأخ يجمعك وإياه صلب أو بطن، أما الإخوان فهم الموت الأحمر والبلاء المنزل» أخو من طاع الله صبي التوحيد) ليس للخوف في قلوبهم سلطان. قوم عرفهم التاريخ العربي، مواقفهم أشهر من أن تذكر. ويرجع كل ذلك إلى الدفعة الروحية التي نتجت عن الحركة السلفية ومن تنظيمهم المتميز بالنسبة لسكان جزيرة العرب آنذاك.

ويقوم تنظيم استدعاء المحاربين من الإخوان على ركيزتين. الأولى تقدير العدد الذي يحتاجه الملك عبد العزيز لكل غزوة. والثانية توزيع العدد بين الهجر والقبائل التابعة له. وهذا التنظيم يعرف بالمغازي وهو ثلاث صور: بسيطة وقوية ونفير عام.

فالمغازي البسيطة هي أن يشارك عدد محدود من الرجال القادرين على حمل السلاح بكامل متلزماتهم من مواصلات وسلاح وذخيرة ومؤونة تكفي لمدة أربعة أشهر، وإذا زادت المدة عن ذلك أعطوا من بيت المال ما يكفي من الطعام والذخيرة. أما إذا كانت هناك حالة حربية تستدعي عددا كبيرا من المقاتلين فإن العدد المطلوب من المقاتلين يكون مثنى، مقاتلين اثنين لكل ذلول. وهذه هي المغازي القوية، أما النفير العام أو ما يسمى في عصرنا بالتعبئة العامة، فهو مشاركة جميع المقاتلين، وفي هذه الحالة يدعى للجهاد تسعة من كل عشرة ممن يقدر على حمل السلاح. وتتولى الدولة في الحالتين الأخيرتين تزويد المقاتلين بالسلاح وتأمين الذخيرة علاوة على ما يحضره المقاتلون معهم من سلاح.

ويتم استدعاء المقاتلين بواسطة خطابات يوجهها الملك عبد العزيز إلى رؤساء الهجر والعشائر التي يتقرر مشاركتها في الحرب، يقول أحد هؤلاء: «إذا طلب الملك المحاربين كانوا يأتون إلى الموعد. اللي على فرسه واللي على مطية أو ذلول معهم زادهم وسلاحهم». ويمتاز أهل الهجر بخفة الحركة وسرعة تلبية النداء، لأنهم جاهزون دائما للطوارئ، ومنهم قسم يدعى أهل الجهاد (حملة السلاح الرسمي)، وهم المرابطون في الرياض أو في القرى القريبة منها في أماكن معلومة يحظر عليهم مغادرتها إلا بإذن من الملك شخصيا، وهم بمثابة القوة العسكرية الجاهزة للطوارئ.

وبعد أن يحدد الملك عبد العزيز العدد المطلوب مشاركته من المقاتلين، يعين لهم المكان ويحدد الزمان الذي يقابلهم فيه، وبعد أن يشرح لقادتهم الخطة الحربية يعين على كل مجموعة قائدا، ويزودهم بنصائح وتعليمات منها: «....حاربوا من يحاربكم ووالوا من والاكم ولكن البيوت لا تدخلوها والنساء لا تدنوا منهن». وهو بذلك يترسم خطى السلف الصالح.

ويحيط الملك عبد العزيز خططه الحربية بالسرية التامة، ومثال ذلك: هجوم الإخوان المباغت على جيش الشريف حسين في تربة عام 1918م وتقدمهم عام 1924م إلى الطائف دون أن يشعر بهم أحد.

وكان يفضل خوض المعارك في فصل الشتاء لصعوبة إمدادات الماء في فصل الصيف. وللمعارك أربعة أوقات. تسمى كل معركة بوقتها الذي جرت فيه. ولهذا التوقيت أهميته، لأن عنصر المباغتة من أهم وسائل نجاح العمليات الحربية، وهذه الأوقات هي «الصباح» وهو الهجوم مع الفجر، و«الغارة» وهي اللقاء بين القوات المتحاربة في وضح النهار. و «الترواح» أو «المرواح» وهو المعركة التي تقع ما بين الزوال إلى غروب الشمس، و«الهجاد» وهو القتال الليلي.

تتكون عدة الإخوان بصورة أساسية من الخيل والابل والسيوف والخناجر والبنادق، وللبنادق عدة أسماء محلية أخذت من أنواعها وأشكالها وكمية الذخيرة التي تستخدم معها، ومن هذه الأسماء الغنمي وأم أصبع وأم خزنة وأم ركبة والعصملي وأم خمس والنيمس وأم سك وأم تاج.

إذا انتهت الحرب أو زالت الأسباب التي أدت إلى استدعاء المقاتلين، يجمع الملك عبد العزيز رؤساء الجند فيشكرهم على ما بذلوا من جهد إن كانت هناك معارك، ويوزع الغنائم أو يقدم التعويض للمقاتلين عن خسارتهم، أو يبين لهم الأسباب التي أنهت حالة الحرب، ومثال ذلك أنه بعد انتهاء الحرب في الحجاز استعرض الملك عبد العزيز الإخوان «كل طائفة يتقدمها أميرها حاملا سيفه ومن ورائه رهطه يمشون وبنادقهم على أكتافهم. وهم يسيرون بنظام مرتب.. «و» عندما يصل أمير الرهط أمام القصر ينادي بأعلى صوته كلمة التوحيد «لا إله إلا الله» فيجيبه رهطه مرددين بصوت تتجاوز أصداؤه بطن الوادي... وكان لمنظرهم بألبستهم البيضاء ووجوههم المتقدة بالحماس بهاء وروعة». وبعد العرض سمح الملك عبد العزيز لبعضهم بالعودة إلى مناطقهم، واحتفظ بمجموعات من قوات الإخوان لترابط في المدن الرئيسية في الحجاز، مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف. لحفظ النظام وتحسبا لأي تهديد. وقسمهم إلى خمس فرق، تتكون كل فرقة من أربع وعشرين سرية، وعدد أفراد السرية من (48) إلى (176) فردا.

يقول الملك عبد العزيز مفاخرا بقومه عامة وبالإخوان خاصة: «أنا مسلم عربي رأست قومي بعد مصاعب طويلة، ولا فخر في ذلك أسير الآن ورائي جيوش جرارة لا تقل عن أربعمائة ألف مقاتل. إن بكيت بكوا. وإن فرحت فرحوا، وإن أمرت نزلوا على إرادتي وأوامري. وإن نهيت انتهوا، هؤلاء هم جنود التوحيد، إخوان من أطاع الله، يقاتلون ويجاهدون في سبيل الله، لا يريدون من وراء ذلك إلا رضاء الباري، وإن هذه القوة موقوفة لتأييد الشريعة». ويقول في برقية موجهة إلى قادة الحملة التي تولت تأديب ابن رفادة عام 1351هـ. وفيها إشارة واضحة إلى كفاءة الإخوان العسكرية: «وعندكم الإخوان فيهم كفاءة وهم أحرص منا على عزيزة المسلمين، والأمر منوط بالله ثم بهم ورأيهم إن شاء الله فيه البركة».

وعندما استقرت الأوضاع، بعد انتهاء حروب توحيد المملكة، دخلت التنظيمات العسكرية في طور جديد يتناسب مع أطوار النمو في كافة المجالات، ألغيت تشكيلات فرق الإخوان، فألحق بعضها بالوحدات العسكرية النظامية وبالشرطة، وتكونت من بعضها نواة الهجانة التي تشكلت منها فيما بعد ألوية الجهاد، النواة الأولى للحرس الوطني، وهذا لا يعني اختفاء قوة الإخوان نهائيا وإنما استمر وجودهم بعد انشقاق فريق منهم في معركة السبلة عام 1347هـ، فقد شارك بعضهم في القضاء على ثورة الأدارسة وفتنة ابن رفادة عام 1932م وحرب اليمن عام 1934م واعترافا من الدولة بفضل الإخوان في توحيد المملكة خصصت لكبار السن منهم مرتبات سنوية، وهو ما يعرف «بالمناخ»، كما خصصت لأبنائهم من بعدهم مرتبات ثابتة في بيت المال، وهذه المخصصات قائم بعضها إلى وقتنا الحاضر فيما يعرف بعوائد المناخ، وهي تصرف عن طريق إدارة المقررات والقواعد التابعة لوزارة المالية.

الهجانة

* يجب التمييز بين الهجانة كقطاع عسكري له كيان إداري مستقل وتشكيلات وموازنة وقيادة واحدة تتبعها فروع في مناطق مختلفة تعمل بقاعدة التسلل الإداري وتأخذ التوجيه من القيادة الموحدة، وبين الهجانة كوحدات صغيرة ملحقة بجهاز آخر تؤدي خدمات إدارية أو أمنية وهي المتعارف عليه بين معظم سكان الجزيرة العربية، والدول المجاورة لها.

والهجانة كتنظيم عسكري قديم من أيام العثمانيين، فقد كانت لهم وحدات من الهجانة في معظم مناطق نفوذهم، وكانت وحدة الهجانة في الحجاز تقوم بالمهام الأمنية إلى جانب الوحدات العسكرية الأخرى، وورث الشريف حسين بعض تشكيلات الهجانة وأعاد تنظيمها، والهجانة التي أنشئت في عهد الملك عبد العزيز كقطاع عسكري بدئ تشكيله في الحجاز من بقايا وحدات سابقة مضاف إليها بعض من القوات التي بقيت في الحجاز بعد تسريح المقاتلين عقب انتهاء الحرب هناك وأعيد تنظيمها وتوحيد قيادتها ثم إلغيت بعد فترة، كل ذلك التشكيل والإلغاء، تم بأوامر ملكية، ولهذا فإن الهجانة مدار البحث قوة عسكرية تختلف عن غيرها من التشكيلات الصغرى الملحقة بإدارات أخرى.

أما الهجانة كوحدات صغيرة، ملحقة بإدارة فهي مجموعة من الجنود والموظفين اكتسبت هذا الاسم من وسيلة مواصلاتها وهي الهجن التي كانت تستخدمه عندما تؤدي مهامها الوظيفية، مثل: أعمال البريد والدوريات البرية التابعة للإمارات أو خفر السواحل التي تقوم باعمال الدورية في المناطق التي يصعب على السيارات اجتيازها، وهذا النوع من الهجانة، بقي إلى فترة قريبة يعمل في الامارات وسلاح الحدود وهو لا يرقى إلى مستوى قطاع عسكري.

والهجانة مزيج من التنظيم العسكري والتقاليد البدوية، فالتنظيم العسكري يتضح من مسميات الوظائف (جندي وعريف وضابط) والتشكيلات (فصيل وسرية)، أما التقاليد البدوية فتظهر في لباس أفراد الهجانة ومواصلاتهم (الهجن) وعدم انتظام التدريب العسكري.

وكانت وحدات الهجانة تقوم بمهام عسكرية، فقد شاركت وحدات منها بقيادة قائدها محمد بن سلطان في الحملتين اللتين تولتا اخماد فتنة ابن رفادة عام 1351هـ وثورة الأدريسي في العام نفسه، وإلى جانب المهام القتالية للهجانة فقد أوكل إليها معظم الخدمات الأمنية في الحجاز، وبخاصة في مناطق البادية وخارج المدن، وعلى الطرق المؤدية إليها، كما تقوم بجلب المطلوبين من البادية والبحث عن الهاربين، وتكافح التهريب، وذلك لأن تنظيم الهجانة أكثر ملاءمة لعادات المجتمع البدوي، وهذا ربما يفسر تفضيل الكثير من أبناء البادية الالتحاق بالهجانة من دون غيرها من القوات العسكرية، على الرغم من أن مرتبات الهجانة كانت نصف مرتبات القوات النظامية، وقد بلغ عدد أفراد الهجانة عام 1932م اثني عشر ألفاً وخمسمائة فرد ومائتين وخمسين ضابطا، وهذا الرقم يمثل أكثر من ثلث القوات العسكرية العاملة في تلك الفترة.

بدأت نواة تشكيل قوات الهجانة كقطاع عسكري عام 1344هـ مما ورثه السلطان عبد العزيز من تشكيلات سابقة مضيفا إليها بعضا من الفرق التي بقيت في الحجاز بعد تسريح المقاتلين عندما انتهت الحرب في الحجاز، ووزعت هذه الفرق على المدن الرئيسية في الحجاز، فخصص ألفان منها لمكة المكرمة، وقسمت الوحدات إلى سرايا (بلكات)، يتكون أفراد كل مجموعة من مدينة أو قبيلة واحدة، عليها رئيس منها.

ونص نظام الهجانة عام 1927م على أن ترابط وحدات منها في الأماكن التي تحدد لها، وعدم مبارحتها إلا بإذن من النيابة العامة، وكانت وحدات من الهجانة تشرف على مدافع ورشاشات قلعتي جياد وفلفل في مكة المكرمة.

وبعد ان تم تشكيل القوات النظامية والشرطة في مدن الحجاز الرئيسية، وزعت سرايا الهجانة على معظم قرى الساحل الغربي للمملكة، وربطت كل وحدة بالحاكم الإداري في المنطقة التي تعمل فيها، وإذا تم تعيين أمير على منطقة معينة فإنه يصطحب معه عددا من جنود الهجانة المتمركزين في مكة المكرمة أخويا للأمير.

بقيت قوات الهجانة من دون قيادة موحدة إلى أن صدر مرسوم توحيد القطاعات العسكرية عام 1930م، فوحدت جميع قطاعات عسكر الهجانة في المملكة تحت رئاسة قائد عام مقر قيادته في مكة المكرمة، ثم أعيد تشكيل الهجانة من ثماني وحدات (بلكات)، وعين السيد محمد ابن إبراهيم بن سلطان قائدا عاما لها في 10/1/1932م وتبعته مراكز الهجانة في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والطائف والوجه والعلا وأملج وتبوك والدوادمي وضبا والمويه، وألحقت به وحدة هجانة أبها التي تشكلت عام 1932م.

وبعد أن توسعت تشكيلات القوات النظامية والشرطة وخفر السواحل وباشرت هذه الأجهزة مهامها التي كانت الهجانة تقوم بجزء منها، قرر مجلس الوكلاء إلغاء تشكيلات الهجانة اعتبارا من نهاية صفر 1354هـ ووزعت وحداتها على القطاعات العسكرية، فألحق ستمائة هجان بالشرطة وأربعمائة ضموا إلى الجيش، وأضيف أربعمائة وسبعون خويا للأمراء في الملحقات، أما الباقون فأعيد تشكيلهم تحت مسمى ألوية الجهاد، وبذلك انتهت تشكيلات الهجانة.

المجاهدون

* كان في الديوان الملكي مكتب يدعى «مكتب أهل الجهاد» يقوم بتنظيم عمليات استدعاء المقاتلين، ويحدد أماكن وجودهم ونوع السلاح المسلم لهم، ولما تشكلت ألوية المجاهدين عام 1943م من بعض وحدات الهجانة التي ألغيت أوكل إلى مكتب أهل الجهاد الإشراف عليها، وأصبح اسمه «مكتب أهل الجهاد والمجاهدين» وبقي هذا المكتب على ارتباطه بالديوان الملكي الذي تولى الإشراف على شؤون المجاهدين وتوزيعهم، وصرف مرتباتهم، وتنظيم وحداتهم وترتيب وظائفهم وسجلات أسلحتهم، وتحولت فرق المجاهدين إلى قوة احتياطية تقوم بأعمال ثانوية مثل حراسة المنشأة خارج المدن وغيرها، نظرا لقيام تشكيلات الجيش والأمن العام بمباشرة معظم الأعمال القتالية والأمنية التي كانت فرق المجاهدين تقوم بها، فأسند إلى البعض منهم مهام الدوريات على الحدود والاشتراك في تنظيم أعمال الحج والعمل في مراكز الإمارات الفرعية وبقيت ألوية المجاهدين إلى ان تشكل الحرس الوطني عام 1954م فقد كانت نواته من ألوية المجاهدين وبقي جزء منهم يتبع مكتب أهل الجهاد الذي استمر على ارتباطه بالديوان الملكي إلى أن ألحق بوزارة الداخلية في 1/5/1383هـ تحت مسمى «إدارة المجاهدين العامة» وتقوم هذه الإدارة بالإشراف على ما بقي من المجاهدين في الإمارات والدوريات السرية.

القوات النظامية

* وتمثل مرحلة بناء القوات النظامية شكلاً متقدماً من أشكال بناء الجيش حيث دعا السلطان عبد العزيز أثناء حصار جدة الضباط والجنود المحاصرين إلى الانضمام إليه بعد أن أعطاهم الأمان، وكان يرسل من ينضم إليه منهم إلى مكة المكرمة، ويلحقوا بالشرطة مؤقتا، وبعد تسلم جدة في 22/12/1925م، بدأ بوضع الأسس لإنشاء القوات العسكرية، وكانت نواة تلك القوات من الضباط والجنود الذين دخلوا في خدمة الملك عبد العزيز بعد خروج الملك علي بن الحسين من جدة، فأوكل أمر توزيعهم إلى القائد عبد العزيز البغدادي مدير شرطة مكة المكرمة، وبعد انتهاء الحرب أعيد تشكيل وحدات عسكرية بأوامر ملكية، فوضع في كل من المدينة المنورة وينبع وجدة وحدتا مدفعية ورشاش، وفي الطائف حظيرتا مدفعية ورشاش.

أما في جدة فألحق بها بالإضافة إلى الوحدتين ضابط وجنود للبحرية وضابط أسلحة وضابط طيران، وربطت جميع هذه التشكيلات العسكرية بالملك عبد العزيز مباشرة.

وفي عام 1346هـ استقدم من سورية العقيد مراد الاختيار لوضع تشكيلات الدوائر العسكرية من شرطة وجيش، ثم خلفه العقيد حسن تحسين العسكري، الذي قام بوضع تشكيلات للشرطة والهجانة (الدرك) والمدفعية والرشاش وأسس وحدات عسكرية في مناطق مختلفة في الحجاز حسب الاحتياج وحسب الإمكانات المتاحة.

ولم تكن هناك إدارة مركزية تعنى بشؤون هذه الوحدات أو تنسيق أعمالها نتيجة لقلة عددها ولتفرقها في مدن الحجاز، فبقي قائد كل منطقة يراجع الملك عبد العزيز مباشرة ومنه يتلقى التوجيه، ومع نمو التشكيلات العسكرية تطلب الأمر توحيدها وربطها بإدارة واحدة تتولى تنسيق أعمالها فأسست مديرية الأمور العسكرية.

مديرية الأمور العسكرية

* عرفت التعليمات الأساسية الأمور العسكرية بأنها «مجموع التشكيلات التي تحفظ للمملكة قوتها ومكانتها داخلا وخارجا.. (و) تجري وظائف الأمور العسكرية وكافة ما يتفرع منها من قبل صاحب الجلالة». وواضح من هذا التعريف أن الأمور العسكرية في تلك الفترة كانت تعني القوات التي تعمل لحماية البلاد من التهديد الخارجي، وتلك التي تعمل لحماية الأمن الداخلي، وهذا يعكس اهتمام الملك عبد العزيز ببناء القوة العسكرية على أسس حديثة.

وكانت نتائج حروب الإخوان في الحدود مع العراق وشرق الأردن من الدروس التي استوعبها الملك وجعلته يجد في بناء قوته العسكرية، فقد رأى كيف أن القوة البريطانية من السيارات المسلحة بالرشاشة والطيران الحربي استطاعت أن تخرج الإخوان من العراق ومن شرق الأردن بأسرع وقت ومن دون أن تلحقها خسائر مادية تذكر، وعليه بدأ يفكر جادا في بناء القوتين البرية والجوية مستفيدا من مخترعات الحرب الحديثة، وقد لمس الأثر الايجابي لاستخدام الأسلحة الرشاشة في معركة السبلة عام 1928م، إذ استطاع فصيل من رماة الرشاش أن يحسم المعركة في بضع دقائق، فكانت تجربة مفيدة للاسراع في بناء جيش نظامي، لأن معركة السبلة كشفت عن انقسام ولاء الإخوان، فعندما أعلن فيصل الدويش وسلطان بن بجاد العصيان على الملك عبد العزيز انحاز إليهما بعض من أبناء القبائل التابعة أو الموالية لهما، بينما ناصرت الغالبية الأخرى الملك عبد العزيز، وعندئذ تنبه الملك إلى ضرورة إعادة تنظيم الوحدات العسكرية التي تشكلت نواتها عام 1344هـ ويكون منها جيش نظامي يكون ولاؤه للدولة قبل الولاء القبلي أو الإقليمي، وبمجرد أن عاد الملك إلى الحجاز أمر باحداث مديرية الأمور العسكرية عام 1929م لتشرف على تلك الوحدات واستقدم من سورية لإدارتها بك العظمة ومعه فوزي القاوقجي مساعدا.

وصدر مرسوم ملكي في 30/6/1930م بتوحيد جميع الدوائر العسكرية تحت رئاسة قائد عام مركزه في مكة المكرمة، وفي العام نفسه صدر مرسوم ملكي بتعيين حمدي بك الياور مديرا مؤقتا لمديرية الأمور العسكرية بالوكالة، وطلب منه أن يضع تقريرا يعين فيه التشكيلات التي يقتضي الأمر تشكيلها للتنظيمات العسكرية، ويقدم ميزانية لها، ويعين مناطق الجنود والأماكن التي توجد فيها القطاعات على أن يكون الإشراف على الجنود جميعا من اختصاصه، ومن أهم التنظيمات التي أنجزتها مديرية الأمور العسكرية ما يلي:

أولاً: توحيد رواتب الضباط والأفراد في جميع الوحدات العسكرية، وكانت قبل تتفاوت ما بين منطقة وأخرى.

ثانياً: تشكيل ثلاث شعب، الأولى للشؤون الإدارية، والثانية للتموين والتسليح والثالثة للتدريب، كما تم ربط جميع التشكيلات العسكرية في كل من المدينة المنورة وجدة وينبع والطائف بمديرية الأمور العسكرية.

ثالثاً: إحداث إدارة للخدمات الطبية.

رابعاً: إلحاق من يصلح للخدمة العسكرية وتتوفر لديه الرغبة من الإخوان بالتشكيلات العسكرية.

خامساً: إعداد موازنات الوحدات العسكرية والإشراف على صرفها.

ثم صدرت أول ميزانية موحدة للأمور العسكرية عام 1933م، وكانت قبل ذلك تقوم كل وحدة بإعداد موازنتها وتصديقها من الملك مباشرة، ومن هذا يتضح أن مديرية الأمور العسكرية وضعت القاعدة الأساسية لبناء القوات العسكرية في مدة لم تتجاوز الثلاث سنوات (1929 ـ 1931م).

ولما توسعت التشكيلات العسكرية أعيد تنظيم مديرية الأمور العسكرية عام 1933م، فأصبح تشكيلها يتكون من مدير ومعاون ومحافظ للطائرات ودائرة محاسبة وإدارة للشؤون الدينية وورشة عسكرية ووحدات للرشاش والمدفعية ومفارز عسكرية في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف وجدة وينبع والوجه وضبا وتبوك والجوف والعلا والقنفذة وأبها وجيزان، كما شكلت محافظة طائرات ووجدة بحرية في جدة ووحدات للسيارات المسلحة في كل من تبوك والجوف وجيزان، وكانت مهام مفارز الحدود أمنية أكثر منها حربية، وفي 16/8/1924م عين العميد حسن تحسين العسكري مديرا للأمور العسكرية بالوكالة بدلا من حمدي بك الذي نقل مرافقا للنائب العام.

ومع توسع التشكيلات أصبح الجيش الموظف الرئيسي لأبناء البادية الذين كانت تغلب عليهم الأمية ولا تقبلهم الدوائر الحكومية ذات الأعمال الإدارية، فارتفع عدد أفراد الجيش واتسعت فروعه وتطلب الأمر إحداث تشكيلات تستوعب تلك الجموع، وتواكب مسيرة التطوير فكانت الخطوة الثانية في بناء القوات النظامية، وهي تأسيس وكالة الدفاع التي تشكلت بالأمر الملكي في 16/8/1934م الموجه للنائب العام، وبمقتضاه عين عبد الله السليمان الحمدان وكيلا لها، والعميد حسن تحسين العسكري مساعدا للوكيل، بالإضافة إلى عمله المناط به مديرا للأمور العسكرية، وربطت وكالة الدفاع بوزير المالية شخصيا. ومن أبرز التنظيمات التي أنجزتها وكالة الدفاع: إعادة تشكيل الوحدات وإعطاؤها أسماء تبين ملامح مهامها وطبيعة تكوينها، فسمي رهط الرشاش بسلاح المشاة ورهط المدفعية بسلاح المدفعية والخيالة بالفرسان وقننت مدة الخدمة الفعلية للأفراد بثلاث سنوات بدلا من سنتين، ونظرا لعدم ملاءمة جو جدة ومكة المكرمة للتدريب العسكري تقرر بناء مراكز للتدريب في الطائف لاعتدال جوها ووجود الجبال التي تصلح مخابئ للأسلحة والذخيرة، ولتجميع القوات في منطقة واحدة، فانتقلت إليها في عام 1354هـ وكالة الدفاع والوحدات التي يعاد إخضاعها للتدريب والمجندين، وبدأت مدارس الجيش تؤسس في مدينة الطائف حسب الاحتياج وكان أهمها المدرسة العسكرية.

رئاسة الأركان

* لما توسعت أعمال وكالة الدفاع، أصبح من الضروري إيجاد قائد يتولى الإشراف والتنسيق بين شعب ووحدات الوكالة، أنشئت رئاسة الأركان عام 1358هـ لتحل محل الإدارة العسكرية (أي الشعبة الأولى)، وأسندت رئاستها للمقدم محمد طارق الأفريقي، أول رئيس لأركان الجيش العربي السعودي، وكان يتصف بالحزم والنشاط مما أهله لإتمام أعمال كبيرة، منها تنظيم الدورات العسكرية، والتوسع في أعمال التدريب، وتشكيل فرقة مدرعات ألحقت بالحرس الملكي بالرياض، ووحدة الفرسان الأولى، ووحدات للسيارات المسلحة، وإعادة فتح المدرسة العسكرية بعد أن استقدم لها مدربين من سورية. وتوحيد الزي العسكري، ثم أعفي من منصبه في أواخر عام 1360هـ. ويبدو أن شدته في الأوامر العسكرية التي لم ترض أبناء البادية وراء إعفائه من الخدمة، وخلفه في رئاسة الأركان بالوكالة المقدم جعفر الطيار، ولما توفي عام 1362هـ خلفه العقيد محسن الحارثي بالوكالة اعتبارا من 7/3/1944م ولظروف تنظيمية وإدارية منها هيمنة وكيل وزارة الدفاع آنذاك على الشؤون العسكرية مباشرة، بعد أن أصبح المسؤول الثاني بعد الأمير مشعل بن عبد العزيز، ضعفت رئاسة الأركان، ثم تجمد نشاطها حتى عام 1379هـ عندما صدر أمر ملكي بإعادة تشكيلها، وتعيين اللواء إبراهيم الطاسان رئيسا لأركان حرب الجيش.

ويمكن القول إن بناء الجيش السعودي كان يسير بخطوات ثابتة ومتقنة أدت إلى اكتمال مقوماته الأساسية، من مراكز للتدريب ووحدات ميدانية نشرت في معظم مناطق المملكة، فتطلب الأمر رفع مستوى جهاز الإشراف الإداري فتأسست وزارة الدفاع عام 1943م.