«درب 1718».. مركز ثقافي يحيي تراث الحرف في «مصر القديمة»

انطلق قبل نحو سنتين.. وشعاره «دمج الفن بهوية المكان»

البساطة والطابع التقليدي سمة تميز ورش الفن بمنطقة الفسطاط («الشرق الأوسط»)
TT

في منطقة الفسطاط، حيث العبق التراثي العتيق في القاهرة القديمة - أو «مصر القديمة» - يقع «درب 1718»، أحد أحدث المراكز الثقافية في العاصمة المصرية التي تهتم بالفنون بشكل عام، وبالفن المعاصر بشكل خاص.

ومن ميزات هذه المنطقة أنها تتداخل فيها وتتقاطع دروب كثيرة لثقافات وحضارات مختلفة. فهنا يتجاور مسجد عمرو بن العاص، أول مسجد يشيد في مصر وأفريقيا، مع «الكنيسة المعلقة» بكل ما تمثله من قيمة وتاريخ، تحيط بهما ورش الحرفيين البسطاء الذين استطاع المركز أن يكون جزءا منهم، وأن يجعلهم جزءا منه، وبذا امتزج الأصيل مع المعاصر في مشهد ثقافي متميز.

للوهلة الأولى يلفت نظرك المكان بتصميمه التقليدي البسيط، المتآلف جدا مع كل العناصر المحيطة. وتُدهش حين تكتشف أن التصميم التقليدي هو بؤرة لنشر كل ما هو معاصر وحديث من اتجاهات الفن، وفي نهاية المطاف تسفر اللوحة ككل عن تجربة فريدة.

للتعرف عن كثب على طبيعة المركز ونشاطاته، تشير داليا كابش، مسؤولة العلاقات العامة للمركز، شارحة: «صاحب الفكرة في إنشاء المكان، الفنان التشكيلي المصري معتز نصر الدين. وهو ناشط ثقافي كان له مرسمه في المنطقة قبل ذلك، بجوار ورش الحرفيين، وهذا ما أوحى له بفكرة إنشاء (درب 1718) في وسط هذه الورش، ليكون جزءا من المكان، فهم لا يزالون موجودين في المنطقة حول المركز في ورش الفخار والسيراميك والزجاج والورق.. وهذه المناطق بشكل عام بحاجة إلى مراكز ثقافية». وأضافت: «بالفعل، جرى تنفيذ المشروع التابع لـ)جمعية مصر للإبداع)، وهي منظمة غير هادفة للربح، بتمويل إيطالي. وافتتح المشروع في أكتوبر (تشرين الثاني) 2008، أما الغاية منه فدعم وتشجيع ازدهار الفن المعاصر في مصر».

وأردفت داليا: «إن إنشاء المركز في هذا المكان يسد احتياج منطقة مصر القديمة الشديد للمراكز الثقافية، ذلك أن معظمها يتركز في وسط القاهرة وفى الأماكن الراقية عموما، لكن هناك مناطق كثيرة داخل القاهرة في حاجة ماسة لوجود مثل هذه الأنشطة والمراكز، وقد نجح (درب 1718) حقا في أن يكون جزءا من المكان، وأن يكون المكان جزءا منه. فهو مصمم على الطابع التقليدي للمنطقة لكي يتآلف معها، ويكون جزءا لا يتجزأ منها؛ لأن أي طابع معماري حديث سيتنافر مع طبيعة المنطقة التقليدية».

وحول اختيار اسم المركز، أوضحت داليا أن اختيار الاسم «جاء ليعكس فكرة أن المكان لكل الآراء والاتجاهات، فكلمة (درب) تعنى (طريق)، ورقما 17 و18 هما انعكاس بعضهما لبعض، مما يعطي في النهاية معنى أنه الطريق للرأي والرأي الآخر، أو الشيء ونقيضه في الوقت نفسه، والمعنى المقصود هو عرض كل اتجاهات الفنون بشفافية وموضوعية».

وعن الهدف أو الغاية المباشرة من «درب 1718»، ذكرت أن «الهدف الأساسي هو أن يكون المركز أساسا للتغيير الإيجابي وسط الساحة الثقافية في القاهرة، ومهمته بكل بساطة تتمثل في أن يكون بمثابة دفعة للمضي قدما في حركة الفن المعاصر في مصر، وطبعا الانخراط مع الفئات الاجتماعية والثقافية المختلفة في مجتمع الفسطاط، وهو أهم مجتمع فني في مصر. ومن أولويات أنشطة المركز وأهدافه السعي لإقامة تنظيم معارض فنية متميزة لفنانين مصريين وعرب وأجانب كل شهر، وعمل ورش عمل لتعليم الفن، وإقامة دورات تدريب يحاضر فيها نخبة من هؤلاء الفنانين على مدار السنة، بحيث تشمل فنون التصوير والتصميم والكتابة الإبداعية لشباب الفنانين، وتوفير فرص للوجود أو الحضور الدولي والتبادل الثقافي، إلى جانب تنفيذ البرامج التنموية التي تشمل حلقات العمل والمناقشات والأفلام وغيرها من المبادرات التعليمية».

هذا الطموح يبرز، في الواقع، على نحو لافت في تنوع جمهور المركز. فهناك المثقفون والفنانون التشكيليون والمهتمون بالفن. وفي المقابل، هناك طلبة الكليات والمعاهد الفنية وأيضا الهواة، بالإضافة إلى أهالي منطقة مصر القديمة والأماكن المحيطة بها. والملاحظ أيضا أن المركز يستقطب حاليا نسبة عالية من الأجانب المقيمين في القاهرة، وكذلك السياح الأجانب.

وتختتم داليا كابش، كلامها بالقول: «مشروع (درب 1718) ما زال في بداية مسيرته، لكن مع ذلك يمكننا أن نقول إننا تمكنا من تحقيق أهداف كثيرة من أهدافنا بالفعل. فعلى مدار سنة ونصف السنة أقيم أكثر من 14 معرضا جماعيا ضمت أعمال كثير من الفنانين المصريين وفنانين من جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى تنظيم مجموعة من ورش العمل والدورات والندوات وعروض الأفلام التي تقام بشكل دوري. وحاليا يقدم المركز ورش عمل في مجالات حديثة، مثل تصميم الأزياء والموضة، ولقد نجح المركز في دفع سكان المنطقة إلى الاهتمام بالفن ومحاولة التواصل معه. وهذا، بلا شك، الدور الأكبر الذي نسعى إليه من خلال نشر الثقافة، والوعي بالدور المهم الذي يلعبه الفن».