«الثرود».. فخر مطبخ مدينة دير الزور السورية

طبق رأسماله البامية واللحم والأرز والخبز

TT

إذا كان المطبخ السوري يعتمد بشكل رئيسي على الأكلات الحلبية والدمشقية التي تشتهر بالتنوع والغنى في مفردات الطبخ والطعام بمذاقه اللذيذ، فإن مدنا ومناطق سورية كثيرة تشتهر هي الأخرى بأكلات معينة تتوارثها الأجيال منذ عقود ومنها «ثرود البامية» التي تشتهر بها مدينة دير الزور في أقصى شرق سورية، حيث يفتخر سكانها بأنهم قدموا للمطبخ السوري هذه الوجبة الرئيسية التي تحتاج لوقت طويل وجهد كبير في تحضيرها ولمواد غذائية أولية متعددة ومرتفعة الثمن. لكن، وكما تقول سعاد (أم ياسين) وهي ربة منزل من دير الزور، تهتم كثير بعض ربات البيوت، وهي منهن، بتحضير المأكولات لأسرهن خاصة تلك الأكلات التراثية وصعبة التحضير, وتقول سعاد مبتسمة «المذاق اللذيذ للثرود ينسينا تعب إعداد هذا الطبق وتحضيره، فهو من الأكلات التي نحرص في دير الزور على المحافظة عليها وإدخالها حتى في مفردات التراث الديري وفي الموائد الكبيرة، ويطلق عليه الكثيرون (المنسف الديري) تمييزا له عن المنسف الذي تشتهر بإعداده البادية السورية، ولوجود مواده الأولية بشكل وفير في دير الزور فلا توجد مشكلة في تحضيره بشكل دائم على موائد الديريين، فهو يحتاج بشكل أساسي إلى البامية التي يجب أن تتميز بمواصفات معينة، وبشكل رئيسي أن تكون من النوع كبير الحجم حيث لا يصلح للثرود النوع الصغير الذي يطبخه أهالي الشام وحلب بالبندورة الطازجة أو بدبس البندورة ويقدمونه مع الأرز بشعيرية على مائدة الغداء، فالبامية الخاصة بالثرود يطلق عليها الباعة في أسواق الخضار اسم (البامية الديرية) بحيث يصل طول قرنها الواحد لأكثر من 7 سم، كما أنها تتميز بغلاظتها وقطرها الواسع بحيث تبدو منتفخة من مختلف جوانبها بعكس البامية الصغيرة التي تبدو نحيفة وطولها لا يتجاوز الثلاث سنتيمترات». كما أن الثرود ـ تضيف أم ياسين ـ «يحتاج إلى كمية كبيرة من لحم الضأن البلدي (لحم خروف العواس) الذي تشتهر به البادية وريف دير الزور، ويتميز بلحمه الطري حيث يحتاج الثرود لقطع لحم كبيرة نوعا ما والمسمى رأس العصفور، لذلك يشترط فيه أن يكون طريا طازجا وليس من اللحم المثلج الذي يباع مغلفا وينتشر حاليا في الأسواق، فهذا لا يصلح للثرود، وحتى إذا استخدم فلن يعطي المذاق والنكهة المعروفة للثرود كما هو حال لحم العواس البلدي. ومن المواد الأولية في تحضير الثرود قطع الخبز (المقمر) الذي يحضر بطريقة خاصة من خلال تعريضه للنار قليلا ليعطي نكهة مميزة مع الثرود».

أما طريقة تحضير ثرود البامية فتشرحها أم ياسين لـ«الشرق الأوسط» وبشكل مفصل قائلة «بعد شراء البامية من السوق تغسل بالماء وتزال عنها الأقماع (الطرف العلوي القاسي من قرن البامية) وبعد ذلك تقلى بالسمن البلدي لفترة زمنية قليلة بحيث تقلى (نصف قلية فقط) وتوضع جانبا لتحضر بعدها قطع اللحم الكبيرة بحيث يتم سلقها حتى تنضج جيدا، بعد ذلك نعود للبامية لتوضع مع قطع البندورة الناعمة الطازجة أو مع مرق عصير البندورة وتطبخ على موقد ناره هادئة لكي تنضج بشكل جيد وحتى لا تتعرض للاحتراق فلا يعود مذاقها لذيذا، بعد ذلك يتم جلب الخبز المقطع إلى مربعات أو مستطيلات (كان يستخدم في السابق خبز التنور أو خبز الصاج) ويقلى بالزيت النباتي أو بالسمن البلدي ويصفى ويوضع على شكل طبقتين واحدة في أسفل الطبق وتوضع فوقها البامية المطهية مع مرق البندورة واللحم المسلوق، وفوقها توضع طبقة ثانية من قطع الخبز المقلية، وتضاف لها البهارات المتنوعة مثل جوز الطيب والكزبرة الخضراء أو اليابسة والفلفل الأسود، مع بعض فصوص الثوم المقلية، والبعض يضيف لها حبات الصنوبر كنوع من الزينة ولزيادة المذاق اللذيذ للطعام، ليصبح بعد ذلك الثرود جاهزا، وليقدم على مائدة الغداء حيث يؤكل وحده أو مع طبق من الأرز المطهي بالسمن البلدي والشعيرية ولحم الشقف، ويمكن أن يستبدل باللحم الأحمر لحم الدجاج الأبيض وذلك حسب رغبات المتذوقين وما يحبونه في الثريد».

ولمحبة الديريين لأكلة الثرود (ولشهرتهم بالكرم الذي يتميزون به واهتمامهم بالضيف) فإنهم يتنافسون على تقديمها للضيوف بالطريقة التقليدية المعروفة وبالأحجام الكبيرة، حتى إن البعض منهم فكر في إنجاز أكبر طبق منها يمكن أن يدخل موسوعة غينيس العالمية، كما يتنافس أصحاب المضافات في دير الزور والقرى المجاورة على أن تكون الثرود الوجبة الرئيسية في المناسبات، ففي إحدى المناسبات الاجتماعية قبل أشهر تم إعداد وجبة ثرود لألف شخص تم دعوتهم من مختلف مناطق دير الزور تجمعوا على 300 منسف من الثرود احتاجت في إعدادها كميات كبيرة من دقيق القمح والرز ولحم الغنم (نحو 80 رأس غنم عواس و600 كلغم من الدقيق لإعداد الخبز و2000 كلغم من الأرز، بحيث بلغت تكلفتها نحو 750 ألف ليرة سورية – ما يعادل 15 ألف دولار أميركي). كما يحرص الديريون على تقديم الثرود في الأعراس التي تتميز بتقاليدها الشعبية المحلية، ومنها إعداد المناسف في يوم الزفة من قبل أهل العريس بحيث تقدم لجميع الحاضرين. ويؤكد الكثير من المهتمين بالتراث والعادات في دير الزور أن ثرود البامية من الأكلات الشعبية القديمة، فهي طعام الأجداد والآباء، ورغم عدم اهتمام الجيل الجديد بتحضيرها لما تأخذه من وقت وجهد واعتمادهم على المأكولات الجاهزة فإن النساء الكبيرات في السن ما زلن يحضرنها كطبق رئيسي على الغداء، ويؤكد هؤلاء أنها من الوجبات التي لا تتميز فقط بمذاقها اللذيذ بل بفوائدها الغذائية والصحية الكثيرة، فهي تجمع ما بين الغذاء النباتي والحيواني حيث تنتمي البامية للبقوليات وما تتضمنه من بروتينات نباتية وألياف مفيدة للإنسان وللجهاز الهضمي، والبندورة المعروفة بغناها بالفيتامينات والمواد اللازمة للجسم البشري، وهناك اللحم الأحمر الغني بالبروتينات الحيوانية، إضافة للنشويات من خلال الخبز والأرز فهي - كما يلخصها المهتمون - وجبة غذائية متكاملة.