الداعية الهندي ذاكر عبد الكريم تثير نشاطاته الدعوية جدلا في الهند

اسمه ضمن قائمة أبرز 10 زعماء روحانيين في البلاد ومنعت بريطانيا دخوله بتهمة الترويج للفكر الإرهابي

الداعية الإسلامي الهندي ذاكر عبد الكريم («الشرق الأوسط»)
TT

ألغت الحكومة البريطانية مؤخرا التأشيرة الخاصة برجل دين هندي مسلم، يدعى ذاكر عبد الكريم نايك ومنعته من دخول البلاد بدعوى انتهاجه «سلوكا غير مقبول»، قبل يوم واحد من سفره جوا إلى المملكة المتحدة لإلقاء سلسلة من المحاضرات في مدرجات بويمبلي وشيفيلد. أصدرت وزارة الداخلية البريطانية أمر استثناء بحق ذاكر من دخول بريطانيا، متهمة إياه بالترويج للفكر الإرهابي.

وحظرت تيريزا ماي الوزيرة البريطانية دخول ذاكر البلاد، معلنة أنه لن يسمح له بدخول المملكة المتحدة، طبقا لقوانين تتيح استثناء دخول أي شخص يكتب أو ينشر مواد بإمكانها «تأجيج أو تبرير أو تبجيل العنف الإرهابي». وقالت: «إن دخول المملكة المتحدة فضل وليس حقا، وأنا لست على استعداد للسماح لأولئك الذين قد لا يخدمون الصالح العام بدخول المملكة المتحدة».

كانت مقاطع مصورة موجودة على شبكة الإنترنت قد أظهرت الداعية ذاكر وهو يدلي بتعليقات مثل: إن «على كل مسلم التحول إلى الإرهاب»، وإن اليهود «ألد أعدائنا»، الأمر الذي جعل ذاكر من الشخصيات المثيرة للجدل. كما نقلت تقارير عن ذاكر قوله «إن النساء يجعلن أنفسهن أكثر عرضة للاغتصاب» بارتدائهن ملابس كاشفة. إلا أن ذاكر سبق له زيارة المملكة المتحدة عدة مرات من قبل، وتمت الموافقة على جولته التي كان من المقرر أن يلقي فيها عدة محاضرات من دون مشكلات. من ناحيتها، حذت كندا، التي كان من المقرر أن يتجه إليها ذاكر قادما من بريطانيا، حذو الأخيرة وألغت التأشيرة الصادرة له.

وسعت «الشرق الأوسط» إلى التعرف على حقيقة الرجل، وما الذي يثير هذا الجدال حوله، خاصة أن له ملايين المعجبين في أوساط المسلمين المعتدلين، ويعد أحد أبرز الدعاة المسلمين.

ولد ذاكر في مومباي، وبدأ حياته المهنية كطبيب، قبل أن ينتقل إلى العمل كداعية ديني. وقد حصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة مومباي. ويعد ذاكر مؤسس ورئيس «المؤسسة البحثية الإسلامية»، وهي منظمة غير هادفة للربح. وتملك المنظمة قناة «بيس تي في» العالمية التي تقدم خدماتها مجانا.

من ناحية أخرى، صدر قرار لندن في أعقاب تقرير أوردته صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية ذكرت خلاله أن «داعية الكراهية سيسمح له بدخول بريطانيا». ووصفت حالة ذاكر بأنها أول اختبار حقيقي للتعهد الذي أطلقه المحافظون أثناء الحملة الانتخابية بالإبقاء على العناصر الراديكالية خارج البلاد، نظرا لأن ذاكر يعد إسلاميا يكن كراهية للنساء ويناصر الإرهاب. في المقابل، أبدى ذاكر وأنصاره صدمة بالغة حيال هذه الاتهامات، ملقين اللوم على دوافع سياسية وكراهية الإسلام وشرعوا في إجراءات قانونية للطعن على قرار منع ذاكر دخول المملكة المتحدة أمام محكمة بريطانية عليا.

الملاحظ أن ذاكر هو الداعية الوحيد في هذا الجزء من العالم الذي يلقي خطبه باللغة الإنجليزية ويرتدي بزة ورابطة عنق ويتناول الخوف الذي أصاب قطاعات من المسلمين تفتقر إلى معرفة مناسبة بأمور دينها وشعرت بتعرضها للحصار خلال العقد الماضي.

ويتمتع ذاكر بالقدرة على الاستشهاد بالقرآن والنصوص الهندية والإنجيل من دون صعوبة تذكر. وعلق على هذا الأمر بالإنجليزية التي يعترف بأنها الأكثر يسرا بالنسبة له بقوله: «تلك هبة من الله القدير». وكان من شأن ذلك جعله أكثر الدعاة المسلمين عالميا الذين يسعى الناس للإنصات له.

جاءت رحلة ذاكر الإيمانية في مرحلة متأخرة نسبيا من حياته. وكان يعمل طبيبا عندما قرر التخلي عن هذه المهنة بعد استئذانه والده الذي كان يعمل طبيبا أيضا. وربما تكون مهنته كطبيب هي السبب وراء تأكيده أن بإمكانه التدليل علميا على وجود الله.

كان حضوره مصادفة لخطاب ألقاه الداعية الجنوب أفريقي أحمد ديدات في مومباي عام 1987 هو مصدر إلهامه، وسرعان ما شرع ذاكر في حفظ القرآن. ومثل ديدات، اعتمد ذاكر على الإنجليزية للتواصل مع الجماهير، ولا تزال الصورة التي رسمها لنفسه منذ بداية عمله الدعوي حتى اليوم شبيهة بالنمط المميز لديدات، حيث يحرص على المشاركة في حوارات الأديان عبر وسائل الإعلام، والآن عبر شبكة الإنترنت، سعيا لنشر رسالته.

وطبقا لما صرح به ذاكر، فإن هدفه يتمثل في «التركيز على الشباب المسلم المتعلم الذي بات يتخذ موقف الدفاع في الحديث عن دينه». ويرى ذاكر أنه من واجب كل مسلم محاربة الأفكار الخاطئة عن الإسلام التي يعتبرها نتاجا للتحيز الإعلامي الغربي ضد الإسلام في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 الإرهابية ضد الولايات المتحدة الأميركية.

من جهته، علق البروفسور أختارول واسي، رئيس شؤون الدراسات الإسلامية في جامعة جاميا ميليا إسلامية بقوله: «من المؤكد أنه يحظى بشعبية كبيرة بين قطاع من الناس نظرا لأسلوبه القائم على الجدل والمناظرة وظهوره بصورة المدافع عن دينه، الساعي لإثبات سمو هذا الدين عن باقي الأديان».

وتأتي قوة ذاكر من لهجته الخطابية القوية وقدرته على الاستشهاد المستمر بالقرآن للتدليل على وجهات نظره. كما يتميز ذاكر بطلاقته في الحديث بالإنجليزية والعربية بدرجة تفوق قدرته على التحدث بالهندية أو الأردو، بجانب معرفته العميقة بعلم مقارنة الأديان وعشقه المجادلة الحسنة. وتجتمع هذه العوامل كلها لتخلق شخصية غامضة تتعارض مع صورة «الملا المخبول» الذي يفيض بالكراهية على الولايات المتحدة الأميركية التي تعشق قطاعات واسعة من العالم الإسلامي صب الكراهية عليها.

من ناحية أخرى، أشارت تقارير إعلامية إلى أن ثلاثة من الإرهابيين المشتبه فيهم البارزين، نجيب الله زازي، الأفغاني/ الأميركي الذي ألقي القبض عليه العام الماضي لتخطيطه نسف مترو نيويورك، ودكتور كفيل أحمد، من بنغالور، الذي اقتحم مطار غلاسغو بسيارة تعج بالمتفجرات، وراحيل شيخ، من مومباي، الذي ألقي القبض عليه على خلفية سلسلة تفجيرات قطارات وقعت في 11 يوليو (تموز) 2006، كانوا من معجبي خطب ذاكر. وعلى الرغم من إعلان وكالات أمنية عدم وجود صلة بين ذاكر وهؤلاء المتهمين أو أي نشاط مريب آخر، فإنه لا يزال يخضع لمراقبة وثيقة بسبب تصريحاته «الاستفزازية».

من جانبه، أعرب توماس بلوم، عالم الأنثروبولوجيا، عن اعتقاده أن حفظ ذاكر للقرآن والأحاديث بلغات متنوعة ونشاطاته الدعوية أكسبته شعبية بالغة في الدوائر المسلمة وغير المسلمة في الهند. ويجري تسجيل وتوزيع الكثير من خطبه ونقاشاته على نطاق واسع في صورة أسطوانات فيديو رقمية وعبر شبكة الإنترنت. وعادة ما تسجل خطبه بالإنجليزية لتذاع في عطلة نهاية الأسبوع، عبر كثير من محطات الكيبل في الضواحي المسلمة بمومباي، وقناة «بيس تي في» التي يسهم في الدعاية لها. وتتضمن القضايا التي يتناولها «الإسلام والعلم الحديث» و«الإسلام والمسيحية» و«الإسلام والعلمانية».

وقد أوردت صحيفة هندية قائمة بأبرز «عشرة زعماء روحانيين في الهند»، احتل ذاكر فيها المرتبة الثالثة، وكان المسلم الوحيد في القائمة. يذكر أن ذاكر عقد الكثير من المناظرات وأدلى بكثير من المحاضرات في مختلف أرجاء العالم. في نوفمبر (تشرين الثاني) 2002، ألقى محاضرة بعنوان «لماذا يعتنق الغربيون الإسلام» في قاعة مؤتمرات ملحقة بمستشفى الملك فهد في جدة. خلال المحاضرة، أشار ذاكر إلى أن الإسلام يطرح حلولا عملية للكثير من المشكلات التي تجابه الغرب، مثل الزنى وتناول الكحوليات وعقوق الوالدين.

وأعلن ذاكر أنه «رغم موجة كراهية الإسلام الحادة، فإن 34 ألف أميركي اعتنقوا الإسلام منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 حتى يوليو (تموز) 2002» وخلال محاضرة ألقاها في جامعة ملبورن، أشار ذاكر إلى أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي منح النساء مساواة حقيقية بالرجال، مشددا على أهمية ارتداء الحجاب لأن «نمط الملبس الغربي الكاشف للجسد» يجعل النساء عرضة للاغتصاب. في 21 يناير (كانون الثاني) 2006، عقد ذاكر حوارا بين الأديان مع الزعيم الروحي الهندي سري سري رافي شانكار حول مفهوم الخالق في الإسلام والهندوسية بهدف تعزيز التفاهم بين الديانتين الكبريين في الهند وتسليط الضوء على نقاط الالتقاء بينهما، مثل حظر عبادة الأصنام. وعقدت المقابلة في بنغالور ووصل عدد الحاضرين إلى 50 ألف شخص في «بالاس غراوندز».

في أعقاب محاضرة ألقاها البابا بنديكتوس السادس عشر في سبتمبر 2006، اقترح ذاكر المشاركة في مناظرة عامة على الهواء معه، لكن البابا لم يستجب للدعوة. وفي كل عام منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، يقود ذاكر «مؤتمر سلام» ينعقد طيلة 10 أيام في «سومية غراوند» بمومباي. وخلال الحدث، يلقي ذاكر وآخرون من العلماء المسلمين من مختلف أرجاء العالم محاضرات حول الإسلام. وفي أغسطس (آب) 2006، تعرضت زيارة ذاكر للمملكة المتحدة والمؤتمر الذي عقده هناك في كارديف لجدل شديد، وذلك عندما دعا عضو البرلمان الويلزي ديفيد ديفيز إلى إلغاء مشاركة ذاكر المؤتمر، مبررا ذلك بأن الأخير «محرض على الكراهية»، وأشار إلى أن وجهات نظر الداعية الهندي لا تستحق توفير «منصة عامة» لنشرها. إلا أن أبناء كارديف من المسلمين دافعوا عن حق ذاكر في الحديث داخل مدينتهم. وفي أغسطس 2008، أصدرت «دار العلوم ديوباند»، وهي أكبر جامعة إسلامية بجنوب آسيا، فتوى تنص على ضرورة عدم الاعتماد على آراء ذاكر. وبالمثل، أصدر مجلس أميركا للشريعة أكثر من 20 فتوى ضد ذاكر عبر موقعه على شبكة الإنترنت. وأعرب المجلس عن اعتقاده أن ذاكر ضل الطريق، خاصة أنه ليس بعالم ويصدر فتاوى من دون سلطة تمكنه من ذلك أو أي معرفة تؤهله لهذا الدور، الأمر الذي يشكل خطرا على الإسلام.

من ناحيته، يرفض ذاكر هذه المزاعم، واصفا إياها بمحاولات متعمدة لتشويه صورته. وقال: «لقد انتقدت علانية في الكثير من المناسبات كل أعمال الإرهاب وأدنت بصورة قاطعة أعمال العنف، بما فيها هجمات 11 سبتمبر و7 يوليو و11 يوليو. وذكرت في عدة مناسبات أن مثل هذه الأعمال خسيسة وغير مبررة على الإطلاق طبقا لأي معايير».

أما التعليقات المثيرة للجدل التي أعلنها ذاكر فتخص المرأة، فمثلا، نسبت إليه تصريحات تفيد اعتقاده أن ارتداء النساء ملابس قصيرة يعد بمثابة دعوة لجذب الانتباه للرجال الوقحين، بل وربما الاغتصاب.

من جهته، أكد ذاكر أن تعليقاته اقتطعت من سياقها وأكد على اعتقاده أن «الرجل يتحمل قدرا أكبر من المسؤولية عن الاغتصاب». إلا أنه استطرد بأنه «يحتاج المرء إلى يدين كي يصفق»، في إشارة واضحة إلى أن المرأة أيضا تتحمل قدرا من اللوم. وأضاف أن هذا الوضع «لا ينطبق على جميع الحالات، ولكن على كثير منها. في معظم حالات الاغتصاب التي عكفت على تحليلها، كان الطرفان على معرفة ببعضهما البعض. وقد أجريت دراسة مسحية حول هذا الأمر، لأنه مجال تخصصي».

ويرى نقاد أنه من غير المثير للدهشة أن يجد ذاكر نفسه محط جدال محتدم. على سبيل المثال، قال جافيد أناند، المعلق والأمين العام لمنظمة «مسلمين من أجل ديمقراطية علمانية»: «هناك غموض متعمد في تصريحاته تخفي وراءها دوافع منحرفة». في مكتبه داخل «المؤسسة البحثية الإسلامية»، يقابل الزوار مجموعة من الألقاب المبهرة معلقة على الجدران. وتضم المؤسسة استوديو إنتاج ومجموعة تفوق 5 آلاف شريط مصور وأسطوانة فيديو رقمية حول الإسلام والمقارنة بين الأديان، بينها 4 آلاف باللغة الإنجليزية، إلى جانب أكثر من 10 آلاف كتاب. كما تتولى «المؤسسة البحثية الإسلامية» توزيع منشورات حول الإسلام، إلى جانب توزيع نسخ مجانية من القرآن وكتب أخرى على المدارس والجامعات. ويدير «الصندوق التعليمي» التابع للمؤسسة، الذي يترأسه ذاكر أيضا، إدارة «المدرسة الدولية الإسلامية» التي تحظى بشعبية كبيرة. كما تضم المؤسسة جناحا للنساء تترأسه زوجة ذاكر.

وباعترافه الشخصي، حقق ذاكر أكبر بكثير مما توقعه الكثيرون له أثناء سنوات دراسته في مدرسة «سانت بيتر الثانوية» بمومباي، حيث أشار إلى أنه كان يحصل على درجات النجاح بالكاد. وأضاف: «لكنني أدركت أن تعثري توقف عندما شرعت في الحديث عن الحق».

وتشير تقديرات إلى أن عدد مشاهدي قناة «بيس تي في» التي يجري بثها من دبي يتجاوز 100 مليون مشاهد، ربعهم من غير المسلمين، حسبما قال ذاكر. وعمد ذاكر في هدوء إلى تدريب نجله فاروق، الذي أضفى وجها مراهقا جديدا على القناة.

في أول ظهور علني له بعد منعه من دخول بريطانيا وكندا، قال الداعية الإسلامي ذاكر إن رسالته دارت دوما حول السلام. لذا، يعجز عن فهم سبب قرار السلطات البريطانية، ومن بعدها الكندية، بمنع دخوله أراضيهما.

وقال: «لا بد أن السبب سياسي، لا يمكن أن يكون هناك سبب آخر»، متهما الحكومتين باتخاذ هذه الخطوة لإظهار صرامتيهما حيال التطرف. واستطرد موضحا أنه «في وسائل الإعلام البريطانية، جرى اقتطاع تصريحاتي عن سياقها وتصويري كذبا بأنني (داعية الكراهية). وقد شكل هذا ضغطا على الحكومة المنتخبة حديثا كي تمنعني من دخول البلاد». وصرح أيضا بأنه «لقد نددت في الكثير من المناسبات بجميع صور العنف والإرهاب بصورة قاطعة»، مشيرا إلى أنه حث المسلمين على التحول إلى «إرهابيين» فقط في مواجهة العناصر المعادية للمجتمع، مثلما أن «ضابط الشرطة إرهابي بالنسبة للسارق». وقد شرع الداعية، 44 عاما، في إجراءات قانونية لطلب مراجعة القضاء للقرار داخل محكمة بريطانية، وينوي الاتصال بإس. إم. كريشنا، وزير الدولة الهندي للشؤون الخارجية، بخصوص هذا الأمر. وأكد ذاكر أن «رسالتي لجميع المسلمين أن يخدموا أوطانهم بدأب وشرف ورسالتي للشباب البريطاني المسلم الساخط أن الإرهاب والعنف غير مقبولين إطلاقا ولا مكان لهما في الحياة الإسلامية».