من عسير إلى لندن.. الفنان أحمد ماطر يقدم معرضه المستقل الأول

يوقع على كتاب يوثق لرحلته الفنية.. ويقول: أنا جاهز لأقدم عرضي وأناقشه مع العالم

أحمد ماطر.. مازال يعتبر نفسه في منتصف تجربته في الحياة (تصوير: حاتم عويضة)
TT

«صبي يقف على سطح بيته الشعبي القديم في قرية صغيرة في الركن الجنوبي الغربي من السعودية. وإلى أقصى ما يستطيع راح ذات مساء يرفع هوائي التلفزيون إلى السماء.. وهو يحرك ببطء عبر الأفق الجبلي بحثا عن إشارة تأتي من وراء الحدود الفاصلة عن اليمن، أو عبر البحر الأحمر صوب السودان». بهذه الكلمات قدم ستيفن ستابلتون مدير المعرض المتنقل «حافة الصحراء» كتاب «أحمد ماطر»، الذي يقدم شهادات عدد من الخبراء والفنانين في أعمال وإبداع الفنان السعودي المعروف.

ولكن كلمات ستابلتون أيضا تشير إلى عالم الفنان أحمد ماطر ومحاولته الدائبة للاستكشاف ومد بصره إلى خارج الحدود الفنية والنفسية، وهو يبحث في ذاكرته وحياته عما يمكن أن يعبر به عن مجتمع وحياة كاملة.

تجربته الحياتية هي المصدر الأول لفنه، يعود بالذاكرة إلى طفولته ويتذكر كيف كانت والدته تزخرف البيوت التقليدية في عسير، هنا بدأت علاقته بالألوان والأشكال، وبعدها انتقلت به الحياة من قرية رجال ألمع التي شكلت وجدانه بتراثها العريق إلى قرية المفتاحة التشكيلية التي شهدت بداياته الفنية.

الفن في حياة ماطر نتاج مشهد يومي، يستمده من محادثة مع مريض له في المستشفى، أو من مقطع من أشعة سينية يمر ببصره على أمثاله كل يوم عشرات المرات، أو ربما يكون هوائي التلفزيون الذي مثل له ولغيره من جيله في السعودية نقطة اتصال مع العالم الخارجي.

بدايات ماطر الفنية في أبها مهدت لانطلاقه إلى خارج الحدود عند اختيار إحدى لوحاته «أشعة 2003»، للمشاركة في معرض «الكلمة إلى الفن» الذي احتضنه المتحف البريطاني في عام 2006. اللوحة ضمت إلى مجموعة المتحف البريطاني فيما بعد ليمثل ذلك محطة مهمة في رحلة ماطر الفنية.

بعدها شارك ماطر في معرض «حافة الصحراء» للفن السعودي في لندن في عام 2008، الذي أطلق موجة من الاهتمام بالفن السعودي في كثير من دول العالم، فمن المشاركة على هامش بينالي البندقية إلى برلين ودبي، وانطلاقا إلى إسطنبول التي سيحط المعرض الرحال بها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ولكن ماطر لم يكتف بمشاركاته في مشروع «حافة الصحراء»، وانطلق يحفر لنفسه طريقا أوسع، عبر المشاركة في عدد من المعارض في أبها ودبي وجدة، وأخيرا في لندن، حيث يفتتح ماطر معرضه المستقل الأول الليلة في غاليري فينيل فاكتوري بحي سوهو.

يقول ماطر ردا على سؤال عما إذا كان المعرض هو المستقل الأول له، بأن هناك عددا من المعارض التي أقامها في عدد من البلدان، ولكنه يعتبر أن معرض لندن هو المعرض المستقل الأول لأعماله، ويرجع ذلك لكمّ الأعمال المطروحة للعرض، نحو 40 عملا، وأيضا لكونه يحمل تجربة فنية متكاملة، وأخيرا لأنه يرافق إصدار كتاب يوثق لمسيرته الفنية من خلال شهادات متخصصين وفنانين. يعتبر ماطر المعرض الحالي خلاصة للمعارض السابقة، أو كما قال: «خلاصة لأربعة مشاريع قمت بإعدادها.. أحس بأني الآن جاهز لأقدم عرضي وأناقشه مع العالم».

الأعمال التي يضمها المعرض تتنوع ما بين التصوير الفوتوغرافي والرسم والخط والتجهيز في الفراغ والفيديو. كما سيحتوي المعرض على عمل الهوائي التلفزيوني وكاميرا المراقبة، إضافة إلى أبرز أعماله السابقة، مثل عمل «التطور الإنساني» الذي يتعامل مع قضية الاعتماد على البترول والمخاوف من أن تتطور تلك العلاقة بالإنسان إلى الهاوية. ويبرز الواقع الخاص للفنان عبر عمل «كاميرات المراقبة التلفزيونية»، الذي يصور الحياة اليومية للطبيب أحمد ماطر، كما يقدم المعرض مشروع «البقرة الصفراء» الذي قدمه الفنان في محاضرة له ألقاها بمتحف اللوفر.

ومن مجموعة «استنارات» يقدم ماطر تسعة أعمال يعتبرها خلاصة تجربته في تلك المرحلة. تكتب فينيشيا بورتر مسؤولة قسم الشرق الأوسط بالمتحف البريطاني في تعليقها على هذه المجموعة: «تحول الهيكل العظمي إلى سلسلة إضاءات فنية، لا يزال في شكل الأشعة السينية، حيث وضع الشكل الشبحي المعبر عنه بواسطة أشعة إكس بزوايا مختلفة، وأحيانا ينظر الهيكل مباشرة إلى المتلقي، وأحيانا أخرى يستدير إلى جهة ما». اللافت في مجموعة «استنارات» هو كمية التساؤلات التي تثار لدى المتلقي، عبر أشكال شبحية لأشخاص مجهولين يمكن من خلالهم استكشاف فكرة الحوار مع الآخر، أو حتى الحوار مع النفس.

تبرز في أعمال ماطر التيمات التقليدية الموروثة، سواء كانت معبرة عن نشأته في عسير أو تشير بشكل أوسع إلى الموروث الإسلامي، يستكشفه ويحوره عبر استخدامه كموتيفات في لوحات «استنارات» على سبيل المثال، فهو يتحول إلى حواش مزخرفة وموشاة كالتي تحيط بحواشي صفحات القرآن الكريم أو الكتب التراثية، وأيضا نرى الآيات القرآنية والخط العربي تتضافر مع لوحات الأشعة في أعمال أخرى.

يقول ماطر: «أنا أؤمن بأن الإبداع الثقافي لأي فنان يجب أن يخرج من مشهد حياته الحقيقية وتجربته الحياتية اليومية، حتى يكون أكثر مصداقية في طرحه، ويقدم رسالة مختلفة. فالعالم الآن يحتاج إلى رؤية تجارب جديدة ومختلفة وذات هوية متميزة للآخر».

الهوية هي نقطة المحور في أعمال ماطر، تطل على المتلقي مباشرة، لا يمكن إخفاؤها؛ فهي الأساس الذي ينتقل منه الفنان، وهي رسالته التي يوجهها إلى العالم، ولذلك تراه يحذر من الانسياق إلى تيارات قد تبعد الفنان عن هويته وجذوره.

في إحدى مقابلاته قال ماطر: «من المطلوب من الفنانين السعوديين ألا يستسلموا لأهواء الجمهور الغربي»، يعلق ماطر على العبارة بقوله: «ننظر الآن إلى الكثير من الفنانين في عالمنا ونجد أنهم يقولبون أعمالهم لتناسب السوق الغربية ومتطلباتها، أنا أختلف معهم هناك، فأنا أرى أننا يجب أن نقدم شيئا جديدا؛ أن نفتح خطا جديدا، وأن ما يمثلنا محليا هو ما يجب أن يمثلنا عالميا». وينفي أن يكون ذلك ناتجا من الانبهار بالعالم الغربي.

الحركة الفنية في السعودية في حالة نشاط، حسب تعليق ماطر؛ فهو يرى أن هناك حراكا واضحا من حيث اهتمام الناس بالفن، ويشير إلى التأثير الذي تركه معرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور»، الذي أقيم في اللوفر، وقدم نماذج من الفن والتراث السعودي. ويضيف بحماس: «هناك حركة واهتمام، الآن هناك منهج للتربية الفنية، وهو مهم جدا، وقد يكون نقطة تحول في حياة الكثير من المواهب الشابة، الذين سيكون باستطاعتهم قراءة الكثير عن حركة الفن، ويمكنهم متابعة ذلك بالبحث لاحقا، فهناك أجيال كثيرة ظلمت بسبب عدم وجود مثل هذا المنهج».

إلى جانب المعرض يقوم ماطر اليوم بالتوقيع على كتابه الأول، وهنا نطرح سؤالا: «لماذا لم يضم الكتاب أيضا كلماتك؟». يقول ماطر مبتسما: «ربما لأني لست كاتبا جيدا..»، ولكنه يستطرد قائلا إن الكتاب يعني «مسؤولية أكبر.. ما زلت أعتبر نفسي في منتصف تجربتي في الحياة.

ويهمني أن يفتح الكتاب مجالات للمناقشة للأجيال المقبلة. الخبراء المشاركون في الكتاب من أهم الكتاب في العالم الفني؛ قرأت المقالات أكثر من مرة وأوحت لي بأشياء كثيرة، وسعدت بقراءتهم عن تجربتي، ولكن ما يهمني أيضا أن يلهم آخرين».

ويشير ماطر إلى أنه خلال الاجتماع مع الناشر، إدوارد بوث كليبورن، كانت النقطة الأهم هي أن ننتج كتابا يتناول جانبا فنيا في منطقة الشرق الأوسط، وكان مهما أيضا أن يظهر الكتاب بشكل جيد: «كان الأهم بالنسبة لي أن يطبع الكتاب في المملكة العربية السعودية، ويهمني أن يؤثر على أجيال مقبلة».

الكتاب الذي ترعاه مؤسسة «جدوى للاستثمار»، والمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، سيطرح قريبا في السعودية، ويبدأ توزيعه اليوم في المملكة المتحدة، وسيوزع في أميركا بنهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.