علاقات الحب المرتبكة في مجموعة قصصية مصرية

منى حلمي تطرح إشكالية المرأة ـ الكاتبة وعلاقتها بالآخر في مجموعتها «الحب مع مغامر مرتبك»

TT

* تثور الكاتبة على المرأة وتجهز عليها لصالح الأديبة * الرجل المهجور في قصص منى حلمي يسعل ويبكي وينتحب حين تتركه حبيبته * الكاتبة تشيئ الآخر وتجعله مجرد ديكور القاهرة: د. عزة بدر تضعنا الكاتبة منى حلمي امام علاقات حب مرتبكة، فبطلة قصص المجموعة اديبة لا ترى لها فرصة في الحياة الا في ما تخطه على الورق. فهل يدفعها حب الكاتبة الى مغامرات الحب المرتبكة؟ هل تشتبك مع الآخرين لكي تكتب؟

وتعترف «انا لا احتمل فكرة انني عشقت الرجل الخطأ، اعطيت الرجل الخطأ، وكتبت عن الرجل الخطأ، وان سامحني العشق والعطاء كيف ابرئ نفسي امام الكلمة، تعفف ارجوك، لأكسب رهاني على نفسي وعلى كلمتي لا رهاني عليك! هكذا من اول لحظة نجد انفسنا مع امرأة مختلفة اهم ما فيها انها اديبة وكاتبة ولذا تأتي هذه المجموعة القصصية محاولة للتعرف على البنيان النفسي والعاطفي لفتاة مختلفة تثور الكاتبة على المرأة تجهز عليها لصالح الاديبة ولذا فاننا نتعاطف اكثر مع الحبيب الذي يرفض ان يكون نزوة كتابة! نتعرف من خلاله على الوجه الآخر الذي لم نعرفه عن الرجل، فلأول مرة نراه مرتبكا امام امرأة مرتبكة! يوقعه ارتباكها في غموض مثير وقلق له بريق، فيصبح للرجل ذلك الوجه الانساني الحميم القريب، ذلك الذي يخشى الفراق ويشفق ان يرى نفسه مهجورا ذات صباح؟ ولو لم تقدم الكاتبة هذا النموذج الانثوي المرتبك لما كان لنا ان نعمم برؤية هذا الوجه المختلف والانساني للرجل في اشتباكه مع امرأة مختلفة.

ان الرجل المهجور في كتابات منى حلمي يشبه الشاعر الفرنسي الفريد دي موسيه وهو يسعل ويبكي وينتحب بينما تتركه حبيبته «جورج صاند» بلا رحمة وتمضي الى علاقة جديدة وحب جديد وكتابة اكثر تألقا، فالمغامرة والاختلاف احد القواسم المشتركة بين الاديبتين.

وفي قصصها ايضا نلمح بين السطور اعجابا خفيا بمي زيادة ورغبة في تقليد تفردها ونهايتها حتى لتبدو قصة «الليلة الاخيرة» نفسا رومانسيا ينهي الحياة بالطرق التقليدية، بالموت الفجائي للبطلة دون اي مبرر لذلك، نهايات تذكرنا بخواتيم الروايات العاطفية القديمة، والنهايات الأسيانة كما في روايات محمد عبد الحليم عبد الله مثلا.

هذا المصير الذي ترسمه الكاتبة لبطلتها المتفردة المختلفة الثائرة على كل المستقر من العلاقات والتجارب ويتنافر ويتنافى مع مقومات الشخصية الدرامية في هذه القصص التي يجمعها حب المغامرة والمشاعر المرتبكة، وبذا يكون ما غزلته منى حلمي من حب مرتبك، وغزل متوحش ورقيق في آن واحد قد فككت عراه ببساطة، نقضت غزلها المتوحش الرائع الذي ارتنا فيه امرأة مختلفة تحب رجلا تعرف انه لا يحبها، اذ تقول في احدى القصص «استمر انت في مشاعرك الاخوية ودعني وعشقي».

وجه آخر قاس يطالعنا عند منى حلمي في قصتها «تنويعات على لحن اسمه انت»، ورغم هذا الوجه البارد، والقلب المبترد فإن اللغة الغامضة تفرض نفسها، والفهم المرتبك للحب يجد عبارات تستحق التأمل لانها مختلفة ولكنها لا تسري الى القلب العاشق. تقول الكاتبة:

انت: ماذا تريدين من رجل مثلي؟ لا شيء! ما دوري اذن في حياتك؟ انت لحظة بهجة اضافية!. فترد عليه: لا تكون اساسيا في حياتي معناه انني احتاج اليك، الاحتياج ضد حريتي، واذا خدشت حريتي، لا استطيع ان احب.

هذه الفلسفة الخاصة بالبطلة المتفردة في هذه المجموعة القصصية هو سر ارتباكها في علاقة الحب فهي تواجه الآخر برؤى لم يتوقعها وبتواصل مبتور سلفا لا يتنامى ليشتبك اشتباكا حقيقيا وانسانيا مع الآخر ولذا فلا عجب ان تطالعنا حكايات الحب المبتور ولآلئ الدموع بين ثنايا السطور.

ومع ذلك فهذا الشقاء الذي بلا سبب، هذا الفهم المرتبك قد امتعنا بمتعة الاختلاف، وجعلنا نمسك بأيدينا لحظات خاطفة مشعة وبعبارات متألقة ذات بريق لكاتبة تستوي بين يديها لغة عاشقة.

انها هموم كاتبة وفي الوقت نفسه هموم امرأة مختلفة رغم حريتها واستقلالها، رغم تحررها وعنفوانها، رغم جرأتها ومغامراتها لم تتقدم خطوة واحدة عن العالم المغلق والفلك والمدار الذي حلقت فيه من قبل مي زيادة ككاتبة والفرق ان مي اخلصت لأنوثتها. كانت تحب رجلا واحدا رغم اعجابها بالكثيرين وكانت تتمنى ان تسعى اليه في مهجره، واخلصت للأنثى التي تنتظر سعيه هو وسفره اليها وكانت تصف شوقها اليه وتوقها لأن تلقاه، لكنها لا تريد ترك والديها لكبرهما، او لكونها كفتاة شرقية لا تستطيع السفر اليه، بينما بطلة «الحب مع مغامر مرتبك» تستقل الطائرة لترى رجلا تحبه قابلته مقابلة عابرة لتكتشف انه متزوج. انها تملك جرأة المكاشفة والبوح والقدرة على المغامرة ولكنها مع كل ذلك لم تستطع ان تتواصل مع حبيب ولا ان تهتدي الى علاقة ناجحة، وهذا الاخفاق الدائم وخيبات الامل المتوالية رغم نسجها بفن راقي المستوى ولغة عذبة يؤكدان ان المرأة المعاصرة قد افتقدت سر انوثتها وانها في رحلة المغامرة قد ضحت بأشياء كثيرة اهمها محاولة فهم الآخر، لانها تشيئ الرجل وتجعله مجرد ديكور فارغ من المعنى والدلالة.