طالبان تصر على تدمير تماثيل بوذا رغم جهود الوساطة ومخاوف دولية من عمليات انتقامية يروح ضحيتها التراث المعماري الإسلامي

TT

كابل ـ لندن: «الشرق الأوسط» والوكالات تعهدت حركة طالبان الافغانية الحاكمة بتدمير جميع التماثيل في أفغانستان، وقالت ان كل البدائل المطروحة لا تتفق مع أحكام الاسلام. وقال وكيل أحمد متوكل وزير خارجية طالبان انه لا مجال للعودة عن فتوى أصدرها زعيم الحركة الملا محمد عمر بتحطيم جميع التماثيل بما فيها تمثالان ضخمان لبوذا يعدان من أشهر الاثار الافغانية. وقال متوكل ان طالبان ستوضح لأي وفد دولي أو ديني أنها لن ترجع عن قرارها. وجاءت تصريحات متوكل وسط جهود دولية مكثفة لانقاذ اثار أفغانستان من الدمار.

ووصل ثلاثة من نواب البرلمان في اليابان وهي مانح معونات رئيسي في المنطقة الى اسلام اباد امس في محاولة لاقناع طالبان بالعدول عن القرار.

وتستهدف الحركة أساسا الاثار البوذية التي يرجع تاريخها الى نحو ألفي عام بما فيهما التمثالان اللذان يبلغ ارتفاع أحدهما 53 مترا والآخر 38 مترا. وقالت مصر ان رئيسها حسني مبارك قبل طلبا من منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) للتوسط لدى طالبان لعدم تدمير التماثيل.

وقال متوكل بدوره: «لا مانع لدينا من لقاء أي شخص بشأن هذا الصدد، لقد شرحنا موقفنا لوفد اليونسكو وسنشرحه للاخرين، وهو أن مرسومنا بتدمير هذه الاصنام يستند الى التعاليم الاسلامية، وأننا لن نستثني تماثيل من عصر ما قبل الاسلام أو ما بعده». ورغم اعتراض اغلب الدول الاسلامية وعلماء الدين الاسلامي على القرار حتى من باكستان حليفة طالبان قال متوكل ان ما من أحد يستند لسند ديني في اعتراضاته.

ورفض متوكل اقتراحات من ضمنها عروض من متاحف أجنبية بشراء التماثيل وآخر ببناء جدار ضخم أمام تمثالي بوذا يخفيهما عن أنظار المسلمين.

وزادت امس ردود الافعال الدولية غضبا إذ استنكرت الصين تدمير طالبان للتراث النحتي الافغاني وقالت انه يجب على كل دولة الحفاظ على ما لديها من تراث ثقافي. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية جو بانججاو: «ان هذه التماثيل لها شهرة عالمية.. وهي من ابداع الحضارة الانسانية واعتقد ان كل الدول تشترك في مسؤولية حماية التراث الثقافي والحفاظ عليه».

وناشدت الرابطة البوذية الصينية الحكومية طالبان وقف عملية التدمير على الفور قائلة ان ذلك يؤذي مشاعر البوذيين بشدة. وعانى التراث البوذي للصين ومنطقة التبت الخاضعة للسيطرة الصينية لعملية تدمير موسعة خلال فترة الثورة الثقافية بين عامي 1966 و1976 عندما حاول اتباع الزعيم الصيني ماوتسي تونج المتشددون القضاء على كل اثار الحضارة القديمة.

من جهتها دعت الحكومة اليابانية دول الخليج العربي للتدخل لدى طالبان، اقناعها بعدم تحطيم التماثيل البوذية في افغانستان. وقالت مصادر دبلوماسية ان وزير الخارجية الياباني يوهي كونو وجه رسائل بهذا الخصوص الى نظرائه في دولة الامارات العربية المتحدة واليمن وايران وسلطنة عمان وقطر والكويت والمملكة العربية السعودية والبحرين.

وجدد قرار طالبان تدمير تماثيل بوذا قلق العالم المتحضر ازاء تجدد موجة من هجمات المتطرفين على المواقع التاريخية في ارجاء العالم. ورغم ان ذلك تكرر في تاريخ البشر، الا ان الاخبار الواردة من افغانستان اصابت المشتغلين بعلوم الآثار بالصدمة، كما بعثت الخوف من محاولات انتقامية مضادة من جانب جماعات او حكومات للرد على ما تفعله طالبان. وقالت بوني برنهام رئيسة جمعية «الروائع النحتية العالمية» التي تعنى بالحفاظ على المواقع التاريخية قائلة: «اعتبر ما يجري فصلا جديدا من الارهاب، فبدل ان تلجأ الحكومات او الافراد الى اختطاف طائرة او اشخاص نراها تقدم على تدمير الكنوز الثقافية». واشارت الى انها قلقة من ردود الفعل المضادة خاصة مع توفر كثير من المساجد والمواقع المقدسة في منطقة متعددة التاريخ والاديان من بوذية الى هندوسية واسلامية، كما هو حال افغانستان.

وقررت طالبان الاسبوع الماضي تدمير كل تماثيل بوذا في افغانستان لان الدين الاسلامي، يمنع اتباعه من عبادة الاصنام. وتشمل الكنوز التاريخية المستهدفة تمثالين لبوذا في باميان التي تبعد 100 ميل الى الغرب من كابل. وربما يتسبب تفجير طالبان لتلك التماثيل في اشعال فتيل العلاقات المتوترة اصلا بين الاغلبية الهندوسية والاقلية المسلمة في الهند، وكذلك بين الهند وباكستان.

ويرى ادريان كاراتنكي رئيس منظمة «بيت الحرية» الناشطة في مجال الترويج للديمقراطية انه سيتوفر للهندوس سبب جديد لاتهام المسلمين باللاتسامح. وكانت المسيرات الاحتجاجية قد خرجت تجوب شوارع نيودلهي وكالكيتا شجبا لطالبان. وكذلك اشار مونر بوتشناكي مساعد المدير العام لمنظمة الامم المتحدة للتعليم والعلوم والثقافة الى ان بوتان وسري لانكا، حيث يشكل البوذيون 70% من عدد السكان، بينما لا تتجاوز نسبة المسلمين 10% مرشحة لأن تكون نقطة احتكاك بالغة. واضاف: «ينتابنا القلق من احتمالات افعال انتقامية».

وعلى المدى البعيد يخشى من ان يكون لتصرفات طالبان تأثير على افراد وجماعات في استهداف رموز اعدائهم في المناطق التي تسودها الاضطرابات. وقد يقدم البعض على مثل هذه الافعال لاجتذاب الاهتمام العالمي بقضاياه الاخرى، اما آخرون فلعلهم يقلدون الآخرين وحسب. ومن بين المناطق المرشحة لحدوث تصرفات انتقامية:

* يوغوسلافيا، حيث جرى استهداف الكنائس والمواقع التاريخية من جانب كل الاطراف التي شاركت في اعمال العنف هناك من صرب وكروات والبان.

* اندونيسيا البلد الذي تقطنه اغلبية مسلمة تعيش، وحيث تعرضت كنائس الاقلية المسيحية والصينية الى هجمات متكررة عليها.

* مصر، حيث توجد مخاوف من الاعتداء على روائع التراث الفرعوني والقبطي التي لا مثيل لها في اماكن اخرى من العالم.

وعلى مر القرون، مثلت رموز مجتمعا ما هدفا لاعدائه زمن الحرب. وفي القرن الماضي اقدم هتلر في اوروبا وبول بوت في كمبوديا وماو في الصين على تدمير او تخريب الكنوز التاريخية وقتل الملايين سعيا وراء مسح ثقافات باكملها.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»