المغرب: قصر عديل معلم تاريخي من معالم فاس

دراسات استكشافية وأخرى معمقة أنقذته من الاندثار

TT

شيد قصر عديل بمدينة فاس، حاضرة الاسلام العريقة في المغرب، في أواخر القرن السابع عشر الميلادي على يد احد تجار المدينة، عبد الخالق عديل، الذي عين في عهد السلطان مولاي عبد الله (1757 ـ 1728) حاكماً عليها. ويقع هذا القصر التاريخي وسط عدد من الدور الضخمة التي كان يملكها اعيان فاس وأمراؤها.

في مراحل تاريخية متعاقبة صار القصر وقفاً من الاوقاف، ثم وظف لدار السّكة ولختم الحلي والفضة والذهب، فحوّل بيتاً لخزينة الدولة (بيت المال). وفي عهد الحماية الفرنسية اختير في العام 1913 مقراً لمفتشية الفنون الاهلية مع تخصيص جانبه الغربي لجمع التحف النفيسة. وفي العام 1915 حوّل الى مدرسة للبنات المسلمات، ومن ثم صار معهداّ للموسيقى. واخيراً هجر نتيجة تصدع بعض اجزائه.

البعد المعماري للقصر يجمع عدد من المعماريين على ان لقصر عديل تفرداً ملموساً من حيث البعد الهندسي الذي يبدو التأثير الاندلسي عليه واضحا، وذلك لما يضمه من فضاءات تبدو من حيث وضعها العام مستقلة بعضها عن بعض. ولكن لم يكن هذا الاستقلال اعتباطيا بل املته شروط ثقافية واجتماعية كانت الاسر الفاسية أسيرة لها خلال القرن السابع عشر الميلادي. فقد كانت مكوّنات القصور العمرانية خلال تلك الفترة تتوزع تبعاً لوظيفة كل واحدة على حدة. وفي قصر عديل يمكن تحسس هذا المعطى انطلاقاً مما يطلق عليه مسمى «الدار الكبيرة»، وهي النواة المركزية للقصر، وتتكون من ثماني غرف تتوزع بالتساوي على الطابقين الارضي والاول من القصر. وهي غرف مستطيلة الشكل ذات أبواب ضخمة تعلوها اقواس مزخرفة ويربط الطابقين سلمان خصص الاول لأفراد العائلة، ووظف الثاني للضيوف. ومن بين مرافق القصر الهامة الاخرى ما يعرف بـ«الدويرية» التي تحتل موقعاً هاماً في الزاوية الشمالية الشرقية للقصر وتوظف عمليا للاشغال المنزلية ويؤدي اليها رواق متعرج.

وهناك ايضاً دار «الخزين» ودور «الخدم» وهي تستقطع حيزا من الطابق السفلي بمحاذاة الاسطبل، وترتبط هذه الدور بالطابق العلوي بسلمين سميكين صنعا من قطع خشبية صلبة، بيد ان الصعود الى سطح القصر لا يتم الا من خلال سلم وضع في الجانب الشرقي ويتكون من عدد من الادراج الخشبية وعوارض مغطاة بطبقة من البلاط سمكها 40 سم. وقد روعي في بناء هذا السطح التقاطع الهندسي المنحرف الى الشمال، كي يمكن تصريف المياه الى خلف القصر، لتفادي ما يمكن ان تحدثه مياه الامطار من خلل في تركيبة السطح ذاته.

من الدراسات الاستكشافية إلى الترميم عرف قصر عديل أولى محاولات الترميم بين عامي 1916 و1917، ومسّت مدخله الرئيسي والارضية والسقوف وخاصة سقوف طابقه العلوي. وفي العام 1918 اجريت له عمليات ترميم موسعة هدفت في مجملها الى تثبيت وتقوية طابقه الارضي المكسوّ بالزلّيج (اي القيشاني) وقطع من الجبص المنحوت. وفي السنوات الاولى لعقد الثمانينات تداعت جوانب من القصر وأوشك على الاندثار، مما حدا بالجهات المسؤولة عن انقاذ معالم فاس، التي تناهز 11.601 من المعالم التاريخية القيّمة، للعمل على وضع قراءة أولية لبناية القصر ككل. وتحديد مختلف جوانبه المتصدعة والإقدام فوراً على معالجة الاختلالات الهندسية. فقد اكتشفت في البداية شقوق واضحة في قبو القصر سبّبتها تسربات المياه المستعملة ومياه الامطار. كذلك اصيبت الواجهات الامامية هي الاخرى بشقوق متباينة نتيجة تآكل بعض اعمدة القصر، بيد ان الزاوية الغربية للقصر بدت الأكثر تضررا بسبب الاحتكاك والتآكل الناجمين عن مرور الدواب المستخدمة لنقل البضائع على اختلاف تنوعها. في حين أدت الرطوبة الى تفكك جدران القصر الداخلية واعمدته. وكان للرطوبة ايضاً انعكاس سيئ على أرضيته وهو ما أدى الى إتلاف أرضية حجراته المتكونة من الزليج والجبس، وفقد نسبة هامة من القطع الخشبية في قبو القصر وحجرات «الدار الكبيرة»، وهي قطع كانت الى عهد قريب تضفي على القصر جماليات خاصة.

انطلاقاً من هذا التشخيص الاولي لوضعية قصر عديل من الناحية الهندسية بوشر بعمليات الترميم بدءا من تقوية أعمدته الداخلية المتآكلة بفعل الرطوبة وربط فضاءات القصر بعدة اعمال ترميمية اعادت جمالياتها المألوفة اليها. وفي 1999 تمكن القصر من استعادة بريقه كمعلم تاريخي في مدينة كاد يختفي عنها الى الأبد.

=