المقاوم اللبناني خالد بشارة دفن بعد 23 عاما ورحلته إلى الضريح لم تتجاوز الـ500 متر

TT

قالت «ام جريس» ان ابنها خالد هو «ابطأ رحالة في العالم»، فقد استغرقت رحلته التي لا تتجاوز 500 متر من قعر الوادي الى قريته دير ميماس في جنوب لبنان 23 عاماً.

وهكذا عاد خالد في كيس يحوي عظامه وفردة حذائه وجعبة سلاحه. ووقفت امه في ساحة القرية تطلق زغاريدها وتتقبل التهاني بعودة الغالي. فهي «ام الشهيد الاول للمقاومة الوطنية اللبنانية»، كما يطيب لها ان تردد، فقد مزق لغم اسرائيلي ابنها خالد في 16 اغسطس (آب) عام 1977، ومنعتها الميليشيا المتعاملة مع اسرائىل (بقيادة سعد حداد آنذاك) من دفنه في ارضه، كما كان يحلم، واخيراً تحقق الحلم بعد تحرير الارض في 25 مايو (ايار) 2000.

وخالد بشارة الذي رحل ولم يكن تجاوز عامه الثاني والعشرين هو ابن عم سهى بشارة، اشهر معتقلة في سجن الخيام. وقد بدأ المقاومة على طريقته وكان يختصر في عمره الصغير نضجاً وحكمة، كأنه كان مستعجلاً ليجتاز الحياة، كما يقول اهل قريته.

وقالت والدة خالد، أم جريس: «بعد استشهاده اخذ احد المتعاملين مع اسرائىل (الذي يقضي فترة عقوبة في سجن رومية وسيطلق سراحه في يونيو ـ حزيران المقبل) الاوراق الثبوتية التي كان يحملها خالد وبندقيته، واطلق منها النار في الهواء هاتفاً «قتلنا احد الفلسطينيين».

ولم يتمكن ابن عم خالد من سحب ما تبقى من جثته وفردة حذائه وجعبة سلاحه قبل 3 ايام. وضعها في كيس داخل نعش ثم ارسلها الى بيروت لان الميليشيا المتعاملة منعت ذويه من دفنه في القرية.

وفي بيروت تنقل النعش من مدفن الى آخر لحفظ رفاته. وابان الاحتلال الاسرائيلي توفي بعض اقارب خالد. ولدى نقل جثثهم الى القرية لتوارى الثرى عمد المتعاملون في ميليشيا لحد الى تفتيش النعوش لشكهم في امكانية تهريب رفات خالد فيها.

اهل قرية دير ميماس الذين عانوا مرارة الاحتلال قبل سنوات من الاجتياح الاسرائيلي عام 1978 يحكون ان خالد كرس مفهوم المقاومة بعيداً عن الاطر السياسية المعروفة. وكان يجمع المقاومين الى اي جبهة انتسبوا في كتيبة سرية لتنفيذ عمليات نوعية. وكان يتسلل كل ليلة الى القرية على رغم ابعاده وملاحقته، فيزرع الالغام ويتفقد الاسلحة المطمورة تحت صخور المنطقة الوعرة التي تفصل قلعة الشقيف عن دير ميماس، ولم يكن يعرف الخوف.

وتقول والدته ام جريس: «في الفترة التي سبقت استشهاده كان خالد يتغيب كثيراً عن المنزل في بيروت حيث نقيم. بدأت اخاف عليه واتشاجر معه واحاول منعه. في احد الشجارات جذبته من سترته، خلعها وقال: خذيها لكني سأذهب. وآخر مرة غادر فيها المنزل علمت بالامر وغادرت المنزل حتى لا اتشاجر معه».

والنضال لا يقتصر على خالد في عائلته. تقول شقيقته رجاء: «عرفت جماعة حداد ان خالد كان يتناول طعام العشاء مع جده ليلة استشهاده وهاجموا منزل الجد وحاولوا ارغامه على حمل السلاح في صفوفهم لكنه رفض. حاولوا ارغامه على الرحيل فرفض مغادرة ارضه. اعتقلوه ونقلوه الى سجن داخل فلسطين، عذبوه ثم اعادوه وفرضوا عليه اقامة قسرية في بيته. منعوه من النزول الى بستانه لاعتقادهم انه يساعد المقاومين. رفض ايضاً وايضاً ونزل الى البستان، لحقوا به واردوه قتيلاً. عرفت جدتي من اطلق النار على زوجها. رفضت ان تبوح باسمه خوفاً علينا. ورفضت الاعتراف بان خالد تناول عشاءه الاخير ليلة استشهاده في منزلها. سألتها امي: كيف كان خالد ليلة وفاته. ماذا اكل. لكنها سكتت حتى اصيبت بالفالج وماتت من دون ان تبوح بأي شيء».