لطيفة: هذه هي حكايتي مع «سكوت حنصور» وغنيت لأول مرة من ألحان يوسف شاهين

سمعت كلمات مشجعة ولذيذة جدا لدوري في الفيلم وقلت في نفسي إنهم يسخرون من أدائي جدا

TT

بين كبار مخرجي السينما العربية يظل اسم يوسف شاهين حالة خاصة فهو له كل هذه الجاذبية وهو اشبه باشعاع مداري التأثير حيث أن من يقترب منه صعب أن يفلت من الدوران حوله.

ولهذا فإن يوسف شاهين (76عاما) من تلك النوعية من المبدعين التي لا تعترف بالتقاعد فهو يخرج افلامه كما يتنفس الأوكسجين. وجاء فيلمه الأخير «سكوت حنصور»، وهو يعبر عن هذا الموسيقار الذي لا يزال صوته مدويا في أعماق يوسف شاهين. والموسيقى في الفيلم السينمائي ومنذ بدايته الأولى قبل أن يتعلم النطق رسميا عام 1927 بفيلم «مغني الجاز». الموسيقى كانت تصاحب الشريط السينمائي أيام السينما الصامتة لأن الشريط السينمائي يرنو لكي يصبح له تحليق الموسيقى الخالصة، ولهذا فإن «سكوت حنصور» كان من الممكن ان يصبح امتزاجا مرئيا لطموح السينما وطموح يوسف شاهين الخاص والذي عبر عنه بانه قام بتلحين احدى اغنيات الفيلم مباشرة للمطربة لطيفة وهذه هي أول مرة يلحن فيها يوسف شاهين، ولكن علاقة يوسف شاهين بالموسيقى سابقة ووطيدة أكثر من مجرد تلحينه لاغنية كان من الممكن ان يقدم يوسف شاهين فيلما استعراضيا موسيقيا وهو من الأنواع التي لا يقبل عليها كثيرا منتجو السينما العربية نظرا للتكلفة الضخمة. ولهذا فإن أهم الأفلام التي اقتربت من هذا النوع هو «اضراب الشحاتين» للراحل حسن الامام والذي اخرجه قبل 35 عاما وكان من انتاج مؤسسة السينما المصرية، ويوسف شاهين له ايضا محاولة في نفس التاريخ تقريبا «بياع الخواتم» الذي لعبت بطولته فيروز ومن انتاج احدى شركات السينما اللبنانية.

وفي مثل هذه الافلام تمتزج الموسيقى بالاستعراض بالغناء ويخفت الى حد بعيد صوت الدراما بل ان المطلوب هو الحكاية المباشرة البسيطة التي تقف على أعتاب الميلودراما أو تخطي العتبة ـ عتبة الميلودراما ـ بخطوات قلائل حيث ان المتفرج في هذه الحالة لا يعنيه التتابع الدرامي بمنطقه الواقعي بل يتجاوز ذلك ويوافق لا شعوريا على تلك المصادفات والمبالغات وذلك لأن الاستعراض والغناء والموسيقى يسمح بكل ذلك وكانت في بعض مشاهد في الفيلم يطبق يوسف شاهين ـ كاتب ومخرج الفيلم ـ هذا القانون «قانون الفيلم الاستعراضي». ولأن الاحداث تتناول كواليس صناعة الفيلم السينمائى والحياة السينمائىة فإن لطيفة تلعب دور المطربة ملك بطلة الفيلم الذي يصور داخل الفيلم، وهي متزوجة ولها ابنة (الوجه الجديد «روبي») ويبدأ الوجه الجديد أحمد وفيق في ملاحقتها وهو شاب يبيع نفسه لمن تدفع ولهذا بعد أن يتخلص من ثرية عجوز تنفق عليه يقرر أن ينسج كل خيوطه حول «لطيفة» التي تعاني من احتياج عاطفي وفي هذه المساحة يحيل يوسف شاهين كل شخصياته الدرامية من الاحتياج العاطفي الى الاحتياج الجنسي وان سيطرة الرجل تأتي دائما تعبيرا عن هذا الاحتياج، وبهذا تذوب كل الفوارق ولهذا نجد ان «روبي» تحب (مصطفى شعبان) ابن السائق منذ أن كان عمرها 12 عاما وعلاقتها به لا تتجاوز الرغبات الجنسية، وجدتها (ماجدة الخطيب) تريد من والده الذي أدى دوره محمد الادنداني، أن يوافق على زواج ابنه من حفيدتها بل وترجوه الموافقة. يحاول يوسف شاهين ان يعقد مصالحة بين كل الطبقات والاتجاهات وكعادته يقدم الفقراء، ولديهم المبادئ والقدرة الجنسية بينما الاغنياء لديهم الأموال وان كان هذا لا يمنع من أن بداخلهم ايضا حسا وطنيا ورغبة وعطاء وقدرة على تجاوز كل الفوارق الطبقية والسياسية والدينية.

ان أحمد بدير في الفيلم هو المؤلف الذي يحب من طرف واحد فهو يحب لطيفة لكنها لا تشعربه بينما يؤدي زكي فطين عبدالوهاب دور المخرج في الفيلم داخل الفيلم، انه المعادل الموضوعي لشخصية يوسف شاهين، ولهذا فإنه يقلد في ادائه يوسف شاهين.

وتأتي النهاية عندما تكتشف لطيفة عن طريق حيلة من أحمد بدير ان الوجه الجديد أحمد وفيق لا يحبها ولكنه يحب فقط أموالها وتتركه وتطرده شر طردة من قصرها بينما ابنتها «روبي» تتزوج من مصطفى شعبان وان كان هذا لم يمنع انه في نهاية الفيلم عندما تغني في الأوبرا تجد انها تغني أحمد وفيق وهو يستقبل اغنيتها باحساس العاشق الولهان!! لو أن يوسف شاهين تمهل في فيلمه أكثر ومنحه في كل مشاهده قانونا واحدا وايقاعا واحدا لكان هذا الفيلم نموذجا للفيلم الاستعراضي لكنه لم يخلص للقانون الا في عدد محدود من المشاهد مثل تلك التي تم تصويرها في الاستوديو وفي محطة المترو وأيضا في الحي الشعبي الذي يقطن فيه أحمد وفيق بالاضافة الى عدد آخر من المشاهد تناثرت هنا وهناك.

ولهذا حدث تناقض في استقبال الفيلم. وبالطبع فإن القوة الضاربة في هذا الفيلم التي من أجلها قدم يوسف شاهين «سكوت حنصور» هي «لطيفة» وهذه هي المرة الأولى التي تقف فيها لطيفة امام كاميرا السينما. حاول يوسف أن يحصل من لطيفة على أقصى ما يمكن ولكنه أحالها الي صورة شاهينيه من يوسف شاهين ودخلت الى مداره الفني وقلدته في اسلوب الاداء ولهذا لم نشاهد لطيفة ولم نشاهد يوسف شاهين فهي لم تكن لطيفة بتلقائيتها التي نشاهدها وهي تغني ولم تستطع في نفس الوقت ان تستوعب مفردات يوسف شاهين في اسلوب الاداء، بينما الوجه الجديد أحمد وفيق افتقد الاحساس العاطفي الذي هو رأس مال الفنان، هذه هي التجربة الثانية له مع يوسف شاهين بعد فيلم «الآخر» الذي ادى فيه دورا ثانويا، ولكن لم أعثر بداخله على دفء الممثل وقدرته على التوصيل وكأنه دمية لا تحمل روحا.

مصطفى شعبان كان مقلدا ليوسف شاهين ولم يستطع الافلات من مداره. أحمد بدير كانت يعمل الفيلم لحسابه الفني، ولهذا قدم لمحات كوميدية خاصة تشعر انها من وحي تفكيره واضافته، وهذا هو ايضا ما حاولت أن تحققه ماجدة الخطيب.

ويبقى لدينا الوجه الجديد «روبي»، واعتقد ان يوسف شاهين فتح لها بهذا الفيلم أبوابا عديدة، انها لا تمتلك الجمال الصارخ لكنها لديها الحضور الطاغي وجاذبية الانثى، بالاضافة الى ان كاميرا السينما لم تجرح تلقاءيتها وان كانت في عدد من المشاهد العاطفية بينها وبين أحمد وفيق كان يبدو عليها الافتعال لأنها كانت تحاكي اداء مفروضا عليها، ولهذا كانت نظرتها الى أحمد وفيق التي من المفروض انها تحمل رومانسية، أدت الى الى أضحاك الجمهور بسبب التصنع والمبالغة.

من أنجح الاغنيات تلك التي يبدأ بها يوسف شاهين الفيلم ومطلعها: تعرف تتكلم بلدي والتي كتبها جمال بخيت ولحنها عمر خيرت كان اللحن مليئا بالايحاء الفني والجملة الموسيقية بها قدر كبير من الألفة.

من العناصر الجيدة في الفيلم الموسيقى التصويرية لعمر خيرت وديكور حامد حمدان. مدير التصوير الفرنسي بيير دوبيه نجح في تنفيذ مشاهد الاستعراضات والمجاميع ولكن في عدد من اللقطات الكبيرة على وجه لطيفة كان يبدو على ملامحها حزن بسبب توزيع الاضاءة وهو حزن غير مبرر دراميا!! الفيلم مغامرة فنية ليوسف شاهين حاول فيها أن يصل الى التعبير الموسيقي والاستعراضي بالكلمة والنغمة والظل والضوء والحركة والسكون، كانت النوايا عظيمة والامكانيات المتاحة له ايضا كان من الممكن ان تصل به الى نتائج فنية أفضل لكنه لم يمنح فيلمه مزاجا فنيا واحدا ولهذا جاءت مغامرة يوسف شاهين هذه المرة ليست له ولكن عليه!