«عصبة الأنصار» تكفر كل الأنظمة باستثناء طالبان و«أميرها» أبو محجن مطلوب للعدالة بتهمة الإرهاب

مخيم «عين الحلوة» الفلسطيني في جنوب لبنان مقرها الرئيسي

TT

تدرج الولايات المتحدة لبنان في عداد البلدان التي تقوم على ساحتها تنظيمات وتشكيلات ارهابية اعلنت، مع تحالف دولي واسع، الحرب عليها منذ الهجمات الانتحارية على نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر (ايلول) الماضي. وتأتي منظمة «عصبة الانصار» الفلسطينية في مقدمة هذه التشكيلات الناشطة في الساحة اللبنانية على اعتبارها مصنفة كـ«امتداد» لتنظيم «القاعدة» الذي يتزعمه اسامة بن لادن، ولضلوعها في اعمال عنف اكدتها السلطات الامنية والقضائية اللبنانية، بدءاً من اغتيال زعيم «جمعية المشاريع الاسلامية» (الاحباش) في بيروت، الشيخ نزار الحلبي، في اغسطس (آب) 1995، مروراً بالاعتداء على امن الدولة في جرود الضنية بشمال لبنان مطلع عام 2000، وارتكاب عناصرها العديد من عمليات التفجير والاغتيالات في ساحل الشوف ومناطق صيدا في الجنوب اللبناني في تواريخ مختلفة. وفي ما يصف وزير الداخلية اللبناني الياس المر «عصبة الانصار» بأنها «منظمة ارهابية» يذهب النائب العام التمييزي القاضي عدنان عضوم الى حصر تهمة الارهاب بالشخص او الاشخاص الذين يرتكبون «اعمالاً ارهابية كارتكاب جرائم القتل بواسطة المتفجرات وخلق اجواء ذعر». وفي هذا السياق يوضح عضوم ان القضاء اللبناني لاحق «أمير» عصبة الانصار احمد عبد الكريم السعدي الملقب بـ«ابو محجن» وعدداً من افرادها الذين قاموا بأعمال ارهابية من خلال استعمال المتفجرات والذين حوكموا لارتكابهم جريمة قتل الشيخ نزار الحلبي. ويستطرد (عضوم) ان القضاء لا يعطي عنواناً ارهابياً للمجموعة (عصبة الانصار) ككل، ويشير الى ان هذا التصنيف للعصبة هو «سياسي امني». ومن الاعمال الارهابية التي اتهم ابو محجن وعصبته بتدبيرها ـ حسب ملفات القضاء اللبناني:

ـ ارتكاب جريمة قتل الشيخ نزار الحلبي في بيروت في 31 اغسطس 1995. ـ تفجير محطة زهير الراعي في صيدا في 11 اغسطس 1994. ـ تفجير مستوعب يملكه مصطفى عطايا لبيع المشروبات الكحولية في 25/11/1995. ـ انفجاران في مخيم عين الحلوة (الفلسطيني) وقرب تمثال مقبرة الانجليز في صيدا. ـ انفجارات في محيط المخيم اواخر صيف 1994 وفي فبراير (شباط) 1995. ـ اكتشاف شبكة لعصبة الانصار في بيروت اتهمت بـ«الحض على الاقتتال المذهبي» ومن بين افرادها زكريا شاتيلا وابراهيم خالد محيو اللذان اعترفا بانهما تلقيا تدريبات خلال العامين 1994 و1995 في السودان، كما خضعا لتدريبات في بيروت على ايدي ضباط سودانيين اقاموا في فندق «بافيون» في منطقة الحمرا وكانوا ينسقون مع «ابو محجن» واستطلعوا الشارع الذي نفذت فيه جريمة قتل الشيخ نزار الحلبي قبل عملية الاغتيال. ـ اكتشاف «شبكة طرابلس» التابعة للعصبة المرتبطة بـ«ابو محجن» والتي اسندت اليها محاولة اغتيال مفتي طرابلس وشمال لبنان الشيخ طه الصابونجي ونائب رئيس جمعية المشاريع الاسلامية (الاحباش) الشيخ طه ناجي في منطقة سير الضنية (الشمال). ـ إثبات التحقيقات الامنية والقضائية ان «ابو محجن» هو ابرز من خطط للاشباكات في جرود الضنية بين الجيش اللبناني والمجموعات الاصولية المسلحة مطلع عام 2000 والتي ادت الى مقتل احد عشر عسكرياً من الجيش من بينهم ضابط برتبة عقيد ومقتل 16 من المسلحين ابرزهم قائد المجموعات المسلحة بسام كنج الملقب بـ«ابو عائشة» فضلاً عن مقتل ستة مدنيين واصابة 36 بجروح. واشارت التحقيقات الى ان الضالعين في هذه الاحداث كانوا يترددون على «مخيم عين الحلوة» في صيدا (مقر ابو محجن). ـ ويشتبه في ان «ابو محجن» وجماعته هم الذين نفذوا جريمة اغتيال اربعة قضاة لبنانيين على قوس محكمة الجنايات في مدينة صيدا في شهر يوليو (تموز) عام 1999، لكن هذه الشبهات لم تتأكد لتواري المنفذين وعدم اقفال ملف التحقيقات بعد. ـ دعاوى عدة يلاحق بها ابو محجن امام القضاء العسكري اللبناني بعضها صدرت الاحكام بشأنه غيابياً على ابو محجن وبعضها الآخر لا يزال قيد النظر امام المحكمة. وفي اطار هذه القضايا اصدر القضاء اللبناني حكماً غيابياً بالاعدام على ابو محجن في جريمة اغتيال الحلبي. (فيما نفذ حكم الاعدام بثلاثة من اتباعه وحكم على عشرة آخرين بالسجن). كما حكم عليه (غيابياً ايضاً) بعقوبة الاعدام لدوره في محاولة اغتيال الشيخ الصابونجي والشيخ ناجي وفي اشباكات الضنية بين الجيش والاصوليين. ويصف القضاء اللبناني في بعض قراراته الاتهامية، «ابو محجن» بأنه «الرأس المدبر للعمليات (الارهابية) وقد استطاع من خلال فكره ونظرته العقائدية تجنيد العشرات من الشبان اللبنانيين والفلسطينيين بعد شحنهم فكرياً وتهيئتهم نفسياً لقيام دولة اسلامية في لبنان ينصب عليها اميرا للمؤمنين، وانشأ مجلس شورى يتولى ادارة شؤون المسلمين... وكان يحض جماعته على الجهاد لتغيير الوضع القائم بقوة السلاح (بحجة) «ان المسلمين مهمشون» (هذا التوصيف ورد في حيثيات القرار الاتهامي في احداث الضنية التي ينظر فيها المجلس العدلي وهو اعلى محكمة قضائية في لبنان تصدر احكاما مبرمة). من هو «ابو محجن»؟

ما هي «عصبة الانصار»؟

يصنف «ابو محجن» على انه «رأس» امتدادات بن لادن في لبنان وقد بدأ تسليط الاضواء عليه اثر اغتيال زعيم «الاحباش» في بيروت الشيخ نزار الحلبي عام 1995. وتردد انه لجأ في حينه الى مخيم عين الحلوة، وحشدت السلطة اللبنانية قوات كبيرة حاصرت المخيم واتخذ مجلس الوزراء قراراً بدخوله اذا لم يسلم «ابو محجن» طوعاً انفاذاً لقرارات القضاء لكن الامر لم يحسم وتراخت الاجراءات الامنية حول المخيم تباعاً ولم تتمكن السلطة من دخوله بذريعة ان ذلك سيؤدي الى صراعات دامية مع الفلسطينيين، وهكذا بقي «ابو محجن» وجماعته بمنأى عن متناول العدالة. وتردد انه غادر المخيم وغاب عن الانظار منذ 3 يناير (كانون الثاني) عام 1996 وتسلم المسؤولية العلنية على جماعته عدد من مساعديه وبينهم شقيقة الملقب بـ«ابو طارق السعدي». ويقول انصاره انه «في اراضي الله الواسعة وسيعود فاتحاً». الاسم الكامل لـ«ابو محجن» هو احمد عبد الكريم السعدي، فلسطيني ـ مواليد 1967 (وفي مرجع آخر عام 1963) في مخيم عين الحلوة، يعود اصله الى بلدة طيطبا ـ قضاء صفد (الجليل الاعلى). لقب «ابو محجن» تيمناً برجل كان يدعى بالاسم ذاته عاش في عصر الخلافة الراشدة، وكان سكيراً فعاقبه الخليفة عمر بن الخطب بالسجن الى ان تاب وعاد فاشترك في معركة القادسية واستبسل فيها. ـ والدته سكينة (توفي والده عام 1999)، متزوج وله خمسة اولاد. ـ انهى المرحلة المتوسطة من دراسته في مدارس «الاونروا»، ثم تتلمذ على بعض المشايخ لتحصيل علوم دينية. ـ يعرف عنه تشدده في فرض السلوك الديني، يحاسب بشدة من يفطر في رمضان علنآً او من يقص شعره على الطريقة الاميركية او يشرب الخمر. ـ تزعم «عصبة الانصار» بعد مقتل مؤسسها الشيخ هشام الشريدي (المعروف بأبي عبد الله) في ديسمبر (كانون الاول) عام 1991. ـ نشأت «عصبة الانصار»، ويتراوح عديدها اليوم بين 150 و200 عنصر ومسؤول ميداني وسياسي عام 1985، وكانت تحمل سابقاً اسم «حركة انصار الله»، على يد الشيخ هشام شريدي الذي قاد مجموعات مسلحة اشتركت في معارك شرق صيدا ضد «القوات اللبنانية» (المحظورة حالياً) وفي حروب المخيمات. ـ برز اسم الشريدي عام 1988 في عين الحلوة ومنطقة صيدا حيث بدأ يلقي خطبة الجمعة وهو يحمل سلاحه ويطلق التهديد والوعيد ضد الفصائل الفلسطينية الاخرى، وقد عرف عنه تشدده في المسائل الشرعية وميله الى استعمال القوة لحسم الامور. ينظر الى «عصبة الانصار» على انها من التنظيمات الاسلامية الصلبة، وينفي عنها انصارها ان تكون حركة سلفية، ويصنفونها على انها من الحركات الاسلامية المجاهدة المتأثرة بالفكر الافغاني، وهي لا تشكل اطارا فكرياً موحداً. ويتبنى عناصرها افكار عدة تنظيمات اسلامية، وهم متأثرون بافكار «الاخوان المسلمون» و«حزب التحرير» وبعض الجماعات الاسلامية المسلحة في الجزائر ومصر، ويدرسون في حلقات كتاب «رسالة العمرة في اعداد العدة للجهاد في سبيل الله». لا تلتزم «العصبة» مذهباً معيناً، بل تدرس في دوراتها التثقيفية المذاهب الاسلامية الاربعة لأهل السنة، وتكفر كل الانظمة العربية والاسلامية باستثناء حركة طالبان التي تعتبرها «حركة اسلامية مجاهدة»، كما ترفض الديمقراطية وتستغرب دفاع بعض المسلمين عنها وتشبيههم لها بالشورى، وتدين النظام الاسلامي في ايران بصفته «نموذجاً جمهورياً بعيد عن الدولة الاسلامية الحقيقية».

تنفى علاقتها المباشرة مع بن لادن، لكن مسؤوليها يرونه «مسلماً مخلصاً يعمل في سبيل الله ويسير على منهاج النبوة». كما تنفي تلقيها اموالا من بن لادن وتقول انها تحصل على المساعدات من «اشتراكات انصارها والتبرعات والزكاة من المخيم وخارجه». تتألف الهيكلية القيادية لـ«عصبة الانصار» من: الامير المرشد (وهو ابو محجن)، الامير الوزير (وهو الرجل الثاني)، اضافة الى مجموعة من المستشارين، وما عدا ذلك فان توزيع المسؤوليات محاط بالسرية الشديدة. والمعروف من المسؤولين حالياً:

ـ ابو عبيدة ـ نائب امير «العصبة» ويتولى مسؤولية «الامير» في غياب ابو محجن. ويبلغ وابو عبيدة حوالي الاربعين من العمر.

ـ الشيخ ابو شريف عقل (33 عاما). ـ ابو طارق السعدي (33 عاما) شقيق ابو محجن. ـ الشيخ احمد (30 عاما). ومعظم قادة «العصبة» وعناصرها من ابناء «عين الحلوة» وبعضهم كان منتمياً الى مجموعات اسلامية وفصائل اخرى قبل انخراطهم في «العصبة». تضفي «العصبة» على عديدها وتشكيلاتها واماكن انتشارها الكثير من السرية خاصة في المناطق المفتوحة لاعين السلطة بما فيها المخيمات، لكن «مخيم الطوارئ» عند المدخل الشمالي لمخيم عين الحلوة، يعتبر المعقل الرئيسي لـ«إمارة عصبة الانصار» ويلاحظ انتشار عناصر مسلحة من العصبة ليلاً في هذه المنطقة بأسلحتهم الرشاشة والقاذفات الصاروخية المحمولة على الكتف. يفاخر بعض عناصر «العصبة» بالتهم التي تنسب اليهم مثل بعض الاغتيالات وتفجير المحال التجارية بحجة ان عملهم يندرج في اطار «تطهير المجتمع من الفاسدين». =