مستشار كلينتون: العسكريون الباكستانيون وجهوا صواريخهم النووية نحو الهند أثناء أزمة كارجيل.. من خلف ظهر رئيس الوزراء

TT

ورد في مقالة كتبها مستشار للرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون لجنوب اسيا، ان باكستان كانت على وشك اطلاق صواريخ نووية عام 1999، في الحرب الحدودية مع الهند، مما كان من شأنه ان يدفع البلدين الى المواجهة النووية الشاملة بصورة لم تكن معروفة وقتها. وقال بروس رايديل، أحد كبار المسؤولين في مجلس الامن القومي، في ادارة كلينتون، ان الاستخبارات الاميركية تجمعت لديها «شواهد مزعجة بان الباكستانيين كانوا يعدون اسلحتهم النووية لاطلاق محتمل». وان ذلك حدث عندما كانت الهند تتأهب لصد تدخل تدعمه القوات الباكستانية في اقليم كشمير المتنازع عليه، وكانت الاصابات في اوساط القوات الباكستانية كبيرة، في وقت عبأت فيه الدولتان كل قواهما في اطار مواجهة شاملة.

وقال رايديل ان الرئيس كلينتون واجه رئيس الوزراء نواز شريف، في اجتماع متوتر عقد يوم 4 يوليو (تموز) ببلير هاوس، بهذه المعلومات الاستخبارية، وسأله ان كان على علم بان قواته المسلحة كانت تستعد لاطلاق صواريخ متوسطة المدى برؤوس نووية، ولكن نواز شريف اعرب عن دهشة بالغة.

وأطيح بشريف بعد ذلك بثلاثة اشهر عن طريق انقلاب عسكري قاده الجنرال برويز مشرف، الذي كان يدير كل النشاطات العسكرية الباكستانية، والذي يعتبر حاليا حليفا قويا للولايات المتحدة في حربها ضد منظمة «القاعدة» وميليشيات طالبان.

وتشير رواية رايديل التي اكدها مسؤولون اميركيون آخرون، الى ان احتمالات الحرب كانت في ذلك العام، أقوى منها في أي وقت مضى منذ المواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي عام 1962، ابان ازمة الصواريخ بكوبا.

وكتبت هذه المقالة لصالح مركز الدراسات المتقدمة حول الهند، بجامعة بنسلفانيا، وعرضتها لاول مرة صحيفة «صنداي تايمز» اللندنية. وقد ظهرت المقالة في وقت حشدت فيه الهند وباكستان قواتهما من جديد على الحدود، وتصاعد التوتر بين الجارتين النوويتين. وافتتحت كرستينا روكا، مساعدة وزير الخارجية لشؤون جنوب اسيا، محادثات يوم امس من اجل الوصول الى حل للنزاع الذي بدأ منذ ديسمبر (كانون الاول) الماضي، عندما قامت مجموعة من المسلحين بهجوم دموي على البرلمان الهندي تعتقد الهند ان المجموعات الاصولية المسلحة بباكستان هي التي دبرته. وظهرت الصعوبات المحيطة بمهمة روكا مباشرة عندما اطلق مسلحون يوم امس النار على احدى الحافلات وعلى معسكر للجيش الهندي بكشمير، مما ادى الى قتل 30 شخصا على الاقل.

وكان مساعد وزير الدفاع الاميركي، دوغلاس فايث، قد قال في مؤتمر حول العلاقات التجارية في مجال الدفاع بين اميركا والهند، ان ادارة بوش، «مهتمة اهتماما شديدا» بالمخاطر التي يمكن ان تترتب على حالة التعبئة العسكرية التي استمرت خمسة اشهر بين باكستان والهند، مما يقوي من احتمالات الحرب النووية. ولا تهتم ادارة بوش بهذه المواجهة فقط لاحتمالات اندلاع حرب نووية، بل لان المواجهة تعرقل الحملة الاميركية ضد عناصر «القاعدة» التي تعبر الحدود من افغانستان الى باكستان. وظل العسكريون الاميركيون يحثون باكستان منذ عدة اسابيع على شن هجوم على جيوب «القاعدة» الموجودة حاليا في المناطق شبه الجبلية المعروفة بمنطقة القبائل على الحدود مع افغانستان. ولكن باكستان ردت بانها لا تستطيع ان تفعل ذلك، جزئيا، لانها نشرت 80% من قوات جيشها على الحدود مع الهند.

وتصاعدت المواجهة قبل ثلاث سنوات عندما قامت قوات تدعمها باكستان، باحتلال مواقع عسكرية بالمنطقة الجبلية النائية المسماة بمنطقة كارجيل الواقعة على الجانب الهندي من الخط الفاصل بين الهند وكشمير. وقد ردت القوات الهندية بشن هجوم عنيف لاسترداد المرتفعات. وقبل سنة واحدة من ذلك التاريخ كان البلدان قد اجريا تجارب نووية ناجحة. اما المواجهة الاخيرة فقد ظهرت دلائل تشير الى انها يمكن ان تتصاعد بصورة لا سابق لها.

وقال رايديل إن ادارة كلينتون واجهت «واقع المواجهة بين دولتين اجرت كلتاهما تجارب نووية، ويمكن لصواريخهما ان تطلقا على مدى قصير بحيث لا تزيد الفترة بين اطلاق الصاروخ وبين اصابته للهدف عن ثلاث او خمس دقائق». واضاف: ان بعض التقديرات الدقيقة تشير الى ان ضرب باكستان لبومباي بقنبلة صغيرة يمكن ان يؤدي الى موت 850 ألفا من الضحايا.

وأكد مسؤولون اخرون في ادارة كلينتون صحة المعلومات التي اوردها رايديل حول ان الادارة كانت قد تلقت انباء مزعجة عن استعدادات باكستان النووية، إذ قال ستروب تالبوت، نائب الوزير السابق للخارجية: «كانت المعلومات كافية لتجعلنا نتعامل معها بمنتهى الجدية». واضاف ان أزمة كارجيل تنطوي على كل امكانيات التحول الى مواجهة شاملة. وقال مسؤول آخر في ادارة كلينتون كان مكلفا بمتابعة القضية ان الولايات المتحدة علمت ان باكستان اخرجت صواريخ جوري متوسطة المدى، والقادرة على حمل الرؤوس النووية، من مخابئها ونقلتها الى مواقع جديدة. واوضح ان تلك التحركات يمكن ان تكون ذات طبيعة عدوانية، وربما كان الهدف منها حماية الصواريخ عن طريق توزيعها تفاديا لضربة وقائية تقوم بها الهند. واوضح المسؤول السابق انه لا يذكر ما اذا كانت هناك شواهد استخبارية اخرى على استعدادات اضافية.

هذه المعلومات التي تشير الى قلق المسؤولين الاميركيين حول البرنامج الصاروخي الباكستاني، تنطوي على اهمية خاصة، لان التحليل الاميركي كان ينصب اساسا على ان اسلام اباد ستستخدم الطائرات في اسقاط رؤوسها النووية. والحقيقة ان مسؤولا اميركيا سابقا، كان على صلة بالازمة قال ان معلومات رايديل دقيقة فيما عدا ايحاءه بان باكستان كانت ستستخدم الصواريخ في اطلاق الاسلحة النووية، وليس القاذفات.

وعندما تصاعدت المواجهة حول منطقة كارجيل، عقد كلينتون وقتها اجتماعا مع مستشاره للامن القومي، صمويل بيرغر، وغيره من كبار المسؤولين، وذلك قبل الاجتماع برئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، الذي وصل الى واشنطن في زيارة عاجلة. ويتذكر رايديل، ان «الروح التي سادت الاجتماع كانت كئيبة. وقد افتتح ساندي بيرغر الاجتماع بان قال للرئيس ان هذا ربما يكون اهم اجتماع للسياسة الخارجية في كل رئاسته، لان المخاطر تنطوي على اشتعال حرب نووية».

وبعد بداية الاجتماع مع المسؤولين الباكستانيين، يوم 4 يوليو، طلب كلينتون من باكستان ان تسحب قواتها والميليشيات المتحالفة معها من الجانب الهندي من الخط الفاصل بين الهند وكشمير. وقد انسحب كل المسؤولين بعد ذلك، وتركوا كلينتون ونواز شريف رايديل وحدهم.

وقال رايديل: «سأل كلينتون رئيس الوزراء نواز شريف عما اذا كان ملما بمدى قرب الحرب النووية حقيقة؟ وقال له هل تعرف ان جنرالاتك يعدون صواريخهم ذات الرؤوس النووية للانطلاق؟ وقد ظهرت الدهشة على شريف ولم يزد على ان قال ان الهند ربما كانت تفعل الشيء ذاته. وذكر كلينتون رئيس الوزراء الباكستاني بالمواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي عام 1962، وكيف كانت الحرب النووية وشيكة الوقوع بينهما حول أزمة الصواريخ الكوبية. وهل يعلم شريف انه اذا اسقطت قنبلة نووية واحدة.. وبادر شريف باتمام الجملة قائلا «ستكون هذه كارثة».

وبعد ضغوط مكثفة وافق شريف على اصدار الاوامر لقواته بالانسحاب من كشمير، وصار ممكنا حينها تفادي الاحتمالات الخطيرة لنشوب حرب نووية.

ولكن المسؤولين الاميركيين يقولون انه اذا لم يحدث انفراج حقيقي بحل مشكلة كشمير فان مثل تلك المواجهة يمكن ان تحدث في اية لحظة.

وقال كارل اندرفورث، مساعد وزير الخارجية لشؤون جنوب آسيا في عهد الرئيس كلينتون: «من الواضح ان التوتر يزداد نتيجة الحادث الاخير في كشمير. ويمكن لشرارة اخرى ان تقدح. وحينها سيصبح الامر اكثر خطورة من كارجيل اذا لم يوجد حل سريع للمشكلة».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»