صدام حسين: لن تنال منا أي قوة حتى لو استعانت بالشياطين

الرئيس العراقي في ذكرى 17 تموز: لم نرد أن نكون مجرد نظام يختلف جزئيا عما سبقه

TT

اكد الرئيس العراقي صدام حسين تلميحا امس ان الولايات المتحدة التي اظهرت تقارير اميركية انها تعد خططا عسكرية لاطاحته لن تقدر على تحقيق ذلك حتى لو استعانت بـ«كل الشياطين» في اشارة، على ما يبدو، الى المعارضة العراقية والحكومات التي يمكن ان تقدم تسهيلا للعملية العسكرية المفترضة ضد بغداد.

وفي هذا الصدد قال الرئيس العراقي في مفتتح خطاب سنوي لمناسبة ذكرى انقلاب 17 تموز (يوليو) 1968 الذي جاء بحزب البعث الذي يقوده الان صدام الى السلطة «عاد تموز ليقول لكل الطغاة والجبابرة والأشرار في العالم: أنكم لن تقدروا عليّ، هذه المرة، أبدا لو تجمعتم من كل أنحاء الدنيا، وجمعتم الى جانبكم وباسنادكم، أو محرضين لكم، كل الشياطين ايضا». وذلك بعد ان ابتدأ خطابه بالآية الكريمة «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.. ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فأنصرنا على القوم الكافرين». وفي تلميح الى استعدادات العراق لمواجهة الهجوم المحتمل قال الرئيس صدام حسين «عاد تموز إلينا، والى أمته، حاملاً أدوات الاعمار والبناء، بعد ان اكتسب من تجاربه حكمة، وفطنة، ومن إطلالته على غيره عبراً وسعة أفق، لكنه عاد هذه المرة ايضاً، وهو يحمل كل هذا، متمنطقاً بسيفه، وقوسه، ورمحه، وبيده ترسه، أو بندقيته ومدفعه، أو على ظهر دبابته، أو في خندق القتال الذي قد يدفع فيه التحسب ليكون سببا للنجاة من الدسائس والمؤامرات والغدر وليحمي كل عزيز.. عزيز.. عزيز، بإذن القادر العظيم».

وخاطب العراقيين والعرب بالقول «أيها الاخوة، يا جرح روحي كلما أصابكم جرح وأذى الأجنبي وتابعيه، وقرة عيني وعين كل شريف غيور وانتم تواجهون باقتدار الظلم والأذى، دون ان تنال سهام الطاغوت وأعوانه من روحكم، وعزيمتكم، وايمانكم، وموقفكم، وارادتكم، وولائكم، ونبل مقصدكم.

يا أخوتي، وأبنائي، وروحي.. أهل الرباط والجهاد في العراق وفلسطين، وفي الوطن العربي الكبير، أو حيثما كنتم في ساحاتها.. ها نحن نستذكر معكم ثورتكم، لنحتفي بخط بدايتها وانطلاقها والمعاني العظيمة التي حملها المؤمنون بمسيرتها، ويطوف بنا الخيال في رحاب معانيها».

وامتدح الرئيس العراقي حصيلة ما تحقق منذ انقلاب «ثورة» 17 يوليو ودوره شخصيا في مسيرته «صاحب الخطاب إليكم، وهو الذي كان له دوره الذي تعرفون في بذرها ورعايتها، الى ان أورقت وازهرت واثمرت، فأينع عطاؤها، واشتد ساعدها، بعد أن تصلب عودها واستقام». وفي ما تبدو انها اشارة الى السياسات الراديكالية التي انتهجها حكم البعث في العراق خلال الحقبة الماضية، قال الرئيس صدام حسين في خطابه امس «أننا لم نقبل بأن نتحول الى محض نظام وحكومة، نختلف اختلافاً نسبياً وجزئياً فحسب عن الأنظمة التي سبقتنا في وطننا العربي الكبير، وفي رحاب امتنا، ولم نقبل أن نقيس همتنا ومبدئية فعلنا بما كنا عليه في عام 1968 أو عام 1969 لنعتبرهما خطوات البداية الأكثر مبدئية لنا، ولا بالأعوام التي بعدهما، بل ولا نقبل أن نقيس الخطوة الواجبة الان بأي من خطوات زمن السنين التي سبقت أم المعارك، ونعدل على أساسها، كقياس للمبدئية الأعلى، أي خطوة لا تحقق صورتها.. ولا حتى ان نقيس الخطوة الواجبة الآن بموقف وخطوات اتخذناها قبل ست سنوات من الآن، سواء فيما يتعلق بمصالح شعبنا العراقي في الداخل، وما ينبغي لتطوير الهمة لأغراض البناء، والعدالة الاجتماعية، وضوابط الايمان، أو في ميدان فكرنا القومي الإنساني المؤمن، وتطبيقاته العملية بقياس مبادئنا إزاء امتنا المجيدة، ولا مواقفنا في ايماننا إزاء جهاد أو نضال المؤمنين في العالم ضد الإمبريالية، والتسلط، والظلم والطغيان، واغتصاب حقوق الآخرين.. بل صعود وصعود وصعود تشكل الهمة والقدرة التي هي، قبل أي خطوة فيه، قاعدة وثوب لخطوات أخرى، بموجب همة وقدرة جديدتين، أرقى وانقى في خدمة مبادئ الأمة والشعب، بما يبقي الارتقاء مستمراً ويزيد دقة ومكنة اتصال خطوات الفعل بالمبادئ العظيمة، وقياسنا الحاسم، عندما تتعدد الاختيارات والصور أمامنا، ليس حالتها المتواضعة، وانما الحالة الأعلى والانقى، ومقاسها، ان تعذر إبداع نموذج قياسي لها من مبادئنا لهذا العصر، نماذج امتنا الأصيلة في صدر الرسالة، وأي نموذج عظيم لما بعد ذلك. أليس هذا هو ما تلاحظونه وتلمسونه في مسيرة ثورتكم العظيمة، مقارنة بمبادئها؟».

وقال ايضا ان هذه المسيرة «ستكون عصية على الأجنبي وما تسمعون عن جعجعته، وان الرياح ستذرو جعجعة الأجنبي كطاغوت طامع شرير عدو الله، وان العـراق سينتصر.. سينتصر.. سينتصر.. بل هو منتصر بأذن الله، وان شعب فلسطين سينتصر، بل لقد انتصر شعب فلسطين، بموقف كل فلسطيني وفلسطينية، وتضحياتهم السخية، واستعداهم للمزيد».

واعتبر الرئيس العراقي في اشارة منه على ما يبدو الى جماعات المعارضة العراقية التي تتلقى دعما ماليا وسياسيا من الولايات المتحدة والتي يعتقد ان واشنطن تسعى لتوليتها السلطة في بغداد بعد اطاحة صدام «أن النعمة التي تأتي سفاحا أو منـّة، أو مصدرها خارجي، يذهبها الإثم والضعف أمام منـّة وطمع الأجانب.. والنعمة التي تبنى بسواعد أهلها وكدهم وعرقهم مالا وحالاً حلالا، يثبتها الله حيث هي، وتربو بجهود أبنائها، بعد الاتكـال على الله، وان من يبني بلده بنفسه، يكون قادراً على أن يدافع عن نفسه وبلده بقدراته الذاتية، ومن يبني ويفكر آخرون نيابة عنه أو يقدمون له الحماية ويدافعون عنه، او يصيرونه حاكماً على شعبه، يستطيع هؤلاء الآخرون، متى شاءوا، أن يهـّدوا البناء على رأسه، ويذلوه.. وان المستقبل، في جانب أساس منه، جزء من خطوات الحاضر، ومن كانت خطواته في الحاضر رصينة ودقيقة ومقتدرة ومميزة، ضمن المستقبل، بإذن الله، له وللأجيال التي تسعى الى أهدافها على وفق روح أرادته.. ومن تخلف، وتكاسل، واتكأ على غير جهده، كان المستقبل أمامه مضطرباً غير مستقر، ولا ينطوي على أية ضمانة لتحجز حصة فيه، له، ولمن سيكونون على شاكلته من الأجيال التي بعده».

ودعا صدام العراقيين الى القتال «بحمية، ونخوة، وصبر، وجلد مثلما أنتم، حيثما أكرهتم على هذا، دفاعاً عن همتكم، وروحية فعلكم وايمانكم، لأنها مصدر البناء والازدهار والاستقلال والحرية والاستقرار والعدل والانصاف الذي تنشدون»، معتبرا «ان من يساوم على المبادئ، لا ضمان فيه، ولا أمان» وان «من لا ينطوي شارباه من الرجـال على رعد حمية، وبرق نخوة، عندما تتعرض أمته وشعبه الى ضيم، لا يصلح راعياً، او قائداً، أو ضمانة لشعبه ولأمته. ومن يريد من الآخرين أن يتذكروا المروءة، عليه أن يحفظها في ضميره، ويتذكرها ويطبقها في فعاله».

وخصص الرئيس نحو الربع الاخير من خطابه للدعاء والابتهال. ومما قاله «ربنا انك رب كل الاتجاهات والأبعاد، وما خلقت ومن خلقت، ورب من أنت ربه، فسبحانك صاحب العرش العظيم، والقدرة المكين، فأنصرنا ربنا على القوم الكافرين، مثلما نصرتنا في أهدافنا وفعلنا، وحفظتنا من كل تهلكة يومي السابع عشر والثلاثين من تموز عام 1968 وما بينهما، وما بعدهما، ومثلما مكنت ارادتنا لتكون صلبة راسخة بوجه أعدائنا واعداء امتنا بعد ذلك التأريخ، وحتى يومنا هذا، اللهم ربنا ورب كل شيء، واسم وحال من نعلم أو لا نعلم. الظاهر منها والباطن. وخالق كل اسم وشيء وحال، الصالح منها او ما نراه طالحاً.. زد السكينة في نفوسنا، واربط على قلوبنا ما يقوي فيها كل ما تريده لعبادك المؤمنين الصادقين، وادخل السكينة، واربط، ربنا، سبحانك، على قلوب المؤمنين المجاهدين الصادقين في العراق وفلسطين، وفي ساحات جهاد ونضال امتنا الأخرى..

اللهم عليك توكلنا، وبك استعنا، ولأمرك اطعنا، فأحمنا من دسائس الشيطان وممن هو وليهم، واحمنا مما تشتط به نفوسنا، وعزز معاني وحال المحبة والولاء لنا في شعبنا، وعزز وزد وعمق معاني وحال المحبة التي في قلوبنا، والحنّو والإعزاز الذي في نفوسنا وضمائرنا ازاء شعبنا العظيم، وامتنا المجيدة، ووفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه، ويسر لنا في امرنا، وابطش بأعدائنا، أعداء الله، واعداء امتنا والإنسانية، انك ذو القدرة المكين.

اللهم انك ربنا، فأحمنا ان أردت، أو فأكتبنا مع الشهداء.. انك على كل شيء قدير، أن اختيارك هو ما نرضاه، وليس دعوانا ألا التماس صاحب الإرادة والقدرة الأدنى من صاحب الإرادة والقدرة الاعلى، والمخلوق من الخالق، وبك، سبحانك، نستعين، وانك على كل شيء قدير».