لا يزال عرض مسرحية «ضد الحكومة» لفرقة المهندسين المتحدين الهواة، على خشبة أحد المسارح في العاصمة السورية، يثير جدلاً واسع النطاق بين مختلف الأوساط السورية ووسائل الإعلام الخارجي، في ضوء طبيعة الطروحات التي تطرحها هذه المسرحية، حيال الشأن الداخلي السوري.
يقول همام حوت، مخرج وبطل مسرحية «ضد الحكومة» في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إذا عالجنا بعض السلبيات الداخلية يمكن أن نصبح حضارياً من أرقى دول العالم، فالمطلوب الآن هو إعادة بناء تركيبة الإنسان العربي من الداخل، وتسمية الأمور بمسمياتها، وأن تكون ضد الحكومة لا يعني أنك ضد الوطن، ذلك أن على الحكومات العربية أن تصحح من مساراتها».
واضاف: «قد يقول قائل: أولم تُخدش بعد كرامة الإنسان العربي؟ هنا لا بد من القول إن الأنظمة العربية تعمل على امتصاص ردود الفعل الشعبية والصدمات التي يتلقاها الشعب العربي، في ظل وجود أراضٍ محتلة في سورية ولبنان والأردن وفلسطين وصراعٍ عربي ـ صهيوني».
وقال: في مسرحية «طاب الموت يا عرب»، تلك المسرحية التي حضرها الرئيس السوري بشار الأسد كأي مواطن عادي، قطع بطاقة ودخل إلى الصالة من دون أي مرافقين، تعرضت لجميع الزعماء العرب عبر الحديث عن القضية الفلسطينية وعن الوضع العربي منذ عام 1936 حتى الانتفاضة الحالية، وخلال هذه الفترة مر على كل بلد عربي عدد من القادة، لذلك لم أتعرض لقائد بعينه، وهنا أريد أن أوضح أنني لم أتوقف فقط عند السلبيات، بل توقفت عند الإضاءات، متجنباً نظرية الخيانة، وانتقدت مواقف الزعماء العرب، فليس هناك إنسان معصوم عن الخطأ، فالحاكم يخطئ ويصيب، لكن هناك أخطاء استراتيجية يمكن أن تؤدي بالقضية العربية إلى الهاوية كما حدث في غزو العراق للكويت وتأثير هذا الغزو على القضية الفلسطينية بينما توجد مواقف مشرفة ينبغي إبرازها، وقد انتقيت الأخطاء الاستراتيجية التي أخطأ بها الزعماء العرب من دون استثناء منذ العام 1936، بمن فيهم حكام سورية وسلطت الضوء عليها. إلا أن ثمة بقعاً إيجابية يجب تسليط الضوء عليها، ولدى تناولي السياسة السورية تعرضت لنكسة يونيو (حزيران) 1967، ورأيت أنه كان هناك خطأ كبير جداً أدى إلى استقالة جمال عبد الناصر. وحين نتعاطى كفرقة مع القضايا العربية، فإننا نضخم المشكلة بشكل كاريكاتوري لجعل المشاهد يحس بخطورة المشكلة، وأنا أرى أن الحل موجود بين أيدينا جميعاً، وان هناك هوة كبيرة بين الشعوب العربية وحكوماتها يجب العمل على ردمها، وإقامة جسر يربط بين الحكومات والشعوب، ليس في سورية وحسب بل في كل الدول العربية.
وقال: إذا كنا نريد تحقيق النصر علينا أن ننطلق بشفافية وصراحة ونصارح الشعب بحقيقتنا، وما لم نفعل لن نستطيع الانتصار، فالهم الوطني العربي واحد والهم الداخلي واحد، والهم الخارجي واحد، وقد أسقطتُ في «ضد الحكومة» بعض المواقف على سورية، وأسقطت فيها الكثير من المواقف على جميع الدول العربية، وقلت إننا لن نستطيع تحرير شبر واحد من الأرض ما لم نتحرر نحن من الداخل، وهنا أعود لأؤكد أن المطلوب الآن وبإلحاح شديد هو إعادة بناء الإنسان العربي لأن المواطن العربي مهزوم من داخله، هزمته حكوماته ومخابراته وأجهزة القمع العربية، لذا علينا أن نحرر المواطن العربي من الداخل لنستطيع تحرير أراضينا، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
واعتبر حوت أن أبرز شخصية قدمها في «ضد الحكومة» هي شخصية المسؤول العربي الذي يتلون بنفس اللباس والشكل ومن دون أن يرف له جفن، بين رجل الدين والموجه الأخلاقي والمحلل الاقتصادي والمحلل السياسي ورجل المخابرات.
وأكد ان مسرحية «ضد الحكومة» تعرض بشكل يومي على مسرح راميتا بدمشق والصالة تغص بالجمهور من كافة المنابع الثقافية والايديولوجيات الفكرية والمستويات الاجتماعية، وفي المقدمة منهم المسؤولون أصحاب القرار الذين يعنيهم مباشرة مضمون المسرحية والذين يشكلون أحد أهم ركائزها، وأقول بدقة متناهية إنه «بالاضافة الى الرئيس بشار الأسد، حضر عرض «ضد الحكومة» معظم كبار المسؤولين السوريين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء محمد مصطفى ميرو ونوابه العماد أول مصطفى طلاس والمهندس ناجي العطري ومحمد الحسين وجميع المسؤولين السوريين على مستوى القيادة القطرية للحزب أو ضباط المخابرات أو رؤساء الأجهزة الأمنية أو من السلطات العسكرية والإدارية، الذين وقفوا في نهاية العرض يصفقون بحماس لهذا العمل».
وذكر أنه لدى حضور رئيس الحكومة رحب به أمام الجمهور وقال بالحرف الواحد: «يبدو أن الشفافية التي طرحها رئيس الجمهورية الدكتور بشار الأسد بدأت تتجلى من خلال حضور كبار المسؤولين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الذي قام بعد انتهاء العرض بتهنئة أعضاء أسرة المسرحية بأكملهم فرداً فرداً ثم دعاني إلى رئاسة مجلس الوزراء وجلست في قاعة الشرف أكثر من ساعة، ونحن نتناقش نقاشاً ودياً في العرض ثم قدم مكافأة مادية إلى الفرقة لتساعدها في تقديم عروضها، في حين صعد العماد أول مصطفى طلاس بعد انتهاء العرض إلى الكواليس وقال يجب أن تُدعم هذه الفرقة، وأضاف: وكان رئيس إدارة المخابرات العامة السورية موجوداً، واوضح ان المخابرات موافقة على عروضنا وطروحاتنا «طالما أنتم تحبون هذا الوطن»، وهذه هي الصورة الحقيقية لموقف السلطات السورية من عمل «ضد الحكومة».
وأضاف: هنا لا بد من القول إننا إذا أردنا مساعدة الرئيس بشار الأسد في عملية التحديث والتطوير علينا أن ننتقد بشدة ولكن هذا النقد يجب أن يكون نابعاً من خلفية حب الوطن، فعندما تنتقد حباً بالوطن، فإن أي سلطة في الدنيا لا يمكن أن تقمع إنساناً لأنه يحب وطنه، هناك فرق كبير بين أن تنتقد لمجرد النقد، أو تنتقد لأنك منتمٍ لحزب سياسي معارض أو جماعة معارضة. وقد قال الرئيس بشار الأسد لنا وبالحرف الواحد «علينا جميعاً أن نشارك في عملية التطوير والتحديث»، ونحن نتبع هذه التعليمات ونجسدها على أرض الواقع بهذا العمل المسرحي. ودعني أقول بصراحة إن كان هناك من أوحى إلينا بهذه الأفكار النقدية الكبيرة والجريئة فهو الرئيس بشار الأسد، ففي كل دول العالم توجد سلبيات ولكن مهمة المثقفين والفنانين أن يوجهوا أنظار السلطة إلى هذه السلبيات لتلافيها وتجنبها. وقال «ان بعض المواطنين السوريين استغربوا كيف يمكن أن يقال مثل هذا الكلام على المسرح، وهم كانوا يخافون أن يقولوا هذا الكلام في غرف نومهم، هذا الكلام يقال الآن على خشبة المسرح، وأود القول إن الحرية دائماً تؤخذ ولا تعطى وليس هناك من رقيب على من يحب هذا الوطن، المهم أن تنطلق من حبك لوطنك ولأرضك من مبادئ وقيم صحيحة، وأنا اعتقد أن ليس هناك أي جهاز في الدنيا يمكن أن يقمع مواطناً لأنه يحب وطنه، فأن تنتقد مثلاً تصرفات رجال المخابرات في سورية، فهذا شيء لم يحدث باعتقادي في أي دولة عربية، نحن نُتهم في سورية بأننا بلد القمع والحزب الواحد والبلد الذي تحكمه أجهزة المخابرات، إلا أن وسائل إعلام أجنبية قالت إن الثقافة تنتعش في عصر بشار الأسد، ذلك أن في سورية من ينتقد أجهزة المخابرات من فوق خشبة مسرح للدولة وبرعايتها وبدعم مادي منها، إذن هنا في سورية انفتاح على الرأي الآخر».
وعما إذا كانت طروحاته وراء قدرته على طرح أفكاره، قال همام حوت: «أولاً أنا مهندس مدني، وكمواطن سوري أعيش في حلب ولا أحد يسمع بي خارجها، فوجئت خلال عرض مسرحية «طاب الموت يا عرب»، بوجود الرئيس بشار الأسد في الصالة بين الحضور، حيث علمت لاحقاً أنه اشترى بطاقة، ودخل مثل باقي المواطنين، جلس وتابع العرض وابتسم، ثم صعد خلال الاستراحة إلى الكواليس ليحيي الفرقة بأكملها، حتى من قدم له القهوة، وفي اليوم التالي دعانا إلى الغداء، وقال لنا حرفياً: «أنا معكم في كل توجهاتكم طالما أنتم تحبون البلد». لذلك فإنني اعتز جداً بصداقتي مع السيد الرئيس وهذه الصداقة ناجمة عن اختياره حضور مسرحيتي شخصياً وتقديم دعمه مادياً ومعنوياً واستقباله لأعضاء الفرقة وسؤاله الدائم عنها واهتمامه بها شخصياً، وحين تلتقي الرئيس بشار الأسد لا تشعر أبداً أنك أمام رئيس جمهورية، بل أمام إنسان متواضع خلوق، تشعر أنك أمام أحد النبلاء الفرسان العرب، أمام رجل عصري يسمي الأمور بمسمياتها، يعلم كل صغيرة وكبيرة تجري في سورية، ويمتلك مخزوناً هائلاً من المعلومات، ويعرف ما يريد، ويعرف كيف يصل إلى ما يريد، والأيام ستثبت ذلك.
وينهي همام حوت حديثه لـ«الشرق الأوسط» لافتاً إلى أن جميع أعضاء فرقة المهندسين المتحدين الـ 45 هم هواة من الأطباء والمهندسين وخريجي الاقتصاد والمحامين، وإلى أن الفرقة تعتمد على التجربة والخطأ، ومبدأ الواقعية النقدية وهو جزء لا يتجزأ من الحياة السياسية في الوطن العربي بأكمله، وأن الفرقة تلقت عروضاً من الأردن ولبنان والبحرين والكويت، أما عن سعر بطاقة مسرحيته فقد قال همام حوت إنه يتراوح بين 2 و8 دولارات وهو سعر رمزي.