استيقظت الكويت امس على عمليات مداهمة واعتقالات استمرت طوال الليل من سلطات الأمن للوصول الى دوافع الاعتداء الذي نفذه الكويتيان انس الكندري وجاسم الهاجري ضد القوات الاميركية في جزيرة فيلكا الكويتية وقتل فيه جندي أميركي وجرح آخر، كما قتل المهاجمان. وكانت القوات الاميركية الموجودة في الجزيرة لمناورات «ايغر ميس 2000» قد اعتقلت حوالي 30 شخصا في فيلكا مباشرة بعد الحادث وسلمتهم الى السلطات الكويتية للتحقيق معهم، كما اعتقلت اجهزة الامن الكويتية حوالي 65 شخصا في مناطق متفرقة في اطار التحقيق في القضية، ثم اطلقت سراح بعضهم في وقت لاحق. وحسب مصادر مطلعة، فان الحملة استلزمت استنفار جميع القطاعات الامنية وتطلبت الحصول على أذونات من وكلاء النيابة في منازلهم لمداهمة بعض المنازل في منطقتي الرميثية وسلوى، حيث يسكن المهاجمان. وترددت معلومات تفيد ان وزارة الداخلية بدأت حملة لاعادة التحقيق مع جميع الكويتيين الذين عادوا من افغانستان في الفترة الماضية في مسعى لكشف جميع خيوط القضية والوصول الى الدوافع الحقيقية للعملية. وتضيف المصادر ان استدعاء المطلوبين لسماع إفاداتهم كان يتم على مدار الساعة. ورغم الدلائل التي تشير الى وجود صلات للمهاجمين بتنظيم «القاعدة»، فإن الاوساط الامنية ترجح فرضية ان يكون الحادث فرديا، اي ان الكندري والهاجري نفذاه تحت تأثير ما يجري للفلسطينيين من مجازر على يد القوات الاسرائيلية، مدفوعين في الوقت نفسه بشريط اسامة بن لادن الاخير الذي حث على ضرب المصالح الاميركية في كل مكان.
وتعتقد مصادر أمنية ان المهاجمين ينتميان الى جماعة اسلامية متطرفة قريبة من تنظيم «القاعدة» وكانا قد شاركا في الحرب في افغانستان، لكنهما تمكنا من الفرار والعودة الى الكويت، وتشير الى وجود صلة قرابة بين الكندري وثلاثة معتقلين آخرين في قاعدة غوانتانامو الاميركية احدهم على صلات وثيقة به. ويقيم الكندري في منطقة الرميثية وكان يتردد باستمرار على نفس المسجد الذي كان يصلي فيه الناطق الرسمي باسم «القاعدة» سليمان ابو غيث وهو متأثر به وكان يتردد عليه باستمرار ليصحبه في جولاته وزياراته. وهناك من يردد انه صلى في المسجد قبل ان يتوجه الى فيلكا لتنفيذ العملية مع الهاجري.
وذكرت رواية اخرى ان الكندري كان يقيم في منطقة القرين وانقطع عن العمل منذ اكثر منذ عام.
وسبق للكندري ان خضع لتحقيق مكثف من قبل جهاز أمن الدولة ثم أفرج عنه بعد فتح ملف له. أما جاسم الهاجري فقد خضع بدوره لتحقيق مماثل كونه حارب في أفغانستان وفي البوسنة. ويعرف عنه بان وضعه المادي جيد وكان يعمل في وزارة النفط قبل ان يستقيل منذ حوالي سنة.
وتتركز التحقيقات التي تجريها السلطات الكويتية بمشاركة اميركية على معرفة الطريقة التي وصل بها المسلحان الى فيلكا، رغم الاجراءات الامنية المكثفة المفروضة هناك. وتشير المعلومات المتداولة في هذا الشأن الى ان اشخاصا داخل فيلكا ساعدوا الكندري والهاجري على الدخول وجهزوا لهما الاسلحة التي استعملت في الهجوم وهي رشاشات كلاشنيكوف من طراز «اي كي47». وكان تردد ان المسلحين دخلا الى فيلكا الجمعة الماضي للاستعداد للعملية في حين قالت معلومات اخرى انهما دخلا الى الجزيرة يوم الحادث بزورق خاص.
وتقول احدى الروايات غير الرسمية للحادث انه قبل ايام من وقوع الحادث انتقل الكندري والهاجري الى فيلكا محملين بكلاشنيكوف وشوزن واخفيا الاسلحة في بيت مهجور، كما استأجرا سيارة «بيك اب» وتركاها في مكان بعيد عن المنطقة التي ستجري فيها المناورات، وفي يوم الحادث وصل الكندري والهاجري من منطقة الدوحة الى فيلكا وترجلا من الزورق الذي اقلهما الى هناك وسارا الى البيت المهجور، حيث نقلا الاسلحة الى السيارة واندفعا بها الى منطقة المناورات العسكرية. وحسب الرواية فان الهجوم وقع بالقرب من مقر الجمعية التعاونية في الجزيرة واستهدف حوالي 50 جنديا اميركيا كانوا انتهوا لتوهم من التمرينات وباشروا بجمع اغراضهم، ورد الجنود الاميركيون بغزارة على مصدر النيران فقتلوا المهاجمين على الفور، كما ادى الرصاص الكثيف الي إحراق سيارة الـ«بيك اب».
وكانت وزارة الداخلية قد تأخرت في الكشف عن هوية المهاجمين بسبب عدم العثور على اي وثائق بحوزتهما. واخطرت الجهات المختصة برفع البصمات وارسالها الى الادلة الجنائية في العاصمة للتعرف على هويتهما بعد وضعها على الكومبيوتر. وتردد في البداية انهما آسيويان لأن سيارة الـ«بيك اب» التي استعملت في الهجوم مؤجرة من مقيم هندي في الجزيرة. واعلنت وزارة الداخلية في وقت لاحق ان منفذي العملية هما كويتيان ووصفت الحادث بانه «ارهابي» وحذرت من انها «ستقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه العبث بأمن الكويت».
وأكد رئيس مجلس الوزراء بالنيابة ووزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الاحمد ان الجريمة لن تؤثر على العلاقات مع الولايات المتحدة، مشدددا على «ان السلطات الكويتية ستلاحق جميع الذين يقفون وراء الاعتداء ويريدون الاساءة للكويت بلدا وشعبا». واعرب عن اسفه وألمه «بأن يحصل هذا العمل من كويتيين»، داعيا الجميع الى «إدراك خطورة ما حصل ومراعاة الظروف وحساسيتها وانعكاساتها»، وقال «ان هذا الحادث الاثيم يحصل للمرة الاولى في هذا البلد الأمين». واضاف «لنا مع الولايات المتحدة علاقات تاريخية مبنية على الصداقة والمصالح، والكويتيون لا ينسون ان الدماء الاميركية سقطت على أرضهم اثناء تحريرها».
واعتبر وزير العدل ووزير الاوقاف والشؤون الاسلامية الكويتي احمد باقر حادث الاعتداء بانه غير جائز شرعا. وقال ان القوات الاميركية موجودة في الكويت وفق معاهدة امنية وافق عليها الكويتيون وصوّت عليها مجلس الامة بالاجماع. وعبّر عن خشيته من ان يكون منفذا الحادث «من الشبان الذين غرر بهم».
وسارع قياديون في التيار الاسلامي الى ادانة الحادث، وحذروا الحكومة من وضعهم في قفص الاتهام. وقال الامين العام للحركة السلفية حاكم المطيري «اننا ندعو الى عدم اصدار احكام مسبقة قبل الوقوف على ابعاد الحادث». وقال رئيس التجمع السلفي الشعبي خالد بن سلطان العيسى «لقد فوجئنا بالحادث وهو مستنكر اذ لا يجوز الاعتداء على اشخاص مستأمنين».
وبدوره ادان النائب الدكتور وليد الطبطبائي الحادث ووصفه بـ«العمل الطائش»، وقال ان الحادث «لا يخدم العمل الاسلامي، بل سيجر عليه متاعب كثيرة».