مسلسل «ردم الأساطير» يرصد أهم أحداث سورية ولبنان والصراع الحضاري ضد إسرائيل

TT

«عالم الآثار مشغول بتحليل الحجارة..

إنه يبحث عن عينيه في ردم الأساطير لكي يثبت أني عابر في الدرب لا عينين لي..

لا حرف في سفر الحضارة وأنا أزرع أشجاري.. على مهلي وعن حبي أغنّي..» هذا مطلع قصيدة شهيرة للشاعر محمود درويش عنوانها «يوميات جرح فلسطين»، تصدرت حلقات المسلسل التلفزيوني الجديد «ردم الأساطير»، من تأليف عبد الرحمن الضحاك وإخراج هيثم حقي، في ثلاثين حلقة. يتميز هذا المسلسل بأنه الأول من نوعه في الدراما السورية، كذلك في موضوعه.. وهو يرصد فترة مهمة وحرجة تعج بالأحداث في سورية ولبنان بين أعوام 1982 ـ 1984، كما تقول الشركة المنتجة «عن صراعنا مع العدو الصهيوني الذي يريد أن ينسب حضارتنا إليه ويجعلنا عابرين في الدرب».

ومن المعروف أن تلك الفترة شهدت الاجتياح الإسرائيلي للبنان ومحاولة إسرائيل التسلل إلى «ايبلا» التي كشف علماء الآثار عن رقمها التاريخية، ومحاولتها تجيير هذه المكتشفات لصالحها، ولإثبات وجودها في المنطقة.. وهذا ما كذبته مكتشفات ايبلا، كما شهدت تلك الفترة محنة قاسية عاشها لبنان في معاناته، من حرب عبثية بين الفئات المتصارعة.

* خروج .. على الدراما التجارية

* تميز هذا المسلسل الذي أتيحت لي فرصة مشاهدة جميع حلقاته قبل بثه على الفضائيات، بأنه يأتي عملاً نوعياً في مرحلة بدأت فيها الدراما السورية محاولة إرضاء سوق العرض والطلب، وبهذا تراجعت الأعمال التلفزيونية المعاصرة ـ كما يقول مخرج العمل هيثم حقي في حديث الى مجلة «الافكار»، العدد 1044 تاريخ 19 أغسطس (آب) الماضي ـ خاصة على مستوى الموضوعات لصالح الدراما الشكلانية والتجارية، وذلك للمشتري الذي يبحث عن الإبهار والتسلية، أي أن الدراما السورية ذات التوجه الواقعي والمتعمقة في ماضينا وحاضرنا، والتي، كما الفن الحقيقي دائماً، تقدم المتعة والمعرفة، هي في انحسار لصالح العمل المصنع للسوق.

التميز الآخر لهذا العمل انه يتجاوز الطروحات التقليدية السابقة للصراع العربي ـ الصهيوني، من الصراع العسكري إلى الصراع الحضاري، وبهذا يحقق كاتب العمل عبد الرحمن الضحاك خطوة متقدمة في هذا المجال، حيث يكشف أساليب إسرائيل في التسلل عبر جرائم الموت والدمار باستخدام كل الأسلحة بما فيها الجمعيات السرية العاملة من أجل تحقيق هدف الصهيونية بإثبات وجودها التاريخي في المنطقة والذي كذبته المكتشفات الأثرية في الأرض الفلسطينية المحتلة (لنتذكر الحفريات الإسرائيلية تحت المسجد الأقصى وقبة الصخرة)، وخارج الأرض المحتلة، خاصة مكتشفات ايبلا التاريخية المهمة.

* بوليسي اجتماعي

* وإذا كانت التسمية الظاهرة لهذا العمل هي أنه «مسلسل بوليسي اجتماعي ببعد سياسي»، فلأن احداثه التي تبدأ بجريمة قتل تتبعها جرائم، هي التي أعطته الطابع البوليسي، في حين اعطته القصص الإنسانية الشخصية التي تضمنتها حلقاته الصفة الاجتماعية، وذلك في نسيج الإطار السياسي لأحداث تلك الفترة الخطيرة المليئة بهذه الانماط الجديدة من الصراعات.

وباختصار، أراد عبد الرحمن الضحاك أن يطرح من خلال هذا العمل البُعد الحقيقي للصراع الحضاري القائم في هذه المنطقة بين الحق العربي ومخطط العدوان الصهيوني. وقد استطاع المخرج هيثم حقي، وهو صاحب التاريخ الحافل بإدارة مثل هذه الأعمال الجادة على مدى أكثر من ربع قرن، أن يجسد في رؤيته الفنية وحلوله الإخراجية، مرحلة جديدة في التعامل مع مختلف ابعاد القضية الفلسطينية، التي سبق أن أخرج أعمالاً تدخلها في الصميم أو تقاربها في الابداع مثل مسلسل «عز الدين القسام» ومسلسل «هجرة القلوب إلى القلوب» و«رماد وملح» و«الأيام المتمردة»، وكان في جميع مراحل تصوير هذا المسلسل مطالباً بحلول إخراجية متباينة الأبعاد والزوايا في الحلقة الواحدة، كالانتقال من أقبية الموت إلى جلسات التحقيق.. إلى المشاهد الإنسانية الاجتماعية والعاطفية.. إلخ، إلى واقع الحرب المجنونة بين الأطراف المتصارعة في لبنان، وبهذا كان ينتقل بالكاميرا، وببراعة، بين مواقع التصوير المتعددة في سورية ولبنان.

ولا بد من الإشارة إلى أن الفنان هيثم حقي قام في هذا العمل بدور المنتج المنفذ، إلى جانب الإخراج، بعد قناعته بأهمية الطرح الذي يشتمل عليه، وهو يؤكد أن هذا العمل قد يكون الأول من نوعه في الدراما السورية، والأول في موضوعه. ومن خلال هذا حرص على تحقيق نوع من التوازي في الاهتمام بشخصيات العمل من حيث انعكاس هذا الصراع الدامي على حياتها.

المسلسل من إنتاج شركة الأندرين للإنتاج الفني (سماقية اخوان)، وهو بهذا يضاف إلى سلسلة الأعمال المهمة، التاريخية والمعاصرة، التي أنتجها القطاع الخاص في سورية خلال السنوات القليلة الماضية، بعد الرعاية التي يلقاها من وزارة الإعلام، وهو يشكل مع انتاج القطاع العام (التلفزيون العربي السوري) على الرغم من قلة إنتاجه من حيث الكم، إنتاجاً وطنياً سورياً حقق حضوراً بادياً على الفضائيات العربية، وقد استقطب عدداً من الفنانين النجوم امثال: خالد تاجا، عباس النوري، سلاف فواخرجي، نادين، صباح عبيد، هناء نصور، سيف الدين سبيعي، روعة ياسين، اميرة حجو، هدى الركبي، جهاد الزعبي، اسعد جابر، نضال نجم، وعبد المنعم عمايري.

ومن ضيوف الشرف: ثناء دبسي، عبد الهادي الصباغ، سليم صبري، عمر حجو، وائل رمضان، الدكتور محمد توفيق البجيرمي، ورنا جمول.

وشارك في المسلسل من لبنان: ورد الخال، مي صايغ، وماغي ابو غصن.