يكشف الدكتور عبدالرحمن الصالح الشبيلي في كتاب «صفحات وثائقية من تاريخ الاعلام في الجزيرة العربية» الكثير من القضايا غير المعروفة من قبل، ومنها قصص أسر سعودية أسست ومارست الصحافة خارج بلدها قبل حوالي قرنين. وحول قصة تأليف الكتاب يقول د. الشبيلي: «عدت في اكتوبر عام 1997 الى رسالة الدكتوراه بعد ربع قرن من كتابتها لأجد الزمن قد تجاوز الكثير من معلوماتها وان صلاحية اجزاء منها قاربت على الانتهاء لان كثيراً من التطورات قد جدت كما انها هي الاخرى وقعت في تكريس بعض المعلومات الخاطئة لكنها مع ذلك بقيت نواة لعمل جديد استغرق العمل فيه ثلاث سنوات».
ويضيف: «لقد وجدت نفسي بعد اصدار ثلاثة كتب في حقل الاعلام خلال عشرة اعوام امام مجموعة من الموضوعات المستقلة ذات الصلة بالاعلام مما يتطلب جهداً اضافياً لمتابعتها ومنها على سبيل المثال مجموعة من السعوديين الذين نزحت اسرهم من شبة الجزيرة العربية الى اطرافها الشمالية في تركيا وبلاد الشام والعراق يمارسون الصحافة في مطلع القرن الماضي. وظهر مستشرقون اوروبيون من امثال عبدالله فيلبي ومحمد اسد كانوا يمارسون مهنة الصحافة خلال تجوالهم في الجزيرة العربية وبخاصة السعودية. كما وجدت اعلاميين لهم شهرة واسعة مثل يونس بحري العراقي وعيسى خليل صباغ ومنير شماء من فلسطين سبق وان عملوا وتعاملوا مع السعودية ووجدت ان الجريدة الرسمية «ام القرى» تختزن في اعدادها القديمة ذخيرة هائلة من المعلومات عن قضايا الاعلام وشؤون الاتصال واصبحت هذه الامثلة مادة مغرية للبحث والتنقيب ونشرت على شكل موضوعات متفرقة الى ان احتضنها هذا الكتاب الذي ضم خمسة وعشرين بحثاً اعتبر كل منها فصلاً كاملا».
يتحدث الكتاب عن بعض هذه الاسر السعودية المهاجرة، ومنها اسرة الزهير، وهي عائلة معروفة منشأها مدينة حريملاء شمال غرب العاصمة السعودية الرياض. وهاجرت الى العراق قبل حوالي مائتي عام وامتهنت الصحافة في العراق وتركيا وكان من ابرز رواد هذه الاسرة احمد (باشا) الزهير الذي يعتبر اول نجدي اسس جريدة خارج الجزيرة العربية وكان ذلك عام 1908 في مدينة اسطنبول التركية وسماها «الدستور» وجاء بعده عبدالله الزهير الذي اصدر الطبعة العربية من جريدة الدستور في البصرة عام 1912 وحظيت جريدة «الدستور» العراقية بأول مقابلة صحافية يجريها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن وكان ذلك في عام 1913 أي بعد دخوله الى الاحساء واجرى هذه المقابلة ابراهيم الدامغ وهو من اهالي عنيزة المقيمين في العراق.
ويتحدث الشبيلي عن عائلة الثنيان ويخص منها عبداللطيف الثنيان الصحافي العراقي المولد النجدي الاصل الذي يعتبر من اقدم صحافيي العراق وقام بتأسيس جريدة سماها «الرقيب» عام 1909. وكانت اسرة الثنيان قد نزحت الى البصرة قبل حوالي مائتي عام وساهمت مساهمة كبيرة في اثراء الثقافة العراقية خلال تلك الفترة حيث انشأ عبداللطيف الثنيان في عام 1902 مكتبة للمطبوعات المصرية والتركية.
ويتناول الكتاب أيضاً اسرة العتيقي وكبيرها الشيخ عبدالعزيز العتيقي الذي وصفه بالداعية والمربي ورجل الاعلام والشورى. وكانت اسرة العتيقي انتقلت من موطنها في بلدة حرمة المجاورة للمجمعة في وسط السعودية الى الاحساء والكويت والبحرين. وساهم عبدالعزيز العتيقي في انشاء اول مدرسة في البحرين في عام 1913 وتولى بعد ذلك الاشراف على معارف البحرين. ثم رحل الى الهند واندونيسيا وماليزيا. وفي عام 1936 سافر للكويت وانشأ فيها مدرسة في منطقة الصليبخات التي سميت فيما بعد باسمه، وعينه الملك عبدالعزيز معاوناً لادارة اول مديرية للمطبوعات في السعودية وذلك في عام 1345 هجرية (1924) واصبح بذلك اول سعودي يتسنم منصب ذا صلة بالاعلام.
* عبدالله فيلبي ومحمد أسد
* كما يتحدث الكتاب عن المستشرق الانجليزي المعروف، ويعتبره اول صحافي غربي اقام في قلب الجزيرة العربية. وهو يرى أنه لم ينل ما يستحقه من الاهتمام حيث ان معظم كتبه لم تجد طريقها للترجمة مع انها مراجع هامة في مجال الاستشراق والسياسة والتاريخ والجغرافيا والعلوم وقد انشغل الدارسون بالتوجهات السياسية والعقدية لفيلبي اكثر من اهتمامهم بنتاجه العلمي.
وبدأت علاقة فيلبي بالسعودية عندما شارك في اللقاء الاول الذي تم بين الملك عبدالعزيز وبيرسي كوكس في ميناء العقير في الاحساء وذلك في عام 1915 ونتج عن هذا الاجتماع معاهدة اعترفت بموجبها بريطانيا بالدولة السعودية الجديدة.
ونشر فيلبي اول كتبه عن الجزيرة العربية في عام 1922 بعنوان «قلب الجزيرة العربية» وزار الرياض والخرج والاحساء ووادي الدواسر ثم حضرموت عام 1915. عاد فيلبي الى السعودية عام 1924 ليتخذ منها موطناً ثانياً للاستقرار فيها وحظي باستقبال خاص من الملك عبدالعزيز، وفي عام 1930 اعتنق الاسلام وامضى ثلاثين عاماً من عمره في الجزيرة العربية عمل خلالها مراسلاً لبعض الصحف الاوروبية ووكالات الانباء ومنها رويترز. وكان ينقل للملك عبدالعزيز أخبار تطورات الحرب العالمية الثانية.
وفي جانب اخر يتحدث الكتاب عن مستشرق غربي آخر هو النمساوي ليوبولد فايس اليهودي الديانة الذي اسلم في عام 1926 وغير اسمه الى محمد اسد، وعمل مراسلاً صحافياً مقيماً في المدينة المنورة بين عامي 1927 و1933. ومن اشهر مؤلفاته كتاب «الطريق الى مكة» الذي الفه عام 1952، والتقى اسد بالملك عبدالعزيز آل سعود في عام 1927 وتجول في الاراضي السعودية لمدة ست سنوات حج خلالها خمس مرات، وكان في تلك الاقامة ضيفاً على الملك عبدالعزيز. ويعتقد ان الملك عبدالعزيز قد كلفه ببعض المهام ذات الطابع الاعلامي.
* إعلاميون عرب عملوا في السعودية
* يتحدث الكتاب عن الاعلامي العراقي يونس بحري بشيء من التفصيل، متناولاً حياته الغامضة وعلاقاته الدولية ويقول عنه «لا أظن ان اعلامياً شغل الناس في العالم العربي والهب مشاعرهم ابان الحرب العالمية الثانية مثلما فعل يونس بحري».
وحول علاقته مع الدولة السعودية يقول الشبيلي ان بحري زار الملك عبدالعزيز قبل سبعين عاماً بغرض ان يعبر الربع الخالي كأول عربي يقوم بذلك، وأُمر عبدالله السليمان وزير مالية الملك عبدالعزيز آنذاك ان تجهز له سيارة ينتقل فيها الى جنوب السعودية ووصل الى صنعاء والتقى بالامام يحيى وسافر منها الى سنغافورة واندونيسيا وذلك عام 1931، والتقى هناك مع عبدالعزيزالرشيد مبعوث الملك عبدالعزيز المقيم في تلك البلاد، ولم يتبين ما اذا كان بحري قدم الى اندونيسيا بتكليف من الملك عبدالعزيز ام لا.
أما الاعلامي الفلسطيني الاصل عيسى خليل صباغ فيصفه المؤلف بأنه امير المايكروفون العربي نظراً للفترة الطويلة البالغة 60 عاماً التي قضاها في الاعلام وعمل مترجماً للرؤساء جونسون ونيكسون وفورد وكارتر. وكان صباغ التقى الملك عبدالعزيز اثناء سفره من بيروت الى جدة عام 1952 عن طريق الظهران والرياض على طائرة داكوتا وكتب كتابا سماه «من بين اوراقي» وذلك في الفترة مابين 1946 وأواخر الثمانينات واشار فيه الى علاقته بالقيادة السعودية.
* الرياض وبدايات الإعلام
* خصص الدكتور الشبيلي فصلاً كاملاً عن العاصمة السعودية الرياض وبدايات الاعلام فيها وقسمه الى ثمانية مباحث تطرق فيها الى تاريخ الاعلام في السعودية بشكل عام وفي الرياض بشكل خاص.
ويتحدث احد فصول الكتاب عن عبدالله السليمان ومحمد سرور صبان. وكان الاول يعمل وزيراً للمالية في عهد الملك عبدالعزيز والثاني معاوناً له. ويعتبر الصبان من أهم الشخصيات الادبية السعودية. ومن أهم أعماله «صفحة فكرية من ادب الناشئة الحجازية شعراً ونثراً» المطبوع في القاهرة عام 1952 الذي أثر كثيراً في الأجيال اللاحقة. أما عبد الله السليمان، فكانت مهمته ارسال الوفود الاعلامية الخارجية للدعاية للحج وتشجيع نشر الكتب والتأليف، وكان له دور اساسي في انشاء الاذاعة السعودية. ومن الشخصيات الأخرى التي تناولها المؤلف، الشاعر الكويتي الكردي الاصل محمود شوقي الايوبي الذي كان مبعوثا اعلاميا للملك عبدالعزيز في بلاد الملايو، وخصص فصلاً خاصاً عن اضاءات الاعلام الخارجي في الرسائل المتبادلة بين الملك عبدالعزيز وامين الريحاني.
* صفحات وثائقية من تاريخ الاعلام في الجزيرة العربية
* عبدالرحمن الصالح الشبيلي
* 346 صفحة من القطع الكبير