«فارس بلا جواد»: جدل مستمر في مصر بين المثقفين والسياسيين ومحمد صبحي يدافع عن بطل القصة ضد اتهامات بالتخوين

TT

القاهرة ـ رويترز: أثار مسلسل «فارس بلا جواد» التلفزيوني جدلا قبل بدء عرضه، باعتراضات من بينها اعتراض الولايات المتحدة واسرائيل على عرضه، وما زال يثير جدلا بين القائمين عليه والنقاد ومنظمات حقوقية. ويأتي أحدث جدل بشأن المسلسل التلفزيوني من كتاب ونقاد عرب ومصريين بانتقادات تتعلق بالتناول التاريخي والرؤية التلفزيونية، علاوة على اعتراض المنظمة المصرية لحقوق الانسان بقولها انه «رغم ايمانها التام بحرية التعبير فانها ترفض اساءة استخدام اشكال التعبير للترويج لأحداث قد تثير الكراهية على اساس الدين او العرق او الجنس».

واستنكر الفنان المصري محمد صبحي الانتقادات للتناول التاريخي والرؤية التلفزيونية للمسلسل واتهامات قال انها تنال من وطنية بطله حافظ نجيب. وقال صبحي: «ان السيدة ملك نجيب ابنة حافظ نجيب ارسلت اليه من المملكة العربية السعودية رسالة بالفاكس أبدت فيها استياءها من الآراء التي حاولت التشكيك في وطنية والدها». وأضاف انها قالت انها سوف تحتكم الى القضاء المصري دفاعا عن سيرة والدها وردا لاعتباره وانصافه من كل من حاولوا الطعن في اخلاصه الوطني.

وردا على سؤال حول ما اثير في الاونة الاخيرة عن احتيال حافظ نجيب وعمالته لبعض اجهزة الاستخبارات اجاب صبحي: «لم اقدم حافظ نجيب كما فعل معظم المسرحيين في العالم مع ابطال شكسبير، حيث كانت معالجة هذه المسرحيات تتلون باتجاهات المخرج الفنية والفكرية، والتزمت في الحلقات الخمس الاولى بحياة حافظ نجيب، أما الحلقات التالية فهي جهد الكتابة والمعالجة والرؤية، قرأت السيدة ملك نجيب السيناريو، كما حضرت تصوير الحلقات الخمس الاولى وأبدت اعجابها الشديد بالمسلسل».

* أحكام مجانية

* وأكد صبحي انه ليس من حق أحد ان يطلق احكاما مجانية بتخوين الاخرين مضيفا: «ثم انني لم اتناول رمزا تاريخيا في حجم صلاح الدين الايوبي، او مصطفى كامل، حتى اتهم بتشويه سيرته، وكيف نمنح أنفسنا بهذه السهولة حق توجيه تهمة الخيانة لرجل كان صديقا لمصطفى كامل ومحمد فريد ولا أدري لصالح من يطلق هذا الاتهام هنا والآن».

ويصف الاكاديمي المصري عبد الوهاب المسيري كتاب «بروتوكولات حكماء صهيون» الذي يعتمد المسلسل عليه بأنه «مجرد كلام ساذج.. كأن يجلس رجل وزوجته لكتابة خطة فضفاضة للاستيلاء على العالم، فلم تذكر البروتوكولات اي آليات لتنفيذها». واضاف ان العقل البشري ان لم يجد نموذجا تفسيريا ملائما لواقعة ما فانه يميل الى ردها الى يد او اياد خفية تنسب اليها التغييرات والاحداث التي لا تكون، حسب هذا المنظور، نتيجة تفاعل بين مركب من الظروف والمصالح والتطلعات والعناصر المعروفة والمجهولة من جهة، وارادة انسانية من جهة اخرى، وانما هي نتاج عقل واحد وضع مخططا جبارا وصاغ الواقع حسب هواه، وهو ما يعني ان بقية البشر مجرد أدوات.

وأشار المسيري الى ان من اهم تجليات هذا النموذج ما يسمى بالمؤامرة اليهودية الكبرى أو المؤامرة اليهودية العالمية، والرأى السائد في الاوساط العلمية التي قامت بدراستها انها وثيقة مزورة «ونبرة البروتوكولات ساذجة للغاية، فمن الواضح ان كاتبها الذي زيفها لا يجيد التزييف».

* أخطاء فنية

* وقال رشاد الشامي استاذ ورئيس قسم اللغة العبرية بكلية الآداب جامعة عين شمس ان المسلسل محاولة لم تخل من اخطاء فنية وتاريخية، اذ ركز على فكرة البطل الفرد في حين كانت المقاومة للاحتلال منظومة جماعية، اما التركيز على الفرد فجاء على حساب الشعب والأمة «وهذا ما جعل الرؤية تميل الى التسطيح والمبالغة كأنه الوحيد صاحب الرسالة وكل من حوله كومبارس».

واشار الشامي الى خطأ آخر لم يخضع للدراسة وهو اظهار اليهود في المسلسل باعتبارهم حاخامات بالطواقي التقليدية والضفائر التي لم تكن من سمات يهود مصر. وأضاف: «اذا كانت الاحداث تدور في مصر فلا يصح تصويرهم على انهم القائمون باللعبة، والمعروف ان وسائل الاتصال في ذلك العصر لم تكن تسمح لهم بالضلوع في المؤامرة، وقد نتج هذا التصور عن المنظور الذهني لليهود في بلاد اخرى ليس من بينها مصر، ولكن المسلسل حمل يهود مصر ما لم يكونوا مسؤولين عنه بوجود نسخة من البروتوكولات معهم في ذلك الوقت». واوضح المسيري: «ان استخدام البروتوكولات لاتهام اليهود فيه سقوط في العنصرية والعرقية التي تصنف الناس لا على اساس افعالهم وانما على أساس مادي لا ديني».

وفي رأي الناقد احمد رأفت بهجت ان هذا المسلسل كان فرصة مؤاتية جدا لتناول قضية بهذا القدر من الخطورة، لكنه اشار الى ان الانجاز كان اقل من مستوى الطموح، بسبب الاصرار على امرين الاول: هو اعتماد على المغامرة والكوميديا في تناول موضوع أقرب الى الكوميديا القاتمة، بل يكاد يكون تراجيديا، وهناك مشاهد في غاية الاهمية قتلتها الكوميديا.

والثاني: خاص بالبروتوكولات التي ان كان لها صدى من الحقيقة، فان الواقع الان اكثر منها قسوة ودموية وكان بالامكان ربط الواقع بذكاء، بما يؤكد استمرار المؤامرة في ضوء البروتوكولات حقيقية كانت أم ملفقة أو في ضوء الممارسات غير الانسانية التي نتعرض لها الآن.

وقال الناقد أسامة عفيفي ان للنقاد المصريين حساسية تجاه كل ما يتعلق بالتاريخ «وكانت شخصية حافظ نجيب محبوبة، ولهذا حملها الوجدان المصري اكثر مما تحتمل، ثم جاء محمد صبحي وقصرها على مسألة التنكر اولا ثم ضيقها على نفسه اكثر، فبدا حافظ نجيب مناضلا من اجل الاستقلال، ولو جعل محمد صبحي الشخصية من لحم ودم، لاكتسبت ابعادا انسانية وأصبحت مثل زوربا اليوناني وخاصة انه كان يتمتع بخفة الظل و«فهلوة» ابن البلد المصري».

واضاف عفيفي ان الشخصيات التاريخية الملتبسة مثل حافظ نجيب تثير شهية المبدع، ومن حق محمد صبحي ان يتصرف فيها كما يشاء، فلا قيود على الفنان الا الفن ذاته، وليس هذا جديدا وإنما هو تقليد فني قديم. وعقبت المنظمة المصرية لحقوق الانسان على المسلسل في بيان لها يوم الاثنين الماضي بقولها: «حيث ان ما يسمى ببروتوكولات حكماء صهيون وثيقة أكد المتخصصون انها ملفقة، فان المنظمة المصرية تطالب القنوات التلفزيونية ان تنوه عن هذه الحقيقة في مقدمة المسلسل.. خاصة اننا في مرحلة نطالب فيها الحكومات والمجتمعات الغربية باتخاذ مواقف حازمة ازاء العداء للاسلام والمسلمين في الغرب».

وقال صبحي ان فكرة تقديم هذا المسلسل تعود الى عام 1979 وانه حين عرض الامر على الصحافي الراحل مصطفى امين نبهه الى ان حافظ نجيب شخصية خلافية، لم يتفق المؤرخون على ما اذا كان يكتب مغامراته على طريقة ارسين لوبين ويتخفى مثل شارلوك هولمز، وفي هذا النوع من الكتابة تتداخل الحقيقة بالخيال، وهذا ما جعلهم يظنون كتاباته ومغامراته تاريخا.

وأضاف: «ان اول لقطة في التترات تسجل ان هذه الاحداث منها ما هو حقيقي ومنها ما هو خيال ومنها ما نتوقع حدوثه، ولا يهمني تقديم سيرة ذاتية لحافظ نجيب بقدر ما أريد مناقشة قضية المصير العربي الآن.. الا يكفي ما تفعله اسرائيل بنا».

وعما اثير بخصوص استعراضه التمثيلي بلعب اكثر من دور واستئثاره بمعظم المشاهد قال صبحي: «هذا اتهام يطاردني كلما قدمت عملا جديدا وقد قيل هذا عن شخصية «سنبل»، وغيره، وكان الاولى ان يشار الى البراعة في رسم الشخصيات،حيث تكتسب اية شخصية ملامحها المميزة حتى لو ظهرت في بضعة مشاهد، ومن الافضل ان يأتي النقد بعد الانتهاء من عرض المسلسل».