«الإسرائيلي» سمير نقاش: لا أستطيع التعبير عن نفسي إلا بالعربية

الروائي والمسرحي العراقي الأصل: لست محسوبا على الكتاب العبريين ولا على الكتاب العرب

TT

هاجرت عائلة سمير نقاش الى اسرائيل حين كان في الثالثة عشرة من عمره، لكنه، كما يقول في هذا الحوار معه لم يستطع أو لم يرد الاندماج في المجتمع الجديد.

ومن أبرز مظاهر هذا الرفض حفاظه على اللغة العربية التي كتب بها جميع رواياته ومسرحياته.

وفي هذا الحوار يتحدث نقاش عن تجربته الروائية والمسرحية التي لم تصل الى القارئ العربي، رغم انها مترجمة الى لغات اجنبية عديدة، وعن واقع الأدب المكتوب بالعربية في اسرائيل.

* تعيش في اسرائيل منذ الثالثة عشرة من عمرك. لماذا قررت الآن، بعد خمسين سنة، مغادرة اسرائيل؟ أهو رفض للمشهد السياسي الحالي أم البحث عن انعطافة جديدة في أدبك؟

ـ قرار مغادرة اسرائيل ليس فجائياً، ولا علاقة له بالسياسة ولا بالأدب. انه قرار قديم منذ وطأت اقدامنا أرض اسرائيل، قررت العائلة مغادرتها. وبذل والدي مجهوداً جباراً مع مجموعة من مثقفي العراق للخروج، بيد ان اسرائيل أحبطت كل هذه المحاولات، ولم يصمد والدي أمام هذه الصدمة، فمات مبكراً عام 1953 اثر نزيف في الدماغ. وبعد عام من ذلك، اجتزنا الحدود انا وابن عم لي، الى لبنان. لكن اللبنانيين اعتقلونا مدة ستة أشهر واعادونا الى اسرائيل، حيث سجنت خمسة أشهر وتعرضت لتعذيب شديد بتهمة الجاسوسية. وفي 1958، حاولت ان أجد منفذاً جديداً، فذهبت الى تركيا وايران فالهند، ثم الى ايران ثانية حيث بقيت أربع سنوات. لكنني اضطررت للعودة الى اسرائيل، وبعد ابرام معاهدة السلام مع مصر، حاولت الانتقال اليها، دون جدوى، وكذلك الأمر مع المغرب الذي استقبل فقط مواطنيه اليهود. وهاأنذا، أخيراً، في بريطانيا رغم تحفظي على الغرب عموماً، وكنت أتمنى ان استقر في أي بلد عربي.

* كتبت كل رواياتك بالعربية.. كيف استطعت المحافظة على سلامة اللغة وانت تعيش وسط محيط عبري لغة وثقافة؟

ـ العربية هي لغتي ولا أعرف من اللغات سواها، وقد ذكرت قبل قليل كلمة «قوقعتي» فأنا كنت اعيش في اسرائيل منذ اول لحظة داخل هذه القوقعة، لم أتأثر بالثقافة الغربية السائدة في اسرائيل ولم أجد لغتها حتى الان، وحتى لو حاولت الكتابة بالعبرية كما فعل شمعون بلاص وسامي ميخائيل وغيرهما لما استطعت، لقد وصلت اسرائيل وانا في الثالثة عشرة، عراقياً غريباً وتركتها بعد خمسين عاماً كما تركها أبي عربياً قحاً. وحتى لو اضطررت الى العودة اليها فسأظل هذا العراقي العربي المخلص للغته وتراثه.

* هل تشعر انك أمام مأزق لغوي، تكتب بالعربية لقارئ لا تصل اليه كتاباتك، وقد لا يقرأك مثقفون عرب لسبب آيديولوجي، اضافة الى الاسرائيليين؟

ـ سأشعر بمأزق لو حاولت الكتابة بلغة غير العربية، فالعربية ليست لغتي وحسب بل هي من أقوى وسائل تعبيري، ولا أخشى الكتابة بالعربية، كما خشي ذلك البعض فانتقل للكتابة بالعبرية، ان أدبي يصل الى كل مكان بما في ذلك الكثير من الدول العربية، إذ اقرأ في الصحف العربية وأسمع في التلفزيونات العربية اقتباسات من أدبي. ومن أناس لا أعرفهم ودرّس ادبي ويُدرّس في 3 جامعات اسرائيلية وجامعة مصرية واحدة على الأقل، وأخبرني باحث ادبي المصري بأن ابحاث دكتوراه وماجستير حول ادبي قد سجلت في هذه الجامعة التي يحاضر هو بها. وتُكتب عن أدبي اطروحات الماجستير في شتى انحاء العالم فضلاً عن اسرائيل، وقبل مغادرتي مباشرة، زارني اثنان من طلاب الدكتوراه، يريدان تناول أدبي في ما يكتبانه، احدهما اسرائيلي والآخر الماني، وسبق وكتب طالب الماني رسالة ماجستير حول أدبي وأرسل لي نسخة منها، كما أرسلت لي طالبة ايطالية نسخة من اطروحة أهلتها لأن تصبح دكتورة، وأطروحتها حول ادبي، والاطروحتان بالألمانية والايطالية، ولذا لم اقرأهما بعد، وبالطبع كتب الكثير من هذه الأطروحات وتكتب حالياً، في انجلترا، والسويد، وأميركا، وهولندا، وبعض الدول العربية، كما يذكرني مستشرقون كثيرون ويزورونني في بيتي.

* يشعر القارئ احياناً بصعوبة الدخول الى عالمك الروائي، وقد يكون ذلك راجعاً الى محاولتك توثيق ذكرياتك، وماضيك وتجاربك أدبياً دون ان توفر مفاتيح كافية لدخول عالمك.. هل تتفق مع هذا الرأي؟

ـ لم أسمع بمثل هذا الرأي من قبل، لا من نقادي ولا من باحثي أدبي سواء كانوا من العبريين او العرب او الأوروبيين او الأميركان. وهناك لقطتان غريبتان عليّ، الأولى هي التوثيق في الأدب، لأن الأدب لا يمكن ان يكون توثيقاً كما ان التوثيق لا يمكن ان يكون أدباً. ومن يحاول استخدام الأدب او الاقتباس فيه كوثيقة مخطئ كل الخطأ. لأن الأدب خلق وابداع وليس تسجيلا لحقائق جافة، اما النقطة الثانية فهي «محاولتي تسجيل ذكرياتي وماضيّ».

نعم، ما من أديب لم يدخل في أدبه شيئاً او أشياء من سيرته الذاتية، لكن ادبي، لحد الآن لا يشتمل حتى على عشرة في المائة من الموتيفات الذاتية، ويمكنني ان أشير اليها كلها، كما في رواية «الرجس» وقصص «طنطل» و«انا وهؤلاء والفصام» من المجموعة التي تحمل هذا الاسم، وقصة «ليلة عرابا» من مجموعة (يوم حبلت وأجهضت الدنيا).

أما صعوبة أدبي ـ كما يشكو من ذلك البعض ـ فربما نجمت عن تقنياتي التجريبية كامتزاج الأزمنة من ماض وحاضر وحتى المستقبل وتداخل الأحداث ومشاركة شخصيتين او اكثر في رواية الأحداث، وحتى بسبب المضامين ذاتها كمضامين مسرحياتي وبعض قصصي.

* تستخدم لهجات متعددة في رواياتك ألا يزيد ذلك من المأزق اللغوي الذي تحدثنا عنه، وتشتيت القارئ؟

ـ ربما يزيد ذلك من «صعوبة» قراءة انتاجي، اما المأزق اللغوي فقد اثبت لك عدم وجوده في الرد السابق، ومع ذلك فقد اعتدت تفسير او ترجمة هذه اللهجات في الهوامش. اني استخدم هذه اللهجات في أعمالي «العراقية» فقط، وانا اعتقد ان الفصحى في مثل هذه الروايات هي تصنع وكذب على القارئ، لقد كتب ويكتب باللهجات العامية، كبار أدباء العربية، كيوسف ادريس الذي استخدم اللهجات المصرية والطيب صالح الذي كتب بالسودانية، ولم يشك من هذا احد، كما ان هذه اللهجات لم تنل من قيمة الأعمال العظيمة التي كتبت بها. اما اللهجات العراقية التي استعملها فيخيل لي ان اليهودية البغدادية قريبة من لهجة الموصل واللهجات السورية وغيرها فضلاً عن انها لغة أهل بغداد الأصلية وانها قريبة من الفصحى، اما «اللهجة الاسلامية البغدادية» فقريبة من لهجات البدو، في الكويت والبحرين والخليج والسعودية، ومهما يكن من امر فان من يريد قراءة أدب من هذا القبيل، يقرأه ويفهمه حتماً، ان الألماني الذي كتب أطروحته عن أدبي، قرأ ضمناً اكثر اعمالي ايغالاً بهذه اللهجات.

وفضلاً عن ذلك فقد نشر بعض قصصي بعدة لغات اوروبية منها السويدية، ويؤمل ان تصدر روايتي «نزولة وخيط الشيظان» بالانجليزية بأميركا، فضلاً عن مجموعة قصصية تعد هي الأخرى للنشر قريباً. فهل انا في مأزق لغوي حقاً؟

* من هو سمير النقاش.. كاتب عراقي يعيش في اسرائيل، أم كاتب اسرائيلي من أصل عراقي؟

ـ هل يمكن لأحد ان يخرج من جلده؟ انا كانسان، عراقي أصيل بكل جوارحي، احمل بجنباتي تاريخاً شديد القدم من العراقية، تكويني كله عراقي، لغتي، عاداتي، الطعام الذي أحبه، الموسيقى التي أفضلها، الأناس الذين أرتاح اليهم، كل ذلك عراقي بحت. اما ككاتب فأعتقد ان على كل كاتب ان يطمح الى الشمولية الانسانية والعالمية، ان عالمية نجيب محفوظ مثلاً ترجع الى أدبه الانساني العالمي، ورغم ان بعض اعماله موغلة في المحلية والشعبية المصرية فانها ترمز في حقيقة الأمر الى قضايا انسانية شمولية بحتة، لكن الأديب ينهل من بيئته وليس من المريخ «وهذا ما يجعله احياناً» يرضخ لما يطلق عليه من التسميات «ككاتب عراقي» او «اسرائيلي» او ما أشبه، اني أحاول في كتاباتي ان اكون كاتباً انسانياً شمولياً لكنني اكتب عن البيئة التي اعرفها.

* هل يمكن ان تحدثنا قليلاً عن وضعية الأديب العربي داخل اسرائيل، والصعوبات التي يعانيها، كتابة ونشراً واجتماعياً وثقافياً؟

ـ الكتاب الفلسطينيون داخل اسرائيل يتمتعون بمساندة وزارة المعارف والثقافة، ويفخر موفق خوري مدير القسم العربي في الوزارة بأنه يصدر سنوياً نحو مائة كتاب في الشعر والنثر للفلسطينيين «الاسرائيليين» وانه يشتري منهم معظم النسخ لتوزيعها على المكتبات العامة والمدرسية، وتقدم لهم الوزارة المنح والمخصصات كما تقدم لسبعة الى عشرة منهم جوائز تفرغ سنوية تعادل مرتب معلم عال. أما النسخ المتبقية لدى الشاعر او الكاتب فتباع في المدن والقرى الفلسطينية داخل اسرائيل وفي الضفة والقطاع وأحياناً في بعض الدول العربية كذلك، ولا توجد رقابة على طباعة الكتب، وفي النادر يُمنع كتاب معين بعد صدوره بسبب مسّه «بأمن الدولة» اما القدح او الشتم والسب والاتجاهات والميول السياسية فمسموح بها. وهناك رابطة خاصة بالكتاب العرب، كما أنشئت قبل اعوام رابطة لأدباء اسرائيل من اليهود والعرب، وهذه الرابطة يسارية النزعة. وهناك نشاطات ادبية ـ شعرية عربية تجري في المدن والقرى العربية داخل اسرائيل، كما يتضمن «اسبوع الكتاب العربي» المقام سنوياً بحيفا وبعدد من المدن العربية الأخرى في اسرائيل، فعاليات عديدة ويشارك فيه عدد من الممثلين تعدت شهرتهم حدود اسرائيل ومناطق الحكم الذاتي الفلسطيني. وكما يعرف الجميع حاز الأديب الراحل اميل حبيبي «جائزة اسرائيل» للأدب وهي اكبر جائزة اسرائيلية يكرم بها العلماء والأدباء وغيرهم، وهي بمثابة جائزة نوبل الاسرائيلية.

المتاعب الحقيقية التي يعاني منها كاتب او شاعر في اسرائيل هو اليهودي العراقي الذي يكتب بالعربية، إذ لا يعترف به احد فلا هو معدود على الكتاب العبريين ولا هو معدود على الكتاب العرب، ومن هنا حرمانه من كل المخصصات والجوائز ومساندة النشر حكومياً الى غير ذلك من حقوق الأديب.

ـ من اعماله

* الخطأ (قصص)، 1971

* حكاية كل زمان ومكان (قصص) 1978

* انا وهؤلاء والفصام (قصص) 1978

* الجنوح والانسياب (مسرحيات)، 1979

* يوم حبلت واجهضت الدنيا (رواية) 1980

* في غيابه (مسرحية)، 1981

* عندما تسقط اضواء المثلثات (قصة قصيرة طويلة)

* نزولة وخيط الشيطان (رواية)، 1986

* الرجس (رواية)، 1987

* فوهة يدم (رواية) 1987

* المقرورون (مسرحية) 1990

* نبوءات رجل مجنون في مدينة ملعونة (قصص)