عالم الكيمياء العربي الذي أحدث ثورة في الطب

TT

* عضو الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة

* عندما يتحدث عالم الكيمياء صالح جواد الوكيل ينصت أساتذة وعلماء الطب. فمن النادر أن يحمل عربي لقب أستاذ الخدمة الممتازة Distingushed Service Professor، ويرأس طوال 30 عاماً قسم الكيمياء الحيوية Biochemistry في كلية بايلور للطب في هيوستن في ولاية تكساس، التي تعتبر الملاذ الأخير للعلاج الطبي. وصعب تماماً أن يُنتخب خريج جامعة عربية لعضوية الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة. وشبه مستحيل أن تذكر الأكاديمية في البيان الانتخابي لعالم عربي أنه أحدث ثورة في علم الطب.

* شباب العلم

* في العام الماضي، بعد نصف قرن من الاكتشافات، وعلى مشارف السبعين من العمر قاد الوكيل فريقاً عثر على الجين الذي يمنع تراكم الدهون في الجسم. اعتُبر بحثه الجديد الذي نشرته مجلة «ساينس» Science واحداً من أهم الاكتشافات العلمية للعام 2001 ، وأصبح العالم الذي ولد وترعرع في العالم العربي هدف صناعات الأدوية العملاقة المتخصصة بإنتاج العقاقير المضادة للسمنة والبدانة وأمراض الأوعية الدموية والسكري. ويمكن القول أن الوكيل، الذي أكمل الدراسة الاعدادية في بغداد، ونال البكالوريوس في الجامعة الأميركية في بيروت، حقق ثورتين في علم الطب الحديث.

السؤال المطروح الآن: متى يجتاز العالم العربي حاجز المستحيل الأخير ويحصل على جائزة نوبل؟ الجواب عن ذلك قدمته جوائز عالمية عدة نالها تمهد لنوبل كان آخرها حصوله في العام الماضي على جائزة علمية حميمة إلى قلبه تحمل اسم أشهر جراحي القلب في العالم زميله اللبناني الأصل التسعيني مايكل دبغي.

* الحياة واللاحياة

* يعتبر صالح الوكيل من جيل علماء الحياة الرواد الذين قال عنهم الكاتب العلمي المشهور آيزاك آزيموف «أزالوا الحدود بين الحياة واللاحياة». فالاكتشافات التي قام بها في منتصف القرن الماضي دمجت، حسب اعتراف الأكاديمية الأميركية علم الكيمياء الحيوية بعلم الفيزياء الحيوية لتنشئ العلم الجديد: الأحياء الجزيئية MolecularBiology. جمع هذا العلم الذي أطلق ثورة الطب الحديثة دراسة التفاعلات الكيماوية للأنسجة الحية ودراسة القوى والظواهر الفيزيائية للعمليات الحياتية.

وبدأ الوكيل مسيرته العلمية الفذة حين عمل في عام 1952 كباحث في معهد بحوث الإنزيمات في جامعة ويسكونسن التي كانت تعتبر آنذاك موئل الدراسات العالمية حول الإنزيمات. وانطلق العالم الشاب في أول خطواته العلمية عكس التيار المسيطر في ميدان دراسة تأكسد الحوامض الشحمية التي تنتج طاقة عمل خلايا الجسم، أي طاقة الحياة. كانت وجهة النظر السائدة آنذاك تعتقد بأن آلية تركيب الحوامض الشحمية هي مجرد المعاكس لعملية تأكسد الحوامض الشحمية، ولا تستحق بذلك الاهتمام. لكن روح التحدي والجلد العلمي دفعاه إلى تركيز جهوده على مجموعة تجارب مثيرة برهنت أن آلية تركيب الحوامض الشحمية في الجسم تختلف كلية عن آلية تأكسدها. هذا «الاكتشاف الأنيق» حسب تعبير عالم الكيمياء البيولوجية الأميركي البروفيسور جون ولسن، فتح الأبواب لسلسلة الاكتشافات الخاصة بأهم العمليات الي يقوم بها الجسم وتؤدي إلى إدامة الحياة، وهي عملية تمثيل الإغذية في الجسم (الأيض Metabolism).

* سيرة مضيئة

* نصف قرن من إبداعات علمية وانجازات استثنائية فائقة نوعياً ومدهشة كمياً. بهذه العبارة لخص جون ولسن السيرة العلمية للوكيل الذي منح العلم «سلسلة اكتشافات مثيرة تكفي كل واحدة منها لإضاءة سيرة بكاملها».

بلغ عدد البحوث المنشورة للوكيل نحو 200 بينها 24 بحثاً تعتبر مراجع رئيسية تهتدي بها البحوث العلمية. وحقق الوكيل منذ توليه في عام 1971 رئاسة قسم الكيمياء البيولوجية في كلية بايلور للطب فتوحات علمية غيرت، حسب تقدير جون ولسن، علم الإنزيمات Enzymology التي تعتبر مفاتيح العمليات الحياتية في جسم الإنسان. وتسلسلت اكتشافاته عبر مراتب الحياة، من أدناها، جزيئات Ecoli إلى الخمائر ثم الفئران وحتى البشر. وتوالت على امتداد ذلك تقنياته، بدءاً من استخلاص البروتينات، وهي مادة الحياة الأساسية، إلى استلال الانزيمات، وهي مفاتيح الحياة، بعدها استدلال تقنية ترابط جزيئات الحمض النووي، وهي مادة حروف الحياة إلى الجينات، التي هي شيفرة كل كائن حي.

خلال ذلك كله، كما يلاحظ جون ولسن «كان الأمر الثابت والوحيد فعلاً هو افتتان الوكيل كلياً بالأيض الشحمي والتزامه العميق بفهمها بالكامل». قاد هذا الافتتان العالم العربي أخيراً إلى الجين العجيب الذي يؤكسد بدرجة عالية الدهون لدى بعض الفئران ويتيح لها أن تأكل أكثر من باقي الفئران من دون أن تسمن. هذا الجين قد يكون مفتاح علاج السمنة والقلب والسكري والأمراض الأخرى المتصلة بها التي تقضي على حياة ملايين الناس سنوياً.