كان الديوان الاخير «أوبرا الأميرة الضائعة» للشاعر العراقي رعد عبد القادر، الذي رحل بالسكتة القلبية في الثالث عشر من الشهر الماضي، محاولة لكتابة جديدة، أخذت شكل الرواية الشعرية، من حيث توزيعها إلى فصول، أو شكل الأوبرا من حيث توزيعها إلى مشاهد، للكلمة فيها علاقة ـ من حيث التحسس ـ بفن الموسيقى، كما يقول في هذه المقابلة مع «الشرق الأوسط» قبل رحيله بأيام:
* تبدو «أوبرا الأميرة الضائعة» وكأنها حلم طويل قسم إلى فصول: كيف تولدت فكرتها لديك؟
ـ بعد صدور كتابي الشعري الأول عام 1979، وكتابتي لقصائد الفتنة الأبدية المنشودة عام 1979 في مجلة الأدب البيروتية، وبعد مشاركتي في مهرجان ملتقى الشعر الأول في بغداد عام 1978، تولدت لدي أحلام شعرية ممتزجة بأحلام حياتية في كتابة سيرة حلمية شعرية تمسك بثيمة الجمال، وتخلق من حولها عالماً يوازي نهارات الروح ولياليها الضاجة بالكشوفات، رافقني حلم الكتابة، وكنت واقعاً بين منطقة عالم الخيال وعالم الواقع.. أو أقع في منطقة الجدل والتجاذب والحوار. وفي مرة صحوت على وقع كلمة كانت صوتاً ورؤيا جمالية خالصة، تحيط بها تفاصيل شديدة الواقعية،
* لماذا إذن هي أوبرا؟
ـ أوبرا الأميرة الضائعة، هي كتاب شعري، يتقدم كثيراً على قصيدة النثر التي شاعت كتابتها في العراق بعد منتصف الثمانينات، وهي كتابة جديدة، أخذت شكل الرواية الشعرية، من حيث توزيعها إلى فصول، أو شكل الأوبرا من حيث توزيعها إلى مشاهد، للكلمة فيها علاقة ـ من حيث التحسس ـ بفن الموسيقى. ولهذا قسمت الكتاب إلى ثلاثة أقسام، وثلاث حركات، واعتقد أنني كنت مدفوعاً في كتابة هذا العمل الذي أنجزته في بداية عام 1980، ونشرته في مجلة الطليعة الأدبية عام 1986، ثم صدر بكتاب منفرد، بقوة الشعر.. الشعر بوصفه كشفاً معرفياً، وبقوة الروح بوصفها باحثة أبدية عن سر تكوينها، ولم يكن يشغلني إلى أي جنس تنتمي هذه الكتابة، وما هي درجة مغامرتها التجريبية، وأين ستضعني شعرياً. كل ذلك جاء متأخراً.. من آخرين، وصفوا تجربتي في كتابة «الأوبرا» بأنها تجربة ريادية في كتابة قصيدة النثر الطويلة، أو في كتابة النص المفتوح.
* قسمت كتابك إلى ثلاثة أقسام، ما هي هذه الأقسام؟ ولماذا؟
ـ تنقسم «أوبرا الأميرة الضائعة»، كما سبق أن اشرت، إلى ثلاثة أقسام، في القسم الأول تجسد لي الجمال في شكل امرأة، تشكلت ملامحها في أحلام يقظتي، وكان ظهورها خاطفاً، ولم يدم لأكثر من ومضة برق، بعدها بدأت رسائل غيابها تداهم عيني وتتغلغل إلى أعماقي، وبدأ البحث عنها.. عن الجمال الذي حضر وغاب في آن واحد.
وفي القسم الثاني، بدأت رحلة البحث عن الحاضر الغائب، عبر أراضٍ وأبواب وممرات ودهاليز، يرافقني في كل ذلك غناء وتمجيد وتهليل، للحظات اعتقدت بأنه ربما امتزج شكل المرأة بالطبيعة، فخلق جمالاً خاصاً، وكنت خلال ذلك، أخلع رداء روحي على الأشياء التي أصادفها، فكان غنائي علامة على وجود الجمال.
وجاء القسم الثالث ليرد لي الجمال، فغنتني الكائنات بوصفها العاشق الأعظم للوجود الجميل.
يخيل لي أن «أوبرا الأميرة الضائعة» عمل يتناص مع روح الشرق، مع عمق تجليات هذه الروح، يستلهم حضارة الروح وغناءها ويمجد جمالها، ويدعو للبحث عنها.. ومن هنا فانني أرى أن هذا العمل، بغض النظر عن كوني مؤلفاً له، هو من الأعمال التي سترافق الإنسان في مسيرة أحلامه، كغناء عميق، لا يمكن أن ينفصل عن الذات في سعيها لبلوغ لحظة الجمال الخالدة.
* هل لروح الشرق علاقة بالرقم (سبعة) الذي نقرأه في كتابك؟
ـ نعم فالرقم سبعة يرد للإشارة إلى أعوام سبعة، وأبواب سبعة، وأراض سبع. لقد كان لهذا الرقم ـ في الواقع ـ فعل سحري داخل العمل، وربما كان يدخل في أساس تكوينه، وهو من بقايا ما علق في الذكرى من لحظات خلقها السعيد، وتحول خلقها إلى أساطير وحكايا وقصص، وربما أكون أنا باتصالي بالرقم 7 قد كونت العدد 8، وأكون بذلك قد كتبت قصة الإنسان الكامل. ومن هنا فـ«أوبرا الأميرة الضائعة»، هو كتاب في السيرة الحلمية للإنسان الكامل، الذي يتشوق إلى بلوغ أعلى لحظات الجمال.
* نشرت الكتاب بعد اكثر من عشرين عاماً من كتابته. لماذا هذا التأخير؟
ـ كنت أعمل خلال هذه الفترة الطويلة على تطوير تجربتي الشعرية، وأظهر صوتي الخاص في مجاميع لاحقة «جوائز السنة الكبيسة»، و«دع البلبل يتعجب»، و«الأطروحة الشعبية» ـ لم تنشر بعد ـ واكتشفت من خلال نشري لأوبرا الأميرة الضائعة انني شاعر كتاب شعري، وليس شاعر قصيدة، فكل كتاب لي هو عمل له إجراءاته الخاصة ومقترباته الفنية ومنطلقاته الرؤيوية، وحين أنظر الآن إلى أعمالي المنجزة، وأتشوق إلى مشاريعي المستقبلية، أجد أني غادرت فكرة كتابة القصيدة إلى فكرة كتابة الكتاب الشعري، وتجربتي في مجال الشعر قريبة من تجربة القاص العراقي الكبير محمد خضير في مجال السرد. وربما كان لانفتاحي على جميع طرائق الكتابة الشعرية، ومعرفتي بها، وانفتاحي على النثر العربي في أعلى تجلياته، وعلى الأجناس الإبداعية، ومحاولتي لفهم ذاتي الشعرية من خلال كل ذلك.. أقول ربما كان لذلك علاقة بمشروعي المتمثل بفكرة «الكتاب الشعري».