عبد القدوس الأنصاري: ريادة صحافية وحوارات حيوية قبل نصف قرن

TT

تحدث الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، عضو مجلس الشورى السعودي وعضو المجلس الأعلى للإعلام، الضوء عن جوانب مشرقة في حياة أحد رواد الصحافة والأدب في السعودية وهو عبد القدوس الأنصاري الذي ارتبط اسمه بمجلة «المنهل» التي تعتبر موسوعة المعارف وسجل الآداب والعلوم في السعودية خلال سبعة عقود. وتوقف الشبيلي في محاضرة ألقاها أخيراً في نادي المدينة المنورة الأدبي عند محطات بارزة في تاريخ الصحافة والطباعة في المدينة المنورة من خلال الأنصاري ومجلة «المنهل» اللذين اعتبرهما توأمين.

كما تناول المحاضر ريادة الأنصاري للدراسات الأثرية في السعودية بمفهومها العلمي الحديث الذي يعنى بالتنقيب والرموز والكتابات القديمة إضافة إلى اهتمامه بالتاريخ وبكتابة ترجمات أبرز الشخصيات السياسية والثقافية في المجتمع السعودي إضافة إلى اهتمامه بالرحلات، وأبرز المحاضر المكانة الفكرية المتقدمة للأنصاري وريادته الإعلامية والأدبية وحضوره في الصحف والمجلات المحلية والعربية وفي الإذاعة المصرية قبل نصف قرن.

ونعرف من المحاضرة، أن الشيخ الأنصاري كان من أوائل من طالب بإنشاء جامعة سعودية وتسمية المنازل والشوارع في مدن السعودية وبانشاء لجنة للبحوث العلمية، كما كان من أوائل من دعا لافتتاح إذاعة، وظل بعد افتتاحها يمدها بأحاديث في موضوعات مبتكرة وشيقة دوّن بعضها في العدد الخاص من مجلة «المنهل» بعنوان «أوعية وغلال» عام 1955.

وفي بداية المحاضرة، تناول الدكتور الشبيلي بدايات الطباعة في المدينة المنورة التي بدأت في عام 1909 من خلال مطبعة صغيرة طبعت فيها جريدة «المدينة المنورة» الأولى، ثم مطبعة حكومية صغيرة عام 1916 طُبعت فيها جريدة «الحجاز»، ومن خلال مطبعة أهلية كبيرة طبعت فيها جريدة «المدينة المنورة» الثانية في عام 1936.

وتحدث المحاضر عن نظام المطبوعات آنذاك موضحا أن كل صحف الحجاز التي صدرت في العهدين العثماني والهاشمي كانت مشمولة بقانون المطابع والمطبوعات التركي الذي صدر في عام 1909. وفي ظل العهد السعودي صدر أول نظام للمطبوعات والمطابع عام 1929 متأثراً بسابقه التركي. ولفت المحاضر الى أن شؤون المطبوعات آنذاك ارتبطت بوزارة الخارجية وهو ما يستغربه البعض، إلا أنه أزال هذا الاستغراب بايضاحه أن تحول إدارة المطبوعات التي كانت مرجعاً للصحف السعودية ولإصدار تراخيصها إلى اسم قلم المطبوعات والحاقها بوزارة الخارجية عند إحداث الوزارة عام 1930 يعود إلى أن كل الأجهزة الحكومية آنذاك كانت ترتبط بالأمير فيصل الذي كان نائباً للملك عبد العزيز في الحجاز ووزيراً للخارجية ورئيساً لمجلس الوكلاء الذي تطور في ما بعد ليصبح مجلساً للوزراء.

وأوضح المحاضر أن هناك ثلاث مسائل، تلفت النظر إلى مكانته الفكرية المتقدمة وريادته الإعلامية والأدبية، وهي مسائل لم تسلط عليها الأضواء كما يجب من قبل دارسي تاريخه ولا حتى من قبل مجلته «المنهل» التي خصصت العديد من الأبحاث عنه منذ رحيله قبل عقدين من الزمن.

المسألة الأولى هي تلك الاستفتاءات، وكذلك الندوات، المستنيرة في أبعادها، الثرية في مضامينها، التي أطلقها عبر «المنهل» بين فترة وأخرى، عن قضايا فكرية وأدبية جدلية، وكان يشارك فيها أبرز أعلام الثقافة والأدب السعوديين في عصره، في حوارات راقية واعية وهادئة، ما تزال بعض محاورها تطرح في المجتمع السعودي وأوساطه الثقافية حتى اليوم، أي بعد مضي أكثر من نصف قرن على طرحها في «المنهل».

ومنها ندوات عن الأخلاق والتعليم، وعن خير الطرق لتعميم التعليم، وعن التعليم العام أم التعليم العالي، وعن الابتعاث إلى الخارج من عدمه، وعن الصناعة أم الزراعة، وهل استفدنا من الأدب، وعن الوضع الأدبي الراهن بين الصعود والركود، واستفتاءات حول رسم برنامج عملي لرفع مستوانا الاقتصادي، وعن أثر الأدب الحديث في هذه البلاد، وهل يصلح أدبنا للتصدير، واستطلاع للآراء حول ذبائح منى، وتخطيط وسائل النهضة الصحافية.

أما المسألة الثانية، فهي تلك الصلة الفكرية التي كانت تربط الأنصاري بعبيد مدني، التي أنتجت، رغم قربهما الجغرافي، حصيلة أدبية مخطوطة تستحق التدوين والنشر. ومن المعروف أن الشيخ محمد الطيب الأنصاري، كان الأب الروحي ـ إن جاز التعبير ـ للشيخ عبد القدوس، فقد أثر عليه ثقافياً وأدبياً منذ صغره.

أما المسألة الثالثة، فكانت في معرفته الموسوعية التخصص، إلى الدرجة التي لا يتردد المنصف معها في أن يطلق عليه لقب العلامة، فهو متشعب الاهتمامات، متنوع المواهب، وهو، بدون مشاحة، الأستاذ في الأدب والتاريخ واللغة والآثار، بالإضافة إلى العلوم الشرعية. ويكفي أن يضرب المثل بموسوعة مخطوطة ضخمة عن النخلة، خلفها الشيخ الأنصاري، وهي تقع في 700 صفحة، ستصدر هذا العام عن دار «المنهل».